بعد قيادة التحالف الدولي معركة اسقاط النظام التي استمرت (29) يوماً ( من20 اذار وحتى 9 نيسان 2003) نشرت مواقع التواصل الاجتماعي صورا قيل عنها يومها انها تصاميم جديدة للعاصمة بغداد والمحافظات العراقية ، ومدينة البصرة الفيحاء منها ، كانت الصور تمثل مدنا حضارية حديثة فيها الابراج السكنية والشوارع الواسعة والجسور المعلقة والقطارات والمترو وكل وسائل النقل اضافة الى الخدمات في الجوانب كافة ..
يومها عاش العراقيون اجواء حلم سرمدي رسم لهم المستقبل الوردي لبلدهم ، ودارت في اذهانهم كيف ان مدنهم ستتحول من مجرد خرائب الى مدن ابراج وعمارات شاهقة وشوارع فسيحة . الا ان تلك الصور بقيت مجرد حلم ظل تحقيقه غائبا عن العراقيين حتى يومنا هذا .. وبتعبير أدق كانت جزءا من الحرب النفسية الموجهة الى الشعب العراقي لتزيين صورة المحتلين ، ولان ذاكرة الجمهور قصيرة حسب تعبير دهاقنة الاعلام فقد نُسيت الصور .. وتلاشى الحلم ، وبقي الحال على ما هو عليه رغم مرور (12) عاما على التغيير الجديد.
ويبدو ان بعض تلك الصور وقع بأيدي مجلس محافظة البصرة وادارتها فظهرت بها الى الاعلام لتعلن عن مشروع برج هو الاعلى في العالم ، سمي بـ(برج عروس الخليج) صحيفة الغارديان البريطانية هي صاحبة “البدعة” هذه المرة فقد كتب مراسلها (سيتفن روس) مقالا اشار فيه الى مؤسسة “AMBS ” البريطانية العراقية هي التي قامت بتصميم البرج الذي يتألف من (230) طابقاً بارتفاع (1152) متراً وتسعى المؤسسة من خلال التصميم الاساس الى خلق مدينة “عمودية” تتألف من اربعة ابراج ذات ارتفاعات متساوية مرتبطة مع بعضها تضم ( اضافة للمكاتب والفنادق وملحقاتها) نظام مواصلاتها الخاص ومدراس ومستوصفات وشققا سكنية ومظلة عملاقة تغطي المناطق المفتوحة عند قاعدة الابراج..
هذه المظلة تسمى “البرقع” تيمناً ببرقع العروس حسب “سيتفن روس” نفسه” .. مصمم هذه الابراج اسمه (ماركوس دي اندريس) وهو يرى ان مجموعة ابراج مترابطة مع بعضها اكثر اماناً ومتانة من الابراج المفردة والمتفرقة . المهم تقرير سيتفن روس ينتهي كما تنتهي احلام العراقيين – الى انه لا توجد مواعيد محددة حتى الان لتنفيذ المشروع ولا مواعيد للانتهاء – وان موقع انشاء البرج لم يحدد بعد .. ويبدو ان الصحفي متفائل لذا نشر تقريره وهو مطمئن انه سوف يشهد في يوم ما “برج البصرة”.
البصرة التي يمكن ان تصبح (سلة غذاء الخليج) بحكم وفرة المياه والاراضي الخصبة وقرب السوق الخليجي وحاجته المتواصلة للفواكه والخضر الطازجة وسهولة نقل هذه السلع الى مختلف العواصم الخليجية ، لا تفكر ان تبقى على الارض وتزرع ، بل تحاول ان تطير في الفضاء لتبني اعلى برج في العالم .
اذا علمنا ان هناك (202) برج مشهور في انحاء العالم تختلف ارتفاعاتها بين(828 متراً) وهو “برج خليفة” في دبي و(242 متراً ) “برج الجوهرة” في جدة بالمملكة العربية السعودية ، وبين هذا وذاك تتزين عواصم العالم ومدنه بأروع وابهى الابراج ، في حين انهم جميعاً لا يمتلكون برجا مثل برج بابل الشهير الذي بناه العراقيون قبل اكثر ثلاثة آلاف عام . ولم يكن في اية عاصمة في الدنيا برج يضاهي بهاءه ورفعته وجماله وهيبته .
محافظة البصرة التي لم تستطع ان توصل المياه العذبة الى المحافظة لخلاص اهلها من المياه المالحة التي لا تصلح لاي شيء حتى غسل اليدين ، يبدو انها تحلم ببناء اعلى برج في العالم ، لا نريد ان نثبط عزم البناة ، لكن المنطق والواقع يقول : ان من لم يستطيع ان يوصل الخدمات والمياه الصالحة للشرب الى البصرة ويجعلها مدينة نظيفة بدل تراكم النفايات ، سوف لا يستطيع بناء ( برج عروس الخليج) الا في الاحلام .. وما اجمل احلامنا نحن العراقيين منذ فجر التاريخ.
عبدالزهرة الطالقاني
القاهرة
—