وفاء عبد الرزاق في الميتاسرد الذي تشكل في روايتها ( عشر صلوات للجسد) تُحفز على الكثير من التساؤل وتنطلق الى المديات العديدة سواء ان كانت ضمن التقليد او الحكاية الشعبية او الأساطير وكلها تقولبت في إطار المشاكسة نتيجة لما عانته الأنا من الأنا العليا وتصادمهما مع مركز الرغبات أوالليبيدو . أما ديناميكية السرد فتشكلت بروح زمكانية لمافيها من أمكنة وأزمنة تفاعلت مع بعضها وأعطت حكايات هائلة من جوف ( سجن النساء الازلي) والذي وسَمته بـ( الصندوق) وهو محور الرواية والذي لازال مخزونُ ألمٍ في حاضرنا ولانعرف مايقدمه الآتي المتجه صوب الأبدية . سجن يحرسه الرجال فكان الهلاك والعذاب المستديم على النساء من قبلهم في كل قصة منفردة بدليلها من انّ ملك الموت ذكر وآمرهُ ذكر. روي وضع المسرود عنها في بوتقة ألم نياط القلب وسبر مكامن الدواخل الإنسانية . القص تمثل بالإنعكاس المؤلم للهوية الذاتية لوفاء أو أزاهير ولكن بلسان الشخصيات وسردها الماورائي الذي تمظهر في دراما متنوعة تقطيعية توفقت بها وفاء وأدخلتنا الى عوالم الخيال والواقعية حتى تشظت في جسد كل إمرأة ذكرتها في السرد و عانت من اللامطاق . أوضحت لنا وفاء رسالة عن نساءٍ بذلك الجسد البهي وأنينه أمام رجالٍ تراهم يتأنقون بأبهى تأنق لكن أفواههم قبورُّ تنفث العفن . أباحت لنا بشجنٍ عميق من أنّ الجمال الإنثوي يندثر شيئاً فشيئاً دون أنْ يأخذ حقه ربوبيا وإنثويا بايولوجيا ناعما لطيفا ، وارفاً بل في أقصى غايات الرأفة والشفاعة ، دون أنْ يرى صروح الإحترام والنشوة والإنتشاء ، أنه تلك البضاضة الجسدية الطرية الطازجة التي بلا حظ ، بلا فرصة تستأهل أنْ ينطرح هذا الجسد الآيس كريم على الحرير كي ينال مايريد من الخدر والتمسيد والراحة والخلود في عوالم التنهيد والإنطفاء والجمر ومايتوجب علينا أن نقول له شكرا عظيما في كل طقسٍ جنسيٍ نتأوه به ألماً لذيذا يصل بنا الى الآورجازم ويرفعنا الى النرفانا ، لكنه بقي يعيش( الجسد) حياة الإرهاص والنكوص والضغط الإجتماعي والتكبيل المرهِق ، حتى يذوي وتنتهي ثورته وسط رجالٍ لاترحم . نساءُّ مؤرقات ، شفيعات ، زوجات أمراء المؤمنين ( زبيدة)، حبيبات لأمراء وملوك ( الأميرة البريطانية دايانا ) . نساء من العامة بكامل أناقتهن السندرلائية المثيرة وعطورهن النيناريسي وماشاكله ، وأقراطهن التي تصرخُ دلعاً وجنساً وملاذا للرجل لايسعنا تقدير سعته ، إمراة بموجة شعرها البني تشير لانتهاء شهرٍ من الخفوت الجنسي لدى الرجل ، نساء من جيلٍ يستاكُ بمسواك ، من جيل الخزامة ووشم الخال ، من جيلِ الفرشاه ، والتاتو ، وأقلامِ شفاه ، من جيلِ سيكارتي في فمي ، وزجاجتي في يدي ، وأردافي بناعمِ أملسها عند السواحلِ، يقيها شرُّ حاسدٍ إذا حسَدْ ، أما أزاهير الجميلة بطلة موضوعتنا ، سليلة الفقد منتصف الكلاب السود فظلت تشكو حتى اليوم من غربة الروح وجاذبية الأرض . كل هذا السحر النسوي الذي يذكرني بأول قبلةٍ في مراهقتي كانت وقوفا ، أسقطتني على الأرض كما الصاعقة . كل هذه الأرواح