عدت المحافظات يوم الخامس من اب 2015 يوما فاصلا بين تاريخين لانه بنظرهم يمثل (تحطيما) لقيود المركزية وتحررا من هيمنة المركز على الحكومات المحلية في المحافظات ، تلك الهيمنة التي كانت تكبل التنمية والحياة كما يتحدث دائما المسؤولون المحليون .. وقد اقامت عدد من المحافظات احتفالات رسمية احتفاء وفرحا بفك الاشتباك والتداخل في الصلاحيات بين المركز والمحافظة وبدءا من 6/8/2015 امتلكت المحافظات سلطة القرار ولم تعد بحاجة الى الحصول على موافقات المركز لتنفيذ خططها ومشاريعها المختلفة حتى ان موازنة العام المقبل 2016 سيتم تخصيصها لمجالس المحافظات .. فيما يذهب البعض الى اكثر من ذلك عندما يؤكدون ان نقل الصلاحيات من الوزارات المشمولة الى المحافظات سيسهم بنحو او باخر في تهدئة الاجواء وتقليل التوترات وتحسين المناخ السياسي بين الحكومات المحلية والمركز وهذا الامر سينعكس ايجابا على الواقع التنموي اذ ستشهد الخدمات تحسنا ملموسا من خلال تجاوز الروتين .
نعم ان خطوة نقل الصلاحيات سيساعد في دفع عجلة التنمية المحلية في المحافظات الى الامام .. فالمنطق يقول ليس من المعقول ان تتولى وزارة التربية مثلا مهمة بناء مدرسة في قرية نائية لايعرف المعنيون في الوزارة اين تقع .. او ان تقوم وزارة الصحة بانشاء مركز صحي في قصبة بعيدة وهكذا الحال بالنسبة لباقي الوزارات المعنية .. فوضع من هذا النوع من شأنه ان يشغل الوزارة وملاكاتها عن مهامها الاساسية.. وهنا رب سائل يسأل : مالذي ستقوم به الوزارة بعد نقل الصلاحيات .. هل تغلق ابوابها وتسرح موظفيها ؟ ..كلا .. ان المهمة الاساسية لاية وزارة قطاعية هي رسم السياسة العامة للقطاع والاشراف بنحو عام على ترجمة تلك السياسة الى مشاريع في ارض الواقع ومتابعة تنفيذ تلك المشاريع اذ ستناط مهمة تنفيذها الى الحكومات المحلية فهي الاقدر والاعرف بحيثيات الواقع التنموي لديها .. ولكن المشكلة ان الامور لاتبدو واضحة تماما فبعض الوزارات ابدت قلقا وتخوفا من نقل الصلاحيات خشية ان يتم تجريدها من مهامها وبالتالي لن تكون هناك حاجة لبقائها فيتم الغائها !! ..وبعضها وبسبب ضغوط كتلوية ترى ان نقل الصلاحيات سيحرمها من الكثير من الامتيازات مما يتطلب البحث عن وزارات بديلة لان الوزارات التي ستنقل صلاحياتها لن تعود وزارات (اقتصادية) ! .. وهنا لا اتحدث عن قضية الامتيازات فهذه معضلة عويصة ادخلت البلاد والعباد في الكثير من المشاكل بسبب عدم قناعة الكتل السياسية ببعض الوزارات محدودة الدخل !! .. انما الى رسم السياسات التنموية فاذا كان الجميع يعتقد ويؤمن بهذا الدور الحيوي فان الوزارة المنقولة الصلاحيات سيصبح شانها اكثر تأثيرا وهي تمارس دورها الاساس في عملية الاصلاح والبناء الحقيقي للبلد ..ومن جانب اخر هل بامكان الحكومات المحلية ان تنهض بهذه المهمة في ظل الصراعات الشديدة والمستمرة بين المحافظ والمجلس التي كان تأثيرها واضحا في خطط المحافظات السنوية التي طالما كانت تتاخر في كل عام بسبب عدم الاتفاق بين الطرفين بشأن المشاريع التي تتضمنها الخطة ، والمعطيات تشير الى ان الصراعات محتدمة في الكثير من المحافظات ومن الصعوبة بمكان تحقيق التوافق الدائم المحلي .. وامر من هذا القبيل سيحرم ابناء المحافظات من التمتع بنعيم امتيازات نقل الصلاحيات وقد اثبتت تجارب السنوات الماضية هذه الحقيقة اذ لم تكن نسب تنفيذ المشاريع في اطار برنامج تنمية الاقاليم بمستوى الطموح ففي احسن الاحوال لاتتجاوز الـ(70) في المئة فيما يتم تدوير التخصيصات غير المصروفة الى العام التالي وهذه الميزة لم تعد فاعلة في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها العراق
خلاصة القول ان قرار نقل الصلاحيات من الوزارات الاتحادية الى الحكومات المحلية امر حسن ولكن تكتنفه الكثير من المشاكل والمعوقات سواء على مستوى المركز او على مستوى المحافظات وهذا يتطلب دراسة الواقع بنحو معمق لكي لا نخسر الخيط والعصفور في آن واحد وارجو ان لايؤخذ هذا الكلام على انه تحريض على القرار بل على العكس هي دعوة لتوفير البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية قبل ان يتم العمل به بنحو مطلق ويكون نقل الصلاحيات بصورة تدريجية حتى نضمن تطبيقا سليما ومضمونا لهذا الاجراء الاستراتيجي.
—