طرحت الكاتبة موضوعة الاستيلاء السلطوي في العديد من نصوصها المسرحية اذ تمثل بتمركز مقاليد القوة والنفوذ بالاكراه بيد جماعات همجية بربرية تقلدت السلطة و الدين والشرع سلاحا فكريا لها وامسكت زمام الامور بوحشيتها وممارساتها القمعية الخارجة عن حدود العقل والانسانية عبر ازمنة متتالية ، فشرعت قوانينها الخاصة ليكون الفرد تائها في دائرة تخويفها وارهابها النفسي رافضا الالفة الاجتماعية راضخا لسيطرتها القائمة على ارساء بنيتها الارهابية بدعائم لا انسانية .
تختلف الدفاعات من شخص لآخر حين يعيش صداما مع التسلط اذ تمارس معه اشنع الاساليب الوحشية وتزج به في صراعات نفسية للبقاء حيا فمنهم من ينسلخ عن مبادئه فيرضخ لقوانين السلطة ولممارساتها الفضيعة للاستيلاء على الكيان النفسي والاجتماعي بل حتى العقلي بغية العيش سواء كان ذليلا ام عظيما كما في نص ( ماريا ) التي اختبأت هي وامها في القبو الذي تلون بدماء والدها اذصادرت السلطة حياة ابيها حينها فكان دفاع امها ان اغلقت فمها خوفا من ان تصرخ فيعلموا بمكانها ويكون مصيرها ذات المصير للاخريات اما جواري مغتصبات او جثث فوق اطفالهن الباكين ، فكان الرضوخ لعقوبات السلطة وممارساتها الشنيعة بين ذبح وقطع رؤوس واغتصاب قوة تتراكم من خلالها كيانات نفسية واجتماعية محطمة وضعيفة لا تقوى على المواجهة .
تنسحب الممارسات الشرعية على بساط السلطة ومن تحت اقدام الانسانية ليكون الدين والشرع اداة للتسلط والنفوذ بهوية الاهواء والنزوات والرغبات باقسى صور البشاعة والاكراه وفرض قوانين اجتماعية جديدة تخدم البناء السلطوي بوساطة العنف والترهيب بغية تهشيم القيم الاجتماعية وطرح التقاليد خارج حدود البناء الاجتماعي للفرد كما في النص المسرحي ( قسوة ) حيث مدير الأمن يستخدم سلطته بنفوذية مالها حدود اذ تتعالى رغباته في تكميم افواه المساجين بالأكراه ، اذ يفرض قوانينه الاجتماعية القاسية بحبس المساجين في زنزانات انفرادية تهشم العلاقات الاجتماعية القائمة بين بينهم خدمة للسلطة العليا وبناءها المتعالي على القيم الانسانية ليكون الامل في الخلاص متعلقا بعودة جثامينهم ( مدير الامن : احكموا غلق الافواه كي لا تكللوا بالقيود ، أضيفوا رداءا آخر لأضلاعكم اذ يشتد البرد في الزنزانات المنفردة ….. فلا عودة من هنا الى دياركم العودة هنا فقط للجنائز ) لتكون عودتهم بأبشع صورة ، فالتسيد او التسلط ضرورة الزامية قهرية القوة اهم مصادرها والاكراه وعلى المتسلط ان يذعن لقوانينها وممارساتها وسطوتها دونما معارضة فيبتكر اساليب قد تكون لا انسانية للبقاء على قيد الحياة كما هو حال شخصية ( سجين ٢ ) التي عانت من تراكمات قهرية كان والده يمارس سلطته فيها اللا انسانية ليذعن الى الاختباء والاستسلام من رائحة الشواء التي كانت تملأ انفه في كل مرة ( كان دوما يحمل السكين ،يحمله ليشوي يدي كان عندما يدهس عتبة الباب .. اختبيء تحت السرير واخفي يدي خلفي لا لا تصدروا صوتا .. انه يسمعكم .. تعودت الاختباء)
يتجاوز التسلط البنى الشرعية ليأخذ مسارا متمركزا داخل المجتمع بفرض عادات وتقاليد واعرافا اجتماعية تؤسس بناءها الاجتماعي المزج في ثنايا المجتمع الاصل ، لتشكل هوية ذاتية واحدة للتسلط وتمحو كل الهويات الاجتماعية القائمة في بنائها الجديد بتنظيم قائم على العقاب لكل من يخالف او يمتنع عن مسايرة واسناد اسس بنائها الاجتماعي الجديد ، اذ بدا هذا التجاوز واضحا في نص مسرحية ( سيلا ) حين اعلن الوالي ( نحن لا ندفن الموتى بل الاحياء ) ليهدم التسلط هنا البنى الشرعية التي تقرها الاديان السماوية بدفن الميت اكراما له ويكون الحي بديلا وضحية لهذا التسلط ، وسيلا التي تم اختيارها عروسا للوالي وهي قاصر وبلا ولي امر اذ تم قتل اهلها في السوق لتبقى بلا اب ولا اقارب ولا هوية ولا انتماء وفقا للقوانين الجديدة التي اصدرها