لم تفت الجواهري مناسبة أو واقعة تاريخية، أو مهمة، بحسب تصوراته ورؤاه، إلا ووثّق لها، واغتنمها فرصة اضافية للبوح بما تحمله عبقريته من تنبؤات، واجتهادات، خاصة وعامة، ارضت المعـنيين، أو أرقتهـم، فما ذلك بذي شأن لدى الشاعر الخالد… وكما لخص د. علي جواد الطاهر، فأجاد، حين قال: ان الجواهري يقول كلمته ويمشي تاركاً للآخرين ما يحلو، أو لا يحلو لهم من تفاسير وردود أفعال…
وهكذا راح الديوان العامر يحفل بفرائد كثيرة ٍ ظاهرها العام احتفاء، أو اجلال أو تكريم… وكل ذلك صحيح، ولكن الأهم ان يبث القصيد أيضاً وأيضاً: الموقف الجواهري… وإذ نعنى بدالية جمال الدين الأفغاني في هذه الحلقة، فلأننا نزعم كونها واحدة بارزة مما نريد الاستشهاد به في هذا السياق…
ففي عام 1944 يُحتفى بمرور رفاة العلامة، والمفكر الرائد النهضوي الكبير، جمال الدين الأفغاني من مصر، إلى أفغانستان، ويُنظم لهذا الحدث حفل خاص في الحضرة الكيلانية ببغداد، ويعتلي فيه الجواهري المنبر: شاهداً ومنوراً ومخلداً ليقول:
هويتَ بنصره الحق السُهادا … فلولا الموت لم تطق الرقادا
ولولا الموت لم تترك جهاداً … فللت به الطغاة ولا جلادا
فزد بالفكر في خَلَد الليالي … وجُل في الكون رأياً مستعادا
وكن بالصمت أبلغ منك نطقاً … وأورى في محاججة زنادا
فان الموت اقصر قيد باع … بان يغتال فكراً واعتقادا
ثم تتوقف القصيدة ذات النيف والسبعين بيتاً لتتحدث عن بعض محطات فلسفية وحياتية في مسيرة الأفغاني الزاهرة، ويقيناً باعتقادنا انها ترمز في كثير منها لما تبناه الجواهري وآمن به من مباديء وقيم وأفكار، وخاض غمارها بصلابة وشموخ.
جمال الدين، ياروحاً علياً … تنزل بالرسالة ثم عاد
تجشمت المهالك في عَسوف ، تجشمه سواك فما استقادا
طريق الخالدين فمن تحامى، مصايرهم، تحاماه، وحادا
شققت فجاجة لم تخشَ تيهاً … ومذئبة، وليلاً، وانفرادا
لانك حامل ما لا يُوازى … بقوته: العقيدة والفؤادا
ولما كنت كالفجر انبلاجاً “وكالعنقاء تأبى ان تصادا”
مشيت بقلب ذي لبد ٍ هصور “تعاند من تريد له العنادا”
ولم تنزل على اهواء طاغ ، ولا عما تريد لمن أرادا
وكما هي حال سابقاته، ولاحقاته، يخاطب الجواهري صاحبه الأفغاني في هذه القصيدة، وبمثلما خاطب المعري وطه حسين والمتنبي واقرانهم من رواد الفكر والانهاض والتنوير… فوصف، وماثل، وانتقد، ووجه وكل ذلك في خلاصات شاعرة، خلدت قيماً، ورموزاً، وأشاعت للكثير من الوقائع والأحداث التاريخية الاهم ، داعية لتبنيها في معاصرة راهنة، بل وحتى باستشراف لما هو قادم قريب في حاضره، أو بعيد في مداه…
جمال الدين كنت وكان شرق … وكانت شرعة تهب الجهادا
وكانت حينه في ظل سيف … حمى الفرد الذمار به وذادا
وايمان يقود الناس طوعاً، الى الغمرات فتوى واجتهادا
مشت خمسون بعدك مرخيات ٍ .. اعنتها، هجاناً لا جيادا
محملة وسوقاً من فجور ٍ ، وشامخة كمحصنة ٍ تهادى
تحورت السياسة عن مداها… إلى أنأى مدىً ، وأقل زادا
وبات الشرق ليلته سليماً، على حالين ما أختلفا مفادا
ولطفت الابادة فهو حرٌ … بأي يد يُفضل ان يُبادا
فهل صدق الجواهري بما وثّق له ، وتنبأ به ، وقال عنه … دعونا نترك جواب ذلك، مرة أخرى، ودائماً، للتاريخ وللأجيال…
