جاك ديريدا
-1-
يحضر الرمل،بالقوة في حياة المرأة العراقية،وحين تعلنه شعريا،فهي تسعى لفضح مؤثراته ،في البنية
ألأجتماعية.
والرمل في قصائد الشاعرة بلقيس خالد، كائن سلطوي
يهشم حياتنا،ويهمش ماتبقى منها، ويباغتنا على هيئة كابوس،يمسخ الربيع،ويجرد الوردة من صفاتها
(في الربيع
بين الوردة وشذاها
صرت
زوجة
وأما
و…أرملة/قصيدة ومضة) .
حين تقشر الفتاة وردتها،بحثا عن السعادة،تكون وجها لوجه،مع حالة أفتراس:
(أفتشها بحثا عني
ورقة
ورقة
حتى أنتهت أوراقها،
كشفت عن فك
يهم بأفتراسي
لاشىء أمامي
سوى
رماد
زهرة/من قصيدة :بداية ونهاية)
-2-
نرى المرأة،في قصائد الشاعرة بلقيس خالد،أبنة هذه اللحظة العراقية المحتدمة:أمرأة مستلبة،في وطن حولته
وتحوله ألأنظمة الشمولية، في طبعتها المنقحة الى آتون دائم،فتخرج المرأة صارخة:
(هذا الذي تحت نعلي وطن).تستوقفني كقارىءهذه الجملة الشعرية، لأنها تستفز القراءة التقليدية،التي تأول هذا السطر الشعري تأويلا سلبيا،لكني كقارىء لي وظيفة داخل السياق، قارىء يرى،في الكلمة مضغة
لغوية،فأحاول عبر القراءة المنتجة،أعادة خلق هذه
المضغة، حين تستأصل هذه الجملة الشعرية، من سياقها
فأن ألأستئصال له وظيفة مركزية واحدة هي تشويه المعنى…لنعد الى القصيدة ذاتها وهي بعنوان(وطن وأمراة)
(هذا الذي تحت نعلي…وطن) والجملة ذات شحنة استفزازية صادمة ،لكن علينا ان نتساءل مع الجملة
كيف تموضع وجرد من ألف لام التعريف وأصبح محض أسم نكرة،(وطن)، ومن جعله نكرة بين ألأوطان المواطن ؟ المواطنة؟ أم صخب وعنف تأريخ القسوة وألأستبداد لمؤلفه الرمز؟سنرقم اسطر القصيدة والقصد هو أحصاء (عطايا )الوطن للمرأة العراقية،في حقبة شرسة
-1- قدمت له الرجال
قدمني..ألى …حوصلة البؤس
-2- حين أحببت وطني..
منحني كل سواده
وأخذ مني سواد العين
-3- آه….
أعياني فراق رجل
أحب…
سألت عنه وطني
ضحك منتشيا
:أنا التهمت رجلك
لاجب.
-4- بالسخام
الحرب:ترسم خارطة الوطن
على وجهي
ومقلتاي:ترسمان الرافدين
-5-
وطني…
أستلذ مذاق الحرب
…….
……
تلفت يمينا وشمالا
لم يجدها
:صنع له حربا اهلية
-6-
هذا الذي تحت نعلي
وطن..
حين أرتوى من الدماء
صار مسرحا: على خشبته
يتناثر
رماد النساء
-7-
سألت وطني
:سقفا أستظل به
أشاح بوجهه عني
وحتى لاتحرقني الغربة
تفيأت ناره
-8-
حين فتحت
باب الحوار
مع وطني
صاحت أمي: لاتحاوريه
يابنيتي
وطن
المرأة
رجل/ص105-108)
لنحصي ما أعطت المرأة العراقية،وما أعطاها الوطن
عطايا المرأة العراقية عطايا الوطن
*الرجال —————– ———-البؤس
*الحب—————— —– السواد المزدوج :
الخراب/العمى
*الحبيب الزوج———- ——-الترمل
*بمقلتيها ترسم الرافدين——الحرب بسخام ترسم على
خارطة الوطن
*يسلبها سقف البيت——– —ترى ناره فيئا
أن المرأة العراقية هي التي رأت، وهي ذات السخاء المطلق ،مواقفها ناصعة، دائماوليست رد فعل على ما كابدت، في عزلتها،…وعلى المستوى ألأداء الشعري ،علينا ان نمييز بين سلطة الخيال وسلطة السلطة السياسية،التي تتخفى في طيتها أتصالية المعرفة
بالسلطة،وكيف تسعى السلطة،للتحصن بقوة المعرفة لتوظفها في صالحها، فهي عندما تشحن بعض المفردات بقوة التابو مثل
الدين/الوطن/ألأمة/العرق/القومية/الأممية/الطبقة/ العشيرة…لاتقصد سوى تحصين بطشها السلطوي..من خلال نقل حمولة التابو،الى الوعي الجمعي بكل الطرق المتوفرة والمستعارة من التأريخ ومن تقنية الشبكات النتية العنكبوتية،وبالطريقة هذه تمسخ سلطة السلطة مبادىء الضبط ألأجتماعي المتراكمة عفويا والمسماة بالمبادىء الكونفورمية،ألى مبادىء مستحضرة عمدا
ولتصون الدولة دمويتها الشمولية، عبر كونفورميا أسقاطية*..وسط هذه الظلامية ،يعلو صوت الشاعرة
صارخة)هذا الذي تحت نعلي وطن)..أكررالتوقف عند هذا السطر الشعري،لأرد عليه بالمقطع السادس من القصيدة ذاتها( سألت وطني
سقفا أستظل به
أشاح بوجهه عني
حتى لاتحرقني الغربة
تفيأت ناره).نلاحظ هنا قوة الفعل ولاأقول رد الفعل،على فعل الوطن: الوطن ينبذ المرأة العراقية في العراء، لكنها، لاتتركه في محنته ولاتبتعد عنه بل،تفيأت نار الوطن،حتى لاتحرقها نار الغربة.
ومن خلال قراءة أحصائية بسيطة نلاحظ ،ان كلمة (وطن)تكررت ثلاث مرات،
مرتان. السطر ألأول نفسه،في المقطع ألأول والمقطع السادس، ومرة تكررت الكلمة ذاتها ،بدلالة
أخرى(وطن المرأة:رجل)، ومرة المفردة معرفة
كمضاف أليه(خارطة الوطن)،في حين تتكرر كلمة(وطني) خمس مرات، نلاحظ ان الكفة الراحجة هي كفة (وطني) بياء التملك ،تخاطبه المرأة التي انتزع منهاالنظام الشمولي العسكرتاري بذريعة الوطن كل ما تملك من سعادات ومشتقاتها الخضر،لكنها تبقى تنادينه وطني،اما الذي تحت نعليها
هو الوطن ضمن قياسات سلطة السلطة،هو كناية عنها ..أذن المسألة، بخصوص(هذا الذي تحت نعلي وطن) تتعلق بتفكيك المعتقد ألأنساني بمحرماته وثوابته ونماذجه للعمل على تشكيل مشروعية بشرية جديدة، سواء من حيث التوجه الوجودي ونمط الوعي،أو من حيث شبكة الرؤى والمفاهيم والتصورات او من حيث سوس الذات وقواعد المعاملة وقيم المداولة، وما يمكن ان يتغير ليس فقط مفاهيمنا حول أنفسنا وعن العالم،بل مفهومنا للمفهوم وللفكرة أو للمعرفة والحقيقة،فالعقائد والقناعات والهويات الثقافية والمنظومات الرمزية ليست قلاعا نحتمي داخلها أو متاريس نتحصن وراءها –حسب على حرب-*
وحين يؤكد رأس البروليتاريا ،كارل ماركس ليس
للعمال وطن فهو لايعني ان العمال غجر،بل يرى ان وطن العمال قوة سواعدهم التي تنتج القيمة وفائض القيمة،وحين يصرح الشاعر الكبيرسعدي يوسف لجريدة
أخبار ألأدب المصرية (شطبت تماما على فكرة العراق
والتعامل معه كوطن..منذ زمن لم أعد أعتبرالعراق وطنا،) نرى ان هذا الكلام يناقض الكثير من قصائد الحنين الى البصرة في الجزء السادس من ألأعمال الشعرية، والى العراق وكذلك هذه القلادة التي يلبسها والتي تتدلى منها خارطة العراق،والتي يمكن لهذه
ألأيقونة ان تكون ذات بلاغة أشهارية من طراز خاص
( العراق الحالي ليس وطني. وطني يتدلى ألى ألأبد
قرب قلبي) حسب تأويل الشاعروالمترجم شاكر لعيبي*
وحين يعنون كتابا نثيرا كبيرا ب(سأخون وطني) فهل سيخون الشاعرالكبير محمد الماغوط وطنه، علينا اذن
بنفس المنظور نرى خصوصية المفردة بشحنتها الشعرية عندالشاعرة بلقيس خالد،فالذي تحت نعليها كناية عن سلطة
السلطة،ويستحق ان يتموضع هذا التموضع السيمولوجي
فتلك مكانته(تحت نعلي وطن).،وماتقوله الشاعرة،لاتستفز ألأ… تلك القراءة ألأفقية التي تلامس سطح النص،بنبرة خطابية مبحوحة .
-3-
من منظور معين،يمكن ان يرى القارىء،في بعض هذا النصوص،محاولة شعرية لتصفية حساب مع زمن القسوة وألأستبداد، الذي يحسن العد ألى ما لانهاية،في
أرض السواد المدمى، حيث كابدت المرأة وما تزال…
مناصفة مع الرجل، وأحيانا تكون حصتها أكثر من النصف.
-4-
ومن منظور آخر، ترصد بلقيس خالد:العادي،والمألوف،
في الحياة اليومية،وتلامس بعين الدهشة، عبر الومض الشعري في(حزمة ضوء)فترى السلحفاة:وقتا،والرجاء خيمة،وتصغي لعزف الجندب..ألخ
(لاضوء…
يجمع سرب
فراشاتي..
هي ظلمة خانقة،
وثمة جندب يعزف لأنثاه
فيشجيني….
…../قصيدة وحشة)
*(أنصب
الرجاء
خيمة
وأنا أنتظر
طرق الباب/قصيدة أنتظار)
*(سلحفاة الوقت
تواصل
العزف
على أوتار صبري
…../قصيدة فاصل)
*(كالبرزخ شق وقتي
ليوحدني بين أثنين
أنتظاره…ولقياه/قصيدة هو)
*(في مدينتي يمد النهر
سواقيه نسغا
لترتفع خيمة النخيل
تحت ظلالها
نتقاسم الطيبة/قصيدة بصريون)
*(القوقع البحري: يوهم نفسه
بهدير البحار
ليطرد شبح التصحر/قصيدة هدير)،
-5-
حين ننتقل من قصائد الومض أو البرق الشعري، ألى القصائد ، ألأكبر مساحة،كما هو الحال في نصوصها،(سحر الحكاية) (شمس الضحى) (هكذا حدثتني زهرة الماء) (بلقيس ونقرة السلمان) (غناء على ورق)سنجد ثمة أنتقالة على مستوى التقنية،ففي، هذه القصائد،تستفيد الشاعرة من تقنية الحكاية الشعرية(البالاد) بجرعات متفاوتة، وعلى المستوى آلآخر،ثمة مزاوجة بين السييري والموضوعي/المعيش والمتخييل…تقول بلقيس خالد في(هكذا حدثتني زهرة الماء):
)حين تجتمع في روحي الهموم
يقدم النهر ،العزاء
يعيرني طين شاطئيه
للطين الحري: رائحة تنثر روح الماء
الماء يهمس: الحياة ماء وطين،
الحياة: تتأملني،
أنا بنت مدينة ألأنهار والسواقي.
ظل النخيل: خيمتي،
عبق آلآس: أنفاسي،
لون الحناء: لوني
وبالطين الحري: عزائي. )،
في هذه القصيدة ثمة أتصالية تضاد بين قطبين
*القطب السالب،يتكون من كثرة ضاغطة على الذات
ألأنسانية:
(حين تجتمع في روحي الهموم)
الكثرة: أجتماع الهموم
*القطب الموجب/الذات: روحي.
لكن الذات ليست عزلاء،بل محصنة بتلك القوة الكلية الحيوية(وجعلنا من الماء كل شىء حي)، وهاهو الماء يعين الروح لتتصدى ليبوسة الهموم ،
(يقدم النهر العزاء
يعيرني طين شاطئه)،في السطر التالي تفكك القصيدة ذاتها شفرة الطين :
(للطين الحري:رائحة تنثر روح الماء)
هنا نحصل على أتصالية أنسجام بين روحين
:روح ألأنسانة المهمومة وروح الماء,
ومن اجل تأصير ذلك،يبعث الماء بشفرة مفتوحة ،خاصة للروح ألأنسانية،خصوصيتها،من خلال فعل
(يهمس):( ألماء يهمس: ألحياة ماء وطين)،واذاكان الطين قد قال قولته الشعرية كما مر بنا،فقد جاء دور الحياة لتقول لذات الشاعرة،
(الحياة : تتأملني:) أن الحياة توظف العين لآ اللسان لتقول قولتها، ويأتي القول/الشفرة عبر فعل التأمل،
ثم تقوم الذات الشاعرة، بتفكيك شفرة التأمل بأختزال شعري شديد العذوبة،وسنعمد الى ترقيم التفكيك شعريا
-1-: أنا بنت مدينة ألأنهار والسواقي
-أ- ظل النخيل: خيمتي
-ب- عبق آلآس: أنفاسي
-ج-لون الحناء: لوني
ومن خلال هذا النسق الثلاثي، تمنحنا القصيدة
مثلثا متساوي ألأشجار,
وهكذا نلاحظ ان النسق ألأول ألأنوي من (أنا بنت…)
يتكون من ثلاث أنساق فرعية
-2- يتكون النسق الثاني من لعبة مزدوجة التكرار ومركبة أيضا
* (أنا رائحة الطين الحري
وبالطين الحري: عزائي .).
أستعين بالقصيدة،نفسها لتفكيك شفرة السطر ألأول:
اذا كانت ألأنا ألأنسانية هي رائحة الطين الحري، فأن الطين الحري ، هو روح الماء، كما جاء في السطر
الرابع من القصيدة(للطين الحري: رائحة تنثر روح الماء) وبالسطر الثاني من القصيدة (يقدم النهر العزاء)
نفكك السطر ألأخير من القصيدة. وهنا تتكشف لنا المهارة المزدوجة للشاعرة بلقيس خالد فهي في هذه القصيدة المائية وهي قصيدة بحجم الكف،كانت تقدم شفرة وامضة، ثم تشغل القول الشعري،لينتج تفكيك
شعريا،للشفرة من داخل القصيدة،لامن خارجها بفعل
أنتاجية نقدية،وتلك سمة شعرية جميلة يكشف عن فاعلية
الوعي الشعري،لدى شاعرتنا.
-6-
نفي النفي: أتصالية الثريا /المقتبس
أذا كان الرمل،قد حضر بالقوة في حياتنا العراقية، وبثقل أكبر في حياة المرأة العراقية، وصيرها
رملية الصفات،بالقوة، فأن المقتبس/القنديل ،الذي تعلقه لنا الشاعرة، في الصفحة ألأولى من كتابها يكشف عن محاولة واعية لتفعيل نفيا شعريا،لهذا الكابوس الرملي،الذي أنتج لنا التشيؤ،وألأغتراب،وغربة الداخل،وووألخ.
جاء في المقتبس الذاتي( لأكون ندية، أصنع فجرا)،اذن سيكون نفي الرمل عبرصيرورة تفعيل هذا المحمول
المكون من: كيونة ..و تصنيع
كينونة الندى :هي نتيجة ديالكتيكية ، لسبب ذاتي يرى ضرورة تصنيع المغيب، وذلك من خلال الوعي به،
والسعي لأنتاجه(أصنع فجرا)،صناعة الفجر فعل ارادي
يشير الى وجود نقيض الفجر،والفجر هو الخطوة البشارة نحو بياض النهار،لفضح ما يحتويه الرمل في طياته من سواد القسوة وألأستبداد،هكذا يكون التصدي
عبر:الندى/الفجر/والثالث ..المسكوت عنه:الهدوء الذي
يقترن بالفجر، أنها صناعة ذاتية فردية،لكن من خلال قراءة المسطورالشعري، ستتسع مديات ألأنتاج وتتحول
صناعة الفجر صناعة عامة.
وهكذا نرى أنفسنا أمام صيرورة نسوية لها ركيزة ثلاثية راسخة:الندى/الفجر/الهدوء,
-7-
هل فعلت الشاعرة بلقيس خالد، هذا المقتبس في فضاءات نصوصها؟
هذا ما سوف تجيب عليه أستجابات القراءات المتنوعة
في نصوص شعرية مفتحة ألأبواب للشمس والندى والورد، أنتجتها الشاعرة بلقيس خالد أمرأة تكدح في نحت نصوصها بأزميل
مصنوع من رهافة حساسيتها في الشعر والحياة.
&المراجع
بلقيس خالد/أمرأة من رمل/دمشق/ الينابيع/2009
-1- د.محمد الدروبي/الكونفورميا/ دار كنعان/2004
-2- على حرب/ ألأنسان ألأدنى/دارالفارس/2005/ص15
-3- شاكر لعيبي/بلاغة اللغة ألأيقونية- الصورة بوصفها بلاغة/سلسلة جريدة الصباح/العدد8/ص28