المتسلط لتكون العقوبات صارمة لكل من يعارض ، فكان الصمت قانونا لابد ان يلتزم به كل النسوة الازيديات والسوط عقابا لكل من تفتح فمها بحرف ، والقتل مصيرا محتوما لكل من تحاول الهرب ، فحين تخطط سيلا للهرب تجيبها الفتاة الاخرى ( يقتلوكن كالبقية لا تحاولن ،ربما تعاقبن من قبل الأمير ، عقابه لا يشبه الاصوات التي تضربين بها ، ولا الرؤوس التي تصبح اهدافا للرصاص ، عقابه كبير قد ينتزع ارواحكن دون ان ترمش له عين ) فيكون مسار التسلط متمركزا في دائرة الاعراف والتقاليد يمحو مايشاء ويدون عقوباته التسلطية اللامعقولة ، فتتبجح السلطة احيانا بفرض مبادءها وقوانينها وانظمتها ليستمر التبجح الى تغيير حياة الفرد بمراحل متتالية من الذل والقهر والاعتداء بكل انواعه وبقسوة مبالغ فيها بتسلط قائم ورقابة صارمة تصل الى سفك دماء وهدر ارواح بمجازر لا انسانية، وتتطرف السلطة بالعنف الهدام لطبقات المجتمع بخلق صراعات وصدامات بين افراده او جماعاته لتظهر استخدامتها المفرطة في الحروب والابادات الجماعية ، فيرمي بذرة الهدم المجتمعي في تربة الاخوين حين تهرب سيلا لتختبىء لدى البقال وبتجسس عالي التقنية يكشف مكانها ويأتي الوالي وجماعته للامساك بالعروس الاسيرة يرفض البقال تسليمها فيأتي اخوه ليرمي بها اليهم وهنا تخويف وعنف السلطة يخلق صراعا وصداما بين الاخوين ليكبر هذا الصراع ويكون بين افراد المدينة عامة منهم من يخدم السلطة الجديدة خوفا وهلعا من عقابها ومنهم من يعارضها لتكون نهايته الموت او الهرب ليفسح المجال امام زحفها الدامي وتسيدها على ركام المجتمع ،فحين تتحول السلطة الى تسلط فانها تفقد لجام همجيتها وعنفها اتجاه الفرد لتكون غايتها السيطرة المفرطة بغض النظر عن وسيلتها .
يشير العنف الى حالات انفعالية تتغلب على انسانية المتسلط لتوقع الاذى والضرر بالفرد باساليب عدة منها التعذيب الجسدي او اللفظي او حتى المادي بافعال تتسم بالهجومية والعدوان وانتهاك القوانين الاخلاقية العامة ، فيلجأ التسلط الى تحطيم البنى النفسية من خلال بث الرعب والفزع في ذاته ليعتريه الجزع والخوف والرهبة والقلق ويجعل الاخر في وضع نفسي لا يحتمل فقد تؤدي الى ضياعه وتشتته فضلا عن وجوده في حالة لا اتزان اجتماعيا فتساء علاقته بالاخرين وتتشوه قيمه وتقاليده وممارساته الاجتماعية ، كما هو الحال في النص المسرحي ( نادرة ) التي كانت تعاني انتهاكات عدة من تسلط وسلطة الامير فقد كانت تعاني من التعذيب الجسدي والنفسي ( كنت احاول ان اهرب ، اركض واركض ، يمسكني من قدمي ، اسقط ارضا ، اسقط فيجرني لتلك الحجرة ، عقابه اه عقابه ، كنت اعاقب باغتصاب جماعي لأحد عشر من رجال الأمير ، انا لم افعل شيئا سوى اني كنت ازيدية ) ليتسع مفهوم التسلط في ثنايا النص ليزج القوة والاكراه بشبكة من العلاقات المتداخلة بنظم مسبوكة اجتماعيا ونفسيا وسياسيا واقتصاديا وهذه الظاهرة لازمت المجتمع مع الاختلاف بحدتها وبشاعتها من فرد الى اخر لتبرز ممارساتها في قيام ( نادرة ) بقص شعر ابنتها خوفا عليها من المصير الذي لاقته لتمحو هويتها الانثوية لانها اصبحت اشارة خطر تهدد حياتها وكيانها الانثوي ليتجاوز التسلط اذاه الجسدي الى نفسي يحطم دواخل الفرد ويجر المجتمع الى الخذلان والخوف من ذات المصير .
فكان الرعب هو المحور الاساسي للتسلط المستبد، والقوة الهائلة لعاصفتها الهمجية التي تتلاعب بمصائر الاخرين بغية تثبيت وجودها ونشر قوتها وهيبتها على حساب السلوك الانساني والهيمنة القهرية على حريات الاخرين ، بلغة فسيفسائية جمعت تعابير نثرية شعرية فلسفية لتبرز عمق الالم في احداثها وفضاعة الرعب والارهاب بين طيات نصوصها بسبك درامي منساب يوصلنا باحداثه الصاعدة وصراعاتها النفسية المتأزمة الى ذروة الاحداث لتتهاوى النهايات حزينة فاقدة للامل واحيانا وحشية متفردة بالسلوكيات اللا انسانية .