الدافئة بلحمها المطواع تجد نفسها غارقة في عفونة الرجال . رجل يصرعلى الغوص في عُسيلتها عنوة ، وآخرُّ يفرغ ماهو طافحا من غريزته بسادية مفرطة على إمرأة وثقت به حد القدسية والحب المميت فتبقى مذعورة ، منذهلة ، متمنعة وراضية ، خائفة ، مخدرةً ، مصعوقة . إمرأة أخرى تشكو من دخوله كما الشوكة بعد إغتصابها بثلاثين سيفٍ قذر . واخرى تموت من الأيدز المزروع في شرفها الطاهر من زوجها الخائن بينما هي الحالمة برومانس الجنس فتوثق من يديها وأرجلها كي يغرز الحقير أسفينه بلا شفقة . لوليتا هندية تُرغم ذليلة على العيش مع رجل سبعيني مخصي . شرقي يضاجع العجول والحمير من حرمانه وحين تزوج الجنس اللطيف أعلن إشهار رجولته الدنيئة ، غارسيا ماركيز يرفع ثوب خادمته (داميانا) الوفية وينقض عليها بالمقلوب وهي تصرخ آي آي هذا لم يخلق للأدخال ياسيدي ، وأخر يبتغي ثمنا للمساومة فراح يجلسها عليه ويولجه بدقة عظيمة وهي تختنق مهانةً فوق نار خرطومه ، ورجل شيوعي ديك ينساق للتقليد القبلي السائد فيعامل زوجته صديقة أزاهير مثل دجاجة لاتحتاج غير علفٍ وذبحٍ في أية لحظة . حواءات من مختلف الجنسيات إبتداءً من إبنة سركون العظيم وانانا وأنهيدوانا حتى آخر صديقة وهمية او حقيقية أو تأريخية لوفاء تستخرجهن من صندوق الزمن الأزلي بعملية تحضيرالأرواح ثم تبدأ الحوار معهن وما ألمّ بهن من جرائم بسبب الدين وفرائضه ( بربارة ، مهيرة ، هينار ، أنوشكا ، خضرة ، ايف ، سارة ، يلدا ، إيملي ، دلكش ، قبس ، بيلا ، ميلفا ماريك زوجة انشتاين ، لونجين ، كويانا ، جان دارك ، هاريت توبمان ، بولا الخياطة ) . كل أولئك النسوة يقفزغنائهن ورقصهن من بين ألمهن اللامطاق أو من بين أحقاد الفيلسوف أرسطو وسقطات كونفوسيوش ونيتشة وتوفيق الحكيم وغيرهما ، واعظ ديني يشير الى قص عجيزات النساء لما فيهن من لحمٍ شهي وأكله بعد الجوع الذي أصاب جيش المسلمين في إحدى معاركه . فمن بين كل هذه التراجيديا ومطحنة الحياة الإنثوية تبقى المرأة لودسسنا أيدينا في ثنية مرفقها ، الموتى يستحيلون الى عشب . هي الفردوس واليوتوبيا ، هي مصدر عذابنا الرومانسي البديع ، من أجلها تنازع النبيل الشاعر بوشكين حتى قتل ، في عنقها اللؤلؤ ، وفي صدرها قلائد كل من جاء وارتحل ، لها نفرِغ جيوبنا ، وإليها تلتفت رقابنا ، وعندها تستكين نفوسنا ، وتهدأ أعنف رغائبنا المتمثلة بالجنسانية والجنس ، منذ إن كانت صبوةُ الرجال كاهنةُّ في معبد إيزيس تغوي بسرّتها المشتعلة ، تستحثّ الطاقة بهزّ الوركين وانقباض البطن ، فلايسعفنا ان نتذكر من عصر الميثولوجيا الشمسية وضروب السحر غير انّ نجم الدين القمري قد أفل ووهنت أنثاه حتى أحيلت الى هيمنة الفحول . أما أزاهير ( وفاء) فمن أول الجوى وما كوى ومن شدة قرفها لعدم تكافؤ الحب وإنصهاريته قررت أن تقول سأحبكِ يا أزاهير.. سأحبكِ والى الأبد . وهاهي وفاء عبدالرزاق أبدية كما الريح التي لايسعنا مسكها بتقادم الدهور لكننا نستطيع الإحساس بها ، لأنها عزفت روحها على منشار الحب والحب .
/شاعر وناقد عراقي