تدور أحداث مسرحية طقوس الإشارات والتحولات وفي جزئها الأول ) المكائد ) حول وقوع نقيب الاشراف (عبد الله ) في مكيدة دبرها له عدوه اللدود ( المفتي ) وذلك بإرسال احد اعوانه الى قائد الدرك ( مسؤول المخفر) ليخبره بالمجون الذي يقترفه نقيب الاشراف مع ( وردة ) الزانية , ولأن قائد الدرك من اتباع المفتي فانه يسرع الى إلقاء القبض على الاثنين و هما متلبسين , حينها يدور قائد الدرك بالاثنين و هما عاريين الا مما يستر و الراقصة مرتدية ملابس نقيب الاشراف و عمامته ليحدث ذلك ثورة عظيمة من الاراء بين افراد المدينة , يصل الخبر الى المفتي فيتظاهر بالغضب ووجوب انقاذ نقيب الاشراف , ويذهب الى بيته فيدور بينهما حوار عنيف ينتج عنه قبول زوجته بالذهاب الى السجن بدلا من الزانية لكي يصل كشاف الوالي الى السجن فيجد النقيب وزوجته ويكون قائد الدرك هو المذنب باعتدائه على حرمات اشراف البلد , وتنتهي المسرحية بسجن قائد الدرك وطلاق ( مؤمنة ) زوجة نقيب الاشراف . يسترسل سعد الله ونوس احداث المسرحية في جزئها الثاني ( المصائر ) حيث تتحول مؤمنة الى الماسة احدى بنات الهوى اللاتي يعملن لدى وردة فتكون معشوقة الجميع تضرب عرض الحائط كل الاعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة آنذاك وتكشف عن حقائق عميقة في حياتها حول حقيقة والدها الشيخ الذي كان المعلم الاول للفسق وتخرجت على يده معلمتها الحالية واخيها البكر كذلك عن المفتي الذي هام حبا بها ثم الوالي وهكذا تتوالى الاحداث ليكون التحول المصيري واضحا , اما العفصة صديق عباس يتحول الى رجل متصوف يبحث عن الطهارة و الشيخ محمد الحزاز والد مؤمنة يصبح رجلا يخاف الله ويخاف نتائج الفسق والمفتي الافعى يصبح عاشقا لمؤمنة او الماسة الا انه يقضي على عشقه في اقراره القضاء على الفساد و الفسق المتمثل بمؤمنة والوالي العادل يتحول الى رجل تتلاعب فيه اهوائه ورغباته فيتوقف القضاء على المفسدات بكل صورها والتي اقرها المفتي و يعفيه عن منصبه اما مؤمنة التي تحولت الى فاسقة وزانية فانها تقتل على يد اخيها صفوان .
تطل علينا الكرنفالية بدمج الثقافة الدنيا لبت الهوى ( وردة ) بالثقافة العليا لشخصية مرموقة من شرفاء المدينة , اذ عمل الدمج على كسر الحواجز بصيغة جميلة متخذة من الدربكة والعود فوضويتها المفرطة والمجون والشهوة الجسدية التي تسحق تحت اقدامها كل الاعراف الاجتماعية السائدة في المجتمع بلغة مشوبة باللهجة العامية فتحدث تحولات شديدة في الجو العام الذي يعتاشه (عبد الله ) مع ( وردة ) وهي تغني بصوت ناعم وتتمايل امامه وتتلوى كالافعى الناعمة بكل اغراء ومجون , وتنطلق كلمات الاغنية من فمها بتأوه ودلال تجعله بمركزه المرموق يذعن لاوامرها وهي الانسانة الرخيصة والمنحلة في نظر تقاليد واعراف مجتمعها ساحقة بذلك الحواجز الطبقية التراتبية اجتماعيا وسياسيا وهذا ما تجري خلفه الكرنفالية , اذ ترسم صورة لالتقاء الثقافة الشعبية بالرسمية دون أي تمايز ومسافات