وزاد الطين بلة أن صناع القرار والكتاب والصحافيين هؤلاء شرعوا فعلياً في مراهنات جديدة على إدارة الرئيس باراك أوباما، معللين ذلك بأن الموقف الأمريكي قد أصبح محكوماً بالربط بين التصدي للمشروع النووي الإيراني وبين حل القضية الفلسطينية والحصول على دعم دولي لموقف الولايات المتحدة بالنسبة لنزع السلاح النووي، بحيث بات من المتعذر على واشنطن أن تتجاهل الترسانة النووية “الإسرائيلية” في الوقت الذي تواصل فيه محاربة المشروع النووي الإيراني!!
ومن المؤسف أن هؤلاء قد نسوا أو تناسوا أن نتنياهو حاله كحال جميع رؤساء الحكومات “الإسرائيلية” السابقين مع الرؤساء الأميركيين الذين توالوا على السلطة في البيت الأبيض سعى لدى الرئيس باراك أوباما خلال زياراته الرسمية لواشنطن للحصول على تجديدات للتعهدات الأمريكية التي كان قد قدمها الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في عام 1969 إلى رئيسة الوزراء “الإسرائيلية” في حينه غولدا مائير، والتي تضمنت التزاماً بأن لا تقوم الولايات المتحدة بممارسة ضغط على “إسرائيل” من أجل ضمها إلى “معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية” مقابل أن التزام “إسرائيل” بعدم الإعلان عن حيازتها لهذا النوع من السلاح وعدم القيام بإجراء تجارب نووية.
وكان هؤلاء وعلى إثر اجتماع مماثل لنتنياهو وأوباما جرى في واشنطن أيضاً في وقت سابق من العام الجاري قد أشبعونا صخباً وضجيجاً عن عمق الخلافات “الإسرائيلية” – الأمريكية، عندما ادعوا أن هذه الخلافات لم تشهدها العلاقات بين تل أبيب وواشنطن منذ ثلاثة عقود ونصف، وأنها كانت تنذر بتحولات إستراتيجية في السياسة الأمريكية في المنطقة. ولعلنا لم نزل نذكر حملة التطبيل والتزمير التي قادها صناع الرأي والقرار والصحافة والأعلام في الوطن العربي عقب الخطاب الذي ألقاه الرئيس باراك اوباما في جامعة القاهرة في شهر حزيران 2009.
لكن ولحسن الحظ أنه لم يطل فأل المراهنين على الإدرارة الأميركية كثيراً إذ فاجأهم الرئيس أوباما بتحذير من مغبة توجيه أصابع الاتهام “لإسرائيل” بسبب برنامجها النووي الذي على حد قوله لم تعترف أبدا بوجوده، منذراً بأن مثل هذا الاتهام يمكن أن يعرقل تنظيم مؤتمر دولي حول شرق أوسط خال من السلاح النووي مقرر في عام 2012. وقد ترافق تحذير أوباما مع تأكيد بأن الولايات المتحدة تنوي العمل على فرض عقوبات جديدة على إيران لإقناعها بوقف أنشطتها النووية. ووجه أوباما تحذيره في السادس من شهر تموز الجاري ، في بيان تطرق إلى محادثاته مع رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نيتانياهو في البيت الأبيض، حيث جاء في بيان الرئاسة أن: “الرئيس حرص على الإشارة إلى أن المؤتمر يمكن أن يعقد فقط في حالة شعرت كل الدول بثقة كافية للمشاركة فيه”. وحذر أوباما أيضا من أن أية محاولة لاستهداف “إسرائيل” ستجعل آفاق عقد مثل هذا المؤتمر بعيدة الاحتمال.
وكان قد تقرر في شهر أيار الماضي أن يُعقد مؤتمر حول شرق أوسط خال من السلاح النووي، وذلك خلال مؤتمر متابعة معاهدة الحد من الانتشار النووي الذي نظمته الأمم المتحدة في نيويورك. وقد أكد المشاركون في المؤتمر في بيانهم الختامي على ضرورة أن تنضم “إسرائيل” إلى المعاهدة وأن تضع منشآتها النووية كافة تحت الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولم يعترف “الإسرائيليون” أبدا أنهم يمتلكون القنبلة النووية، ويرفضون الانضمام إلى معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي.
وفي ختام محادثاته مع نيتانياهو، قال الرئيس الأمريكي إنه أكد لرئيس الحكومة “الإسرائيلية” أن السياسة الأمريكية في مجال انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط “لم تتغير”، موضحاً أن الولايات المتحدة مقتنعة تماما بأنه نظرا إلى حجمها وتاريخها والمنطقة التي توجد فيها والتهديدات التي تواجهها، فإن “إسرائيل” تحظى بواجبات استثنائية في مجال الأمن. وعلى إثر محادثات في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض خصصت للملف النووي الإيراني بين أوباما ونيتانياهو، أكد الرئيس الأمريكي أن بلاده ستواصل الضغط على إيران، حيث قال “إننا ننوي إبقاء الضغط على إيران لتفي بالتزاماتها الدولية وتوقف سلوكها الاستفزازي الذي يجعل منها تهديدا لجيرانها وللمجتمع الدولي”. يذكر أن الولايات المتحدة كانت قد شددت على ضرورة أن يفرض مجلس الأمن الدولي في شهر حزيران الماضي عقوبات جديدة على إيران في محاولة لإقناعها بوقف أنشطتها النووية.
السلاح النووي”الإسرائيلي” بين الغموض والوضوح
منذ بناء مفاعل “ديمونا” النووي في عام 1958 وحتى الآن، عملت “إسرائيل” على انتهاج منطق الغموض والتضليل فيما يتعلق بمسألة امتلاكها للسلاح النووي. وهي منذ ولادتها القيصرية في خاصرة الوطن العربي قبل اثنين وستين عاماً اتخذت من سياسة التخويف والترهيب أسلوباً ثابتاً لها، على أمل أن تحقق ما تدعيه ردعاً ضرورياً ومُلحاً، أي ردع الأمة العربية عن استعادة حقوقها ومنعها من الدفاع عن وجودها حاضراً ومستقبلاً أو التفكير في مصالحها الوطنية والقومية. وقد دللت جميع الدراسات والأبحاث الخاصة بالسلاح النووي “الإسرائيلي” على أن “إسرائيل” عملت على تطويع منطق الغموض والتضليل بكل ما اكتنفه من مفردات وعبارات رمادية وأدوات ومتطلبات “ضرورية” لخدمة هذه السياسة التي ارتكزت على عدم تأكيد أو نفي امتلاكها للسلاح النووي، كما وأن تلك الدراسات والأبحاث أظهرت أن قادتها تعمدوا على الدوام الإيحاء للعالم بأنها تمتلك ترسانة نووية ضخمة وأن خيارها النووي قائم طالما أن المخاطر محدقة بها من جيرانها!!
وخدمة للدعاية “الإسرائيلية” في هذا الشأن والترويج لسياسة التخويف والترهيب، جند هؤلاء القادة العديد من الإعلاميين “الإسرائيليين” والغربيين المؤيدين “لإسرائيل” والمعادين للعرب والمسلمين. وغالباً ما كان ذلك يعبر عن نفسه إما من خلال التلميح المتعمّد والمباشر إلى هذه الترسانة النووية أو من خلال التلويح المتعمّد والمباشر بالخيار النووي “الإسرائيلي” خدمة لمزاعم الردع الضروري والملح، باعتبار أن سياسة “إسرائيل” النووية كانت وما زالت تقوم على دعامتين أساسيتين: الأولى تحقيق مفاعيل الردع النووي في مواجهة الأعداء والثانية تجنُب دفع ثمن الانتماء العلني لنادي القوى النووية العالمية!!
لكن ثبات العرب الأصيلين والفخورين بانتمائهم على مواقفهم وإصرارهم الجاد على التصدي للنزعة العدوانية والتوسعية “الإسرائيلية” وتشبثهم بالحقوق الوطنية والقومية للأمة والدفاع عن وجودها الذي عبروا عنه من خلال تصعيد حركة النضال الوطني الفلسطيني وخوض حرب تشرين في عام 1973 ومواجهة اجتياح لبنان في عام 1982 وفرض الهروب الكبير والمذل على “إسرائيل” من جنوبه تحت جنح الظلام بعد 22 عاماً من احتلاله “من 1978 إلى 2000″ والانتفاضتين الفلسطينيتين المباركتين والمقاومة العراقية البطلة التي أفرزها احتلال العراق وإنزال هزيمة مدوية بالجيش”الإسرائيلي” في عدوانه على لبنان عام 2006 ، أفشل سياسة التخويف والترهيب “الإسرائيلية” المرتكزة على منطق الغموض والتضليل، كما وأكد ثبات الإرادة العربية وصعوبة بل استحالة انكسارها أو انحنائها أمام جميع الخيارات العدوانية “الإسرائيلية” بما فيها الخيار النووي.
ولربما أن تلك الحقيقة استدعت من “إسرائيل” التحول باتجاه تصعيد وتيرة فبركة الأكاذيب والادعاءات المتواصلة والمتلاحقة حول امتلاك العرب والمسلمين سلاحاً نووياً. وقد ساعدها في الترويج لذلك نفوذها القوي داخل الدوائر الأميركية الحاكمة والتعديل “المدروس والمخطط له” الذي أُدخل على السياسة الأميركية مع انتقال العالم إلى القطبية الواحدة والإفصاح عن النزعة الاستعمارية الجديدة للولايات المتحدة بذات الفجاجة والوقاحة المعهودتين فيها، وظل الغرضُ “الإسرائيلي” يتمحور في دائرة تطوير السلاح النووي بذريعة الردع الضروري والملح.
وفي خضم ذلك التحول، بدأت “إسرائيل” تُشيع تارةً أن العراق يمتلك هذا السلاح، وتارة ثانية أن ليبيا بصدد تطوير قُدراتها نووية، وتارة ثالثة أن إيران بصدد التحضير لصناعة القنبلة النووية، وتارة رابعة أن السلاح النووي العراقي انتقل “بسحر ساحر” و”قدرة قادر” إلى سورية. وبين ليلة وضحاها، أصبحت معظم البلدان العربية والإسلامية في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط تمتلك السلاح النووي، وِفقَ الأكاذيب والادعاءات “الإسرائيلية” المصادق عليها زوراً وبهتاناً من قِبل الدوائر الأميركية الحاكمة.
وبالطبع فإن هذه الدوائر الخاضعة لسلطة تيار المحافظين الجدد الذي يهيمن عليه الصهاينة وأعوانهم في واشنطن تحافظ على يقظتها وبقائها جاهزة وعلى أَهبة الاستعداد لتبني الأكاذيب والادعاءات “الإسرائيلية” والترويج لها، والتلويح بالعصا الغليظة من خلال التهديد بأقصى العقوبات التي تتراوح بين المقاطعة والحصار والاجتياح والاحتلال. كما وتبقى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية “N.P.T” لعام 1968 جاهزة هي الأخرى لفرض تطبيقها على البلدان العربية والإسلامية، مع الحفاظ على إبطال مفعولها عندما يتعلق الأمر “بإسرائيل”. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن “إسرائيل” هي الدولة النووية الوحيدة في العالم التي لم توقع بعد على هذه المعاهدة، وما زالت ترفض السماح لوكالة الطاقة الذرية الدولية بتفتيش مفاعلاتها النووية كي يبقى برنامجها النووي في منأى عن الأنظار.
سبعة أعوام مرت على اجتياح العراق واحتلاله في أكبر خرق سافر وفاضح للشرعية الدولية وأبشع تحدٍ صارخ ووقح للمجتمع الدولي، ولم تتمكن إدارة المحافظين الجدد الأميركية وحكومة العمال البريطانية وكل المتحالفين معهما “بالرضى أو الإكراه”من إقناع العالم بشرعية الجريمة البربرية والبشعة التي اقترفتاها بحق هذا القطر العربي العزيز والغالي على قلوب كل العرب الغيورين على عروبتهم والمخلصين لأمتهم، خاصة وأنه ثبت بطلان “السلاح النووي العراقي” المزعوم كمسوغ أو مبرر للاجتياح والاحتلال بشكل قطعي، وسقط إلى ما لا رجعة. فكل المعطيات أكدت خلو العراق من هذا السلاح، كما وأن جميع الخبراء الدوليين في الشرق والغرب بدءاً بهانس بليكس وانتهاءً بدافيد كاي أثبتوا بالأدلة والبراهين القطعية عدم وجوده فيه منذ “حرب الخليج الثانية” التي حدثت في شهر كانون الثاني من عام 1991، والتي أطلق الوطنيون والقوميون العرب عليها تسمية العدوان الثلاثيني على العراق.
أما ليبيا فقد فتحت كما بات واضحاً ومعلوماً جميع “خزائنها” النووية أمام التفتيش الدولي، وأجازت للطائرات الأميركية نقل المعدات والمواد ذات الصلة بالسلاح النووي الليبي إلى الولايات المتحدة لتأكيد “حسن نواياها” و”انصياعها” للإرادة الدولية. وهي عندما فعلت ذلك فإنما فعلته مضطرة، بعد أن طال الحصار الدولي الظالم عليها وعلى شعبها وطال معه تخلي الاخوة والأشقاء عنها.
وكانت إيران قد سبقت ليبيا إلى تأكيد “حسن النوايا” و”الانصياع للإرادة الدولية” عندما وقعت على البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي ووافقت على إخضاع منشآتها النووية للتفتيش الدولي. لكنها ظلت تصر على مواصلة عملها أملاً في استكمال خططها وتنفيذ برنامجها النووي الخاص بالأغراض السلمية، الأمر الذي وضعها في مواجهة سياسية ودبلوماسية “كلامية ساخنة ودائمة”مع تل أبيب وواشنطن وحلفائهما في الغرب والشرق، سعت مؤخراً إلى تبريدها عبر التصريحات المفاجئة وغير المألوفة التي أطلقها علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية وأقر فيها ب”المحرقة اليهودية” وأبدى استعداد بلاده للتخلي عن طموحاتها النووية العسكرية “مقابل الأمن لها وللمنطقة والعالم”، على حد تعبيره!!
وبخصوص سورية، فلم يسبق أن تناهى لمسامعنا أنها امتلكت مثل هذه السلاح إلا بعد اجتياح واحتلال العراق وبدء تنامي وتيرة الانتقادات العنيفة للرئيس الأميركي جورج بوش الابن وظله البريطاني توني بلير ودفعهما إلى عُنق الزجاجة على خلفية السلاح النووي العراقي المزعوم، وتعريض المستقبل السياسي لحزبيهما إلى مخاطر حقيقية وجادة عبرت عن نفسها في انتخابات الكونغرس الأميركي الأخيرة وانتخابات مجلