أخْـتـاه و يا أخـتـاه!! ….. يا رابطة الـدم بيننا… يا أختـاه! يا أصغر إخوتي! …ماكنتُ أتخيل أن يـرِّن ذاك الملعُـون؛ حاملا نعْـيكِ! نعْي أوْ وفاة أو حـتف ٌ أوموتٌ …. سيان! أمام نهاية مفاجئة غير مفهومة؛ نهاية أعادتْ بسرعة برق لافِـت؛ شريط حياتك بيننا وخارجها.. وأتساءل بحُـرقة الوداع. ما كنت أتوقع أن تسقط ورقـَتكِ في عِـز القوة والحيوية؛ رغم متاعب الحياة وهمـوم أبنائك الثلاث ومتطلباتهم.! ثلاثة أبناء من الصعب تربيتهم في زمن تكلفته باهظة؛ وارتخاء زوج مُهمل في أداء عمله! عمل يَـدر نقودا محترمة؛ من ألبسة تقليدية بين يديه شهْـدا؛ لكنَ لعْـنة الكيف والمخدرات نخرت قِـواه؛ وأمسى كسولا وكسولا…ولا مباليا …لا مباليا بأسرته وحاجياتها؛ لكن روحك المعنوية؛ وتربيتك الأصيلة؛ ما فـرطتِ فيه ولا في أبنائك؛ بقيتِ مكافحة؛ مناضلة، من أجل لقمة عيش بالكاد. لم تتشكِ يوما من الخصاصة ولا من الجـِراح؛ لنا ولغيرنا؛ رافعة رأسك بشموخ أمام الجيران وأمام بعض أفـراد عائلتك التي كانت ترحَـل إليك لقضاء عطل الصيف شمالا! مؤمنة بأن الشكوى مذلة ومنقصة؛ لذا كنتِ تحاولين قـَدر الجهد طرد اليأس والحاجة؛ تخـْفين دموع طعنات غدر الزمان بك؛ مُتشمرة على سواعدكِ بتقديم خدمات الدعم التعليمي لأبناء الحي وما جاوره؛ ولقد كانوا خير سند في دعمك روحيا وماديا؛ مقابل هـذا حاولتِ العودة لموهبتك في طرز وحياكة المنادل والأغطية لمن يرغب في ذلك. لكي تكوني سعيدة! وتحقيق معْـنى لذاك الاسم المدون في الوثائق الرسمية – [سعـيدة]- وما كنت ِسعـيدة حقا في دنياك! تِلك أسماء خَـداعة: مـزيفة. أسماء لا تفي بمعناها ودلالتها تطبيقا وتفعيلا في أرض واقع مادي ملموس، واقع معـاش وعَـصي عن الفهم.
إذ تبقى هي تلك أسماء للتمييز بين هذا وذاك لحظة النداء؛ ومن يختارها يوم الذبيحة / العقيقة: يُخادع نفـسه؟ وهل تلك الأسماء التي نحملها، تنطبق عليها (سورة النـجم 23): إن هي إلا أسْمَاءٌ سميتموها أَنتـمْ وَآبَاؤُكم مَّا أَنزَل اللَّه بِهَا مِن سُلطان إِن يَتبـعُونَ إِلا الظـنَّ وَمَا تَهْوَى الأنفُـس …؟ لأن الاسم يبدو إثــما لحامله؛ كأننا أوثان ملعونة! وأصنام تتحرك في فـَلـَك يعاكس طموحات الإنسان ورغباته! كيف لاسْـم {سعيدة} قـيْد حياتها يُصرَّف عمليا؟ وما عَـرفتْ صاحبته ُالسعْـدَ ولا الفـَرح؟ يومَ ولدتْ في زمن النكسة / الهزيمة العربية بشهرين توفي والِـدنا؛ وما حققتِ الصبابة في عِـناقِـه والاحتماء في حضنه والنظر في وجْهه الصلب بروح الجندية التي غرستها فيه الثكنات (الفرنسية) عشتِ وعِـشنا اليتـم؟ رغم كفاح الوالدة وتكالب عائلتها علينا؛ ومحاولتها مرات ومرات بيع أثاثنا المُـلمع والمفضوض! وما كانتْ تملكه من أساِورَ من ذهب خـالص! لكي نعـيش ونتعلم! وإرضاء تكالب إخوتها الذين هم أخوالك وخالتك! تلك الشرذِمة ما ساعـدونا ولا أسعـدونا يوما. بل ظلوا في منزلنا الذي اشتراه والدنا. ذاك المنزل المتواضع؛ الذي لم يراه يوما ولم ينم فيه ساعة؟ تلك الشرذمة!! كانتْ تنتظرما ستجود به القيادة العليا للجندية الفرنسية؛ من تحصيل معاش والدنا. إنَّه الطمع ُ! حول غـنيمة التقاعد ذاك الذي كانت والدتنا رغم صغر سنها تتقاتل هنا وهناك من أجل الحصول عليه وإبقاء الأجر الشهري مـن بلدٍ لا يعْـرف إلا الصرامة والضبط الإداري. هـنا فبوح الصدمة أعاد بي للطفولة ومجرياتها والسؤال المؤرق الذي كنتُ أردده مرات ومرات: أي منطق يمنطق كينونتنا هل نحْـن هنا أم هناك؟ لأننا نعيش في بلـَد ونعـيش ونتربى بأموال بلد آخـر إنها لمفارقة (؟)
تذكرين يا أختاه وإن كنتِ الآن تفترشين الـترى؛ وتتلحفين بلـَـحْـد ولـُحود مرتبة على جسدك الذي فقد الحركة؛ أنك يوميا – تقريبا- كنت تبكين؛ ولا ندري لماذا؟ لأن حضن الجَـدة كان يأويك بقـوة؛ لأنه كان شاعرا لما البكاء بدون سبب في نـظرنا؟ لـكنْ اكتشفنا السبب بعْـد وفاة جَـدتك وأنت في المتوسط؛ بأن زملاء قسمك الأول والثاني؛ كانوا ينادونك باليتيمة! آه ثم آه… اليُـتـْم معْـيَرة وسـُبَّة يا تربة الإسلام …!!
حاولتِ الاجتهاد وفـُزت بالثانوية العامة؛ وانخرطت في شعبة التاريخ القديم؟ رفضتُ هاته الشعبة لإيماني ما فائدة معرفة رموس ورُمولوس مؤسسو روما وديكتاتورية سولا…؟ والحاجة تنادي؛ والفقر ينشر جناحيه علينا بدون هوادة؟ تلك الشعبة: لمن شبع بطنه؛ كنت لا أنافقكِ يا أختاه. تلك شعْـبة الترف والمترفين لمن يريد معرفة كيف نمت ظاهرة العبيد الأجنبي واستفحال الإقطاع!! لأننا في الأصل لسنا مجتمعا معرفيا؛ بقدر ما نحن مجتمع خبزي؟ هكذا تأسست الدول العربية من عهد الخيمة إلى العمارة! فكنت عنيدة لقرارك؛ فـَسقطت في المحظور؛ ولم تستطيعي إتمام دراستك لجفاء مادة التاريخ الروماني والبطليمي.
ففكرتِ الهجرة لإحدى دول الخليج؛ دون علمي! لكن افتضح الأمر حينما لم تتوصلي بجواز سفرك في الإبان؛ يوم كان الجواز لا يأخذه إلا الراسخون في المواطنة (؟) فالتجأت والدتي إليَّ؛ للبحث عن مصيره؟ فوجَـدناه في مديرية الأمن مركونا يحتاج لبحث خاص؟؟ والمسؤول كان صديقا قريبا من حَـارتِنا وقتئذ. فـقام بالواجب يومه الجمعة؛ وكان سفـَـركِ غـدا (السبت) ولا أدري لماذا هاته المواربة؟ لكي لا أعارض! ما كنت سأعارض؛ لأنني كنت مدركا أن العودة لامحالة. وكذلك كان: لم تمض ثلاث سنوات فهربتِ من أصحابِ العقال والإيمان السنوي! مما رأيت ِ بأم عينيك من استبداد واستعباد أناسها للمهاجرين (العرب) رغم أنك كنتِ في كـنـَفِ أميرة ترعَيْ أبناءها. فبعد الهروب بشهور، ارتميت في حضن الزواج غفـلة ً لتهاجِـر مدينتك نحو الشمال؛ وأنتِ صغيرة السن والتجاربِ؛ لأن أطرافا وشرذمة قوم تحالفوا بناء على: زُيِّنَ للناس حُبُّ الشهوات من النساء وَالْبَنِينَ والقناطير مِنَ الذَّهَـبِ وَالْفـضَّةِ (ال عمران 14) لكي يتم زواجكِ لماذا؟ لا ندري؛ لأنني لم أكن مساهما في الحضور؛ لأن تلك الشرذمة رفضت حضور زوجتي ما الأسباب؟ لأنها زوجتي! وكفى! ونسيتْ وأغفلـت ْ والدتنا- رحمة الله عليها-: وَزَيَّنَ لـهُمُ الشَّيْطَان أعمالهم فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل فَهُمْ لا يَهتدونَ (النمل 24) فوافقتْ وباركتْ زواجكِ …ليبدأ مسلسل المآسي والفاقة والحاجة؛ لكيلا تكوني سعيدة ولن ولم تعرفِ ما معنى سعـيدة كمفهوم مُفعل في كينونتكِ؟ إنه اسم بدون دلالة. عجبي فالاسم الوحيد ذو دلالة – الموت- إنَّـه زَوالُ الحياةِ عَن كـلِّ كَائِن حَيّ. هل هي سنةُ الحياة أم لعْـبة قـَدرية لكيلا نفرح بالحياة؟ إذ الغريب في ليلة عيد الفطر؛ بدل أن تفرحي بمتـم الصيام؛ ولجتِ سكرات الموت؛ متقلبة بين الموت الأحمر والأسود! وإن كان في نظر الآخرين أنكِ أصبت بالمَوْت الزُّؤام؛ باعـتباره زَوَالُ الحَيَاةِ فجـأَةً؟ أي سرعة تلك؛ وأنتِ أصبتِ بجلطة دماغية في الأغلب إشعار بزَوَال الْحَيَاةِ قَتْلاً (أحمر)! الْمَوْتُ وخَنْقا (أسود) ثلاثة أيام من الغيبوبة مرفوقة بصِراع الذات لذاتها وصَرع بين الدماغ والجسَد! لتكون النهاية؟ والذي يستعصي عن الفهم والإدراك؛ مهما طال البوح؛ جدتكِ ماتتْ بجلطة! والدتنا توفيتْ بجلطة! ربما والدنا بدوره توفي بجلطة ونحْـن لا ندري لأننا كـُنا صغارا لا نفهم ما معنى الموت أنذاك ….
تــطوان: 06/ يونيو/2019