فاصلة ليكون اللقاء احتفالا ماجنا يجمع بين التضادات في مكان واحد وفي لحظة راهنة هاربة من التقاليد والقوانين الارضية والسماوية فترتدي ( وردة ) العمامة الخضراء وبقية ملابس عبد الله وتتحول الى ظاهر رجل وجيه بجوهر امرأة زانية فتمارس الاقنعة الكرنفالية دورها في طمس العلامات وتحركها اذ تتوالد مدلولات اخرى حين يفرز الدال عن واقعه الاصلي الى واقع غريب حينها يبدأ الخلق واظهار الباطن , فنرى العمامة الخضراء رمز القداسة وهي تعتلي هامة راقصة زانية مبتذلة يرتبط المدنس بالمقدس في لحظة راهنة تنقلب فيها الموازين حيث لانظام ولا قوانين وهذا ما تنشده الكرنفالية , وتبرز هذه الجمالية في الاحتفالية الفوضوية في حوار عباس والعفصة وسمسم المستخنث الخارج عن القوانين السماوية في مجلس شرب العرق , حينما نادى سمسم للجلوس الى جواره رفض حفصة ذلك لانه نجاسة فاجابه عباس بكل فوضوية ” من يسمعك يظن ان مجلسنا في الكعبة” وبذلك فقد سخر واهان الاعراف الدينية بتلفظه لأقدس مكان ديني وبفم تفوح منه رائحة العرق , وتستمر السخرية بتحرر نقيب الاشراف حيث ينسق القيم الرسمية بما يتجاوب ورغباته واهوائه , فيضحك ويرقص ويمشي على الاربع حاملا وردة على ظهره وكلما تسقط العمامة من على راسها يعيدها ويستمر بالنقر على الدربكة ويتلوى امامها كماجنة , ليكون ذلك المشهد محاكاة ساخرة للقداسة ورجال السلطة والقوانين والاعراف , يدخل عزت ( قائد الدرك ) على الاثنين فيشوب الجو شيء من الارباك والتردد لتوجه الاهانة من الاخير الى نقيب الاشراف بل الى جميع اشراف الدولة فتسخرالكرنفالية من السلطة ورجالها والافكار السائدة وكل ما هو رسمي مبجل وثابت , ان حمل نقيب الاشراف مقيدا وراءه وردة بثيابه وسط رجاله صورة لأعظم مظاهر الفوضى والسخرية من رجال السلطة وارتداء وردة لتلك الملابس انما هي سخرية من التاريخ والثوابت والسياسة الطبقية والقيم الرسمية وجمع المتضادات منشدة بذلك ثورة عارمة على الفساد الذي تغوص فيه السلطة مما يجعل الحياة مضطربة الحركة الجماعية تتعالى فيها الاصوات وتتعدد بشكل جمعي , فيصدح التفكير بصوت مرتفع بإهانة العامة لاشراف البلد والبصق عليهم والاحتجاج على منصبهم فهي اصوات تنشد تغيير الواقع الفاسد وكسر المراتب والتوازنات والنظام , وفي الجهة المقابلة نجد وضع الزوجة بدلا من الزانية في السجن لمحو الفضيحة, لتقيم الكرنفالية بكل جمالية حوارا حرا للاطراف المتضادة والمشاركة في المكان والزمان في لحظة راهنة جمعت بين المرتزقة والاشراف , الكبار والصغار , الزوجة والزانية , اذ تولد اللحظة قوة هائلة تمكنهم من ازالة الحواجز والتحرر منها بارتفاع اصواتهم وحرية افعالهم دون أي تكلفة وهذا هو جوهر الكرنفالية , كذلك اكثر المؤلف من العبارات القبيحة والمهينة لاحداث تحولات في الجو العام ونشر الفوضى حتى في استخدام العبارات والالفاظ ويبدو ذلك جليا في حوار المفتي مع اعوانه ” هو يخرأ وعلينا نحن ان نمسح خراءه ” وحوار عباس لسمسم ” انت يا ابن اللوطية ما معنى هذا الغمز واللمز ” وصل ( العفصة ) الى اللحظة الكرنفالية الراهنة التي نقلته من عالم كتمان الرغبة والتخوف من العادات والتقاليد السائدة في المجتمع والدين الى الغوص في احضان الرغبة والعشق المحرم والعلاقات الاجتماعية الغير سوية ” عباس : اذا كنت طيعا ومرضيا سأكون خيمة تغطيك وتحميك ( يدفن العفصة رأسه في حضن عباس ) العفصة : سأكون كما تشاء .. انصب خيمتك فوقي وسأستريح ” وهذا ينم عن شهوة عارمة عن خطيئة يغوص فيها الاثنين تتعارض مع التقاليد والقوانين الاجتماعية وتعاليم الدين والاخلاق , ثم يصل الامر الى الاستحواذ على شجاعة مخربة مهولة فيرتفع صوته عاليا معلنا عشقه لعباس .
في الجزء الثاني من هذه المسرحية تعلن الكرنفالية سطوتها على هذه الشخصية فيحدث تغييرا عظيما في الشكل الخارجي لها نتيجة لثورة عارمة حطمت في داخلها كل القوانين السماوية والارضية فيعلن ( العفصة ) تحوله ويواجه مجتمعه بشوارب حليفه ووجه ناعم يميل الى التخنث وحركات ملتوية وكلمات عشق لاذعة , وتضيء الكرنفالية قناديلها في احداث التغيير واعلان التحول في الشخصية بلحظة راهنة تتحول فيها مؤمنة الشخصية الملتزمة الوقورة ابنة الشيخ المؤمن الى زانية ترقص في سجن عبد الله لا لإنقاذه بل لتحقيق حلما طالما راودها فتكون البداية متعثرة ومرتبكة وخشنة لكن سرعان ما تلين وتنعم لتكون ولادة كرنفالية جديدة تكسر كل الحواجز والأعراف والقداسة والطهارة بتحولها الى زانية تسكن دار وردة لتكون احدى فتياتها العاهرات , اذ قرعت الكرنفالية طبولها في السخرية من رجال الدين والتاريخ و الثوابت في كشفها حقيقة الشيخ الجليل والد مؤمنة في كونه مربيا جيدا للفسق وعالما بطبقاته ومراتبه , فقد كان معلما متقنا لعمله بحيث خرج وردة من مدرسته تلك الافعى التي تلتف حول الاغنياء فتمتص دمائهم القذرة وتجعل كل منهم دوابا لخدمتها وخدمة رغبتها وشهواتها, وتزداد طبول الكرنفالية قرعا في شخصية مؤمنة التي تتصارع الاضداد فيها , بين الزوجة الفانية والغانية بتلاعب لطيف وخطير جدا بين الحلم واللذة, بين القانون الاجتماعي والرغبة العارمة المحطمة له بين الرعب واللذة فيعلن الحلم ولادته تحت سطوة الخوف والقوانين الارضية و السماوية و تزداد محاولات مؤمنة للخلاص من الحواجز التي تفصل بين المقدس والمدنس لتنتقل من الطهارة والهيبة والحياء والعناقات الزوجية المقدسة الى الزنا والتدنيس ليبرز الاشمئزاز والقبح وكل الاشياء المقدسة , يزداد قرع طبول الكرنفالية علوا وصخبا حتى تتفجر هذه الشخصية في ولادة بعد مخاض طويل وتصرخ دون اية تكلفة متحدثة عن يوم زواجها حينما اجلسوها على الكرسي واغمروها وصايا في غض طرفها وخجلها من زوجها والاخرين وفي داخلها رغبة بالتمرد من كل هذه القيود والانتفاض ضد كل ما يمنعها عن اعلان اسرارها ورغبتها في الرقص والابتهاج بل هي رغبة في تمزيق ثوبها والقفز في حركات راقصة مع الايقاع يمثل ذلك سخرية من تاريخ مؤمنة ومن حولها لتولد انتفاضة بالتغيير واعلان الحلم بعد ان كسرت حواجز الحياء والهيبة والطهارة لتولد زانية راقصة وامرأة قوية تطالب بحقوقها وتعلن رغباتها مهما كانت في تعارضها وتضادها مع القوانين الأرضية والسماوية وبلا خجل تواجه والدها بحقيقته المسكوت عنها حقيقة الشيخ مربي الفسق وتواجه الجميع بكل وقاحة وجرأة فهذا ما تنشده الكرنفالية من الحرية في لحظة سقوط تمحو به الأعراف والتقاليد والدين والنظام بل حتى التاريخ الذي تحتفظ به لسنوات , ترمي خلفها كل التحذيرات والأمثال ووصايا الأسلاف وتدعس بأقدامها المتسخة الخوف والرعب والحشمة والعفة مستهينة بالمواعض والمعايير وصورة العورة التي تمثلها في المجتمع , فتجتاح ثورة الكرنفالية شخصية ( مؤمنة ) لتنتفض باحثة عن ذاتها املة في التحرر من المستنقع الذي صنع عورة هشة تنتهكها فيه الكلمة ونظرات المفترسين كالزواحف التي تنهش الفرائس في المستنقعات , وهذا ما تربو اليه الكرنفالية العيش بالمقلوب لتمثل مؤمنة عالم تحدي ومشاركة انسانية تلقائية وثورة عارمة ضد كل ما يقيد الحرية فتحدث هذه التحولات شيء من الفوضى والجنون طالما نشدته الكرنفالية , (الماسة ) في شخصية (مؤمنة ) بشخصها الآخر المضاد والمقابل الخارج عن القانون والنظام الثائر ضد الحياة الاعتيادية والمغمور بالهوس والشهوة والجنون , اذ تنشد الكرنفالية التحول والتغير المستمر والانتفاض والثورة (العفصة ) يتحول من رجل قوي له شخصيته وقراراته الصارمة الى مخنث ناعم رقيق وعاشق معلنا رغبته وسط الملا و(مؤمنة ) المرأة ذات الهيأة والحياء ابنة الشيخ قاسم التقي وزوجة سيد الأشراف تتحول إلى الماسة الزانية تلميذة وردة فيقع في فخاخ عشقها الآخرون أمثال المفتي والوالي وصارت تضرع الشوارع بحثا عن الصخب والفوضى والشهوة بعد ان كانت تقبع في بيتها المقدس قانعة بما كتب لها حتى بيتها أصبح مدنسة تتحاورها الألسن في كل مكان وزمان, و( عبد الله ) الرجل اللعوب معاشر البغايا يتحول الى رجل متصوف ومعلم الفسق والد مؤمنة يتحول الى رجل يخاف الله ويرجو رحمته اما المفتي رامي الشباك للاخرين فقد تحول الى فريسة ضعيفة بين يدي الماسة ( مؤمنة) فتولد حياة مقلوبة وعالم كرنفالي معكوس ذو سمات جمالية تزيح كل ما ينظم ويقنن الحياة الاعتيادية فالقوانين تقع خارج الحدود الجمالية للكرنفالية, اذ أظهر لنا ونوس جماليات الكرنفالية التي برزت في التحاورالمسرحي الحر البعيد عن الكلفة في كل شيء فظهرت في الثورة الجماعية التي تنشد التغيير وكسر التراتبية الطبقية وتذويب الأنا في النحن وإزاحة كل ما ينظم ويقنن الحياة الاعتيادية , فقد أوجدت كرنفالية ونوس المكان والزمان المفتوح في لحظة راهنة قائمة على التحاور بين الأضداد بلغة مهينة قائمة على القبيح والتورية اللفظية, اذ قامت على السخرية من المبجل وضرب المركزية وتعدد الأصوات والمعاني وتحولات الوعي مشكلة بذلك منظومة كاملة من أشكال التحقير والامتهان والابتذال المرتبطة بالقوة الإنتاجية للجسم .