أميلي نوتومب Amélie Nothomb كاتبة بلجيكية شكلت سنواتها الأولى باليابان وانفصالها عن مربيتها اليابانية وهي بنت الخمس سنوات إرباكا لنفسيتها وهي بنت الدبلوماسي البلجيكي الذي أرغمته ظروف عمله على التنقل بين بلدان متعددة كل أربع سنوات حتى أن كاتبتنا لم يتسنى لها أن تتعرف على يلدها الأم إلا وهي في سن السابعة عشرة وهي في بداية حياتها الجامعية لتكتشف غربة أخرى بين شباب لم يستسيغوا الاختلاف الذي كانت عليه هذه الشابة القادمة من مجموعة بلدان أسوية بعاداتها وأفكارها مما جعلها لا تجد إلا الحروف وطنا تسكن إليها لتحررها من الإحساس الدائم بالغربة والجوع إلى الحنان بعد انفصالها عن أمها الثانية اليابانية .
أميلي نوتومب أو الوحش الأدبي كما يلقبها الوسط الثقافي الفرنسي ، صاحبة القبعة السوداء التي تعلن عن وجهها القبيح كما تحب وصفه دائما على أغلفة رواياتها في تحد جميل للقبح الذي طالما نعتت به من جدتها والذي تقابله بالسخرية مادام هذا الوجه القبيح قد جعل منها الكاتبة الأكثر مبيعا منذ أكثر من خمس وعشرين سنة خلت من خلال نشرها لرواية مع كل بداية موسم ثقافي وإبهارها للمتتبعين وهي تعتلي سلم الكتب الأكثر طلبا في فرنسا.
لم يكن هذا الأمر وحده المبهر في حياتها لكن كونها انغمست في فعل الكتابة وهي في سن السابعة عشر حتى إذا ما قررت أن تنشر كتابها الأول في سن الثالثة والعشرين كانت في جعبتها عشرة كتب لم ولن تنشر أبدا كما أعلنت عن ذلك مرارا لا هي ولا الكتب التي تجاوزت ذلك بكثير فأميلي نوتومب الظاهرة الأدبية تكتب بمعدل أربع روايات كل عام ولا تنشر إلا واحدة منها وتبقي الأخريات مخزنة بصناديق الأحذية مع الإصرار على عدم نشرهم أبدا حتى بعد وفاتها.
فكيف تطل علينا كاتبة تخطت عتبة الأربعين بقليل بأكثر من ثمانين رواية نشرت تلتها فقط وكلها حققت أكبر مبيعات وترجمت إلى أكثر من أربعين لغة عالمية ويشكل ظهورها الإعلامي دوما نجاحا متميزا وهي التي عندما سئلت عن طقوسها في الكتابة كشفت أنها ومنذ بداياتها مع الحرف تستيقظ دوما على الساعة الرابعة صباحا لتكتب لحوالي أربع ساعات مستمرة بعد ان تحتسي نصف ليتر من الشاي الأخضر الذي يفجر قدرتها على الكتابة.
مشكلة نوتومب وهي ابنة البارون البلجيكي أنها عاشت تشردا عن بلدها اليابان الذي أحبته كثيرا والذي حرمت منه بوعد أنها تنتمي لبلد آخر والذي شكل دخولها إليه غربة أكبر وهي مراهقة مما جعلها تنغمس بداخلها بحثا عن الحكايات التي كانت تختبئ تحت الطاولة وهي صغيرة لتحكيها لنفسها.
استطاعت هذه الكاتبة المتمردة أن تجلب أنظار الجميع سواء بكونها استطاعت الحفاظ على هذا السيل الجارف من الكتابة والذي استمر لسنوات عدة دون توقف بنفس القيمة في الساحة الأدبية الأوروبية كما أنها ربما الكاتبة الوحيدة في العالم التي تملك مكتبا داخل دار النشر الوفية لها منذ أول إصدار لها ترتاده صباحا لترد يدويا على رسائل قراءها بما أنها مازالت لم تعترف بعد بجهاز الكمبيوتر ولا بالهواتف المحمولة إلى الآن فحتى كتبها تقدمهم للناشر على دفاتر مدرسية وبخط اليد.