للاستماع الى مقاطع القصيدة الجواهرية اعلاه، بصوته ، يُتابع الرابط ادناه
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2089816.html
مع تمنبات مركز الجواهري
www.jawahiri.com
وهكذا راح الديوان العامر يحفل بفرائد كثيرة ٍ ظاهرها العام احتفاء، أو اجلال أو تكريم… وكل ذلك صحيح، ولكن الأهم ان يبث القصيد أيضاً وأيضاً: الموقف الجواهري… وإذ نعنى بدالية جمال الدين الأفغاني في هذه الحلقة، فلأننا نزعم كونها واحدة بارزة مما نريد الاستشهاد به في هذا السياق…
ففي عام 1944 يُحتفى بمرور رفاة العلامة، والمفكر الرائد النهضوي الكبير، جمال الدين الأفغاني من مصر، إلى أفغانستان، ويُنظم لهذا الحدث حفل خاص في الحضرة الكيلانية ببغداد، ويعتلي فيه الجواهري المنبر: شاهداً ومنوراً ومخلداً ليقول:
هويتَ بنصره الحق السُهادا … فلولا الموت لم تطق الرقادا
ولولا الموت لم تترك جهاداً … فللت به الطغاة ولا جلادا
فزد بالفكر في خَلَد الليالي … وجُل في الكون رأياً مستعادا
وكن بالصمت أبلغ منك نطقاً … وأورى في محاججة زنادا
فان الموت اقصر قيد باع … بان يغتال فكراً واعتقادا
ثم تتوقف القصيدة ذات النيف والسبعين بيتاً لتتحدث عن بعض محطات فلسفية وحياتية في مسيرة الأفغاني الزاهرة، ويقيناً باعتقادنا انها ترمز في كثير منها لما تبناه الجواهري وآمن به من مباديء وقيم وأفكار، وخاض غمارها بصلابة وشموخ.
جمال الدين، ياروحاً علياً … تنزل بالرسالة ثم عاد
تجشمت المهالك في عَسوف ، تجشمه سواك فما استقادا
طريق الخالدين فمن تحامى، مصايرهم، تحاماه، وحادا
شققت فجاجة لم تخشَ تيهاً … ومذئبة، وليلاً، وانفرادا
لانك حامل ما لا يُوازى … بقوته: العقيدة والفؤادا
ولما كنت كالفجر انبلاجاً “وكالعنقاء تأبى ان تصادا”
مشيت بقلب ذي لبد ٍ هصور “تعاند من تريد له العنادا”
ولم تنزل على اهواء طاغ ، ولا عما تريد لمن أرادا
وكما هي حال سابقاته، ولاحقاته، يخاطب الجواهري صاحبه الأفغاني في هذه القصيدة، وبمثلما خاطب المعري وطه حسين والمتنبي واقرانهم من رواد الفكر والانهاض والتنوير… فوصف، وماثل، وانتقد، ووجه وكل ذلك في خلاصات شاعرة، خلدت قيماً، ورموزاً، وأشاعت للكثير من الوقائع والأحداث التاريخية الاهم ، داعية لتبنيها في معاصرة راهنة، بل وحتى باستشراف لما هو قادم قريب في حاضره، أو بعيد في مداه…
جمال الدين كنت وكان شرق … وكانت شرعة تهب الجهادا
وكانت حينه في ظل سيف … حمى الفرد الذمار به وذادا
وايمان يقود الناس طوعاً، الى الغمرات فتوى واجتهادا
مشت خمسون بعدك مرخيات ٍ .. اعنتها، هجاناً لا جيادا
محملة وسوقاً من فجور ٍ ، وشامخة كمحصنة ٍ تهادى
تحورت السياسة عن مداها… إلى أنأى مدىً ، وأقل زادا
وبات الشرق ليلته سليماً، على حالين ما أختلفا مفادا
ولطفت الابادة فهو حرٌ … بأي يد يُفضل ان يُبادا
فهل صدق الجواهري بما وثّق له ، وتنبأ به ، وقال عنه … دعونا نترك جواب ذلك، مرة أخرى، ودائماً، للتاريخ وللأجيال…
للاستماع الى مقاطع القصيدة الجواهرية اعلاه، بصوته ، يُتابع الرابط ادناه
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2089816.html
مع تمنبات مركز الجواهري
www.jawahiri.com