حصلت أميلي نوتومب من الأكاديمية البلجيكية على لقب بارون لتغير المتعارف عليه بأنه عليها الزواج من حامل للقب حتى يؤول إليها بالتبعية وهو مركز يمنحها كما تقول صفة الخلود مع أن إشكاليتها الكبرى والتي رافقتها منذ الصغر وهي كونها ميتة، إحساس لا يبدده إلا تواجد اسمها سنويا بالمنجد الفرنسي هذا الكتاب الوحيد الذي قابلته في صغرها وحفظته عن ظهر قلب كنوع من التشبث باللغة الأم وليصير بعد ذلك دليلا على التواجد والبقاء.
الجوع الدائم الذي تحسه كاتبتنا في حياتها جعلها توطد علاقتها بقرائها بشكل مثير فيقبلون على حفلات توقيعها محملين بحبات الشوكولا الفاخرة والحلويات المنزلية في حين تستقبلهم هي بالسؤال عن أحوالهم واحدا واحدا وعن أحوال عائلتهم وحتى عن أي شيء جديد يطرأ على حياتهم ولباسهم منادية كل واحد بإسمه وكأنه أقرب الأقربين مما جعل علاقتها بقرائها متميزة جدا وجعلها تحافظ على مقعد الكتب الأكثر مبيعا منذ أول إصدار لها.
كتب أميلي نوتومب عادة ما تنهل من الطقوس اليابانية والحياة الاسطقراطية البلجيكية ومن الحكايا القديمة بعد أن تعيد صياغتها وتمنحها فلسفتها الخاصة مناقضة الفكر التخيلي الذي يحول الوحش إلى أمير في نهاية رواية الجميلة والوحش فكما تقول كاتبتها من أحب وحشا يظل أولى بوحشه الذي تقبله وأحبه في تحد صارخ للطبيعة البشرية التي تبيح للجمال أن يغير الواقع لمجرد انه كذلك.
قوة أميلي نوتومب في شخصيتها الثائرة والساخرة من كل شيء وهي الطفلة التي عانت التوحد في صغرها وتوسدت قلب الشوارع وهي في عمر الثمان سنوات فقط لتدرك وجود الله فلا سبيل لذلك إلا بكونه الوحيد القادر على ان يحميها من الموت.
كتب أميلي نوتومب تتطرق للحرية والجمال الداخلي وتنصف الإنسان فهي تفاجئ قراءها كل سنة برواية جديدة مختلفة عن سابقتها فهي ثارة المنغرسة في قصص الأطفال ومرة في القصص البوليسية وأحيانا العاطفية والعجائبية أحيانا
النقاد لم يكونوا رحيمين بأميلي نوتومب ومنهم حتى من ذهب الى القول أنها ليست كاتبة نصوصها أو منتقدون صورها التي تعتلي أغلفة كتبها بقبعات كبيرة وحركات بهلوانية.
أميلي نوتومب الظاهرة الأدبية ، عضو الأكاديمية البلجيكية والفائزة بجائزة الأكاديمية الفرنسية وعدة جوائز أخرى مهمة في فرنسا والوجه الذي مازال يفاجئ الوسط الثقافي الفرنكفوني بنصوص تطرح الجمال الصارخ والقبح في خندق واحد والذكاء المتقد والغباء في نفس المرتبة بما أن الطبيعة على حد قولها لا تنصف الا المعتدلين.
أميلي نهلت من العادات الأستقراطية البلجيكية والطقوس اليومية اليابانية وترعرعت في العديد من الدول وتعرفت على مجموعة من العادات وللان مازالت تتلقفها الشوارع الباريسية وهي ترفع رأسها للسماء ولتردد هذه ليست بلدي بما أنها وبعد كل هذه السنوات ما زالت تعاني الغربة والجوع الداخليين.
لكنها أحكمت الإغلاق على عواطفها حتى لا تتعود على الأشخاص والأماكن ثم تفقدهم بعد ذلك فكبرت وبداخلها جوع كبير وإحساس بالوحدة أكبر حاولت إشباعه بالكتابة ومصاحبة الحرف ونسج علاقات عائلية مع كل قارئ لها رغم تعددهم
أميلي نوتومب ظاهرة أدبية متفردة.
—–
* أديبة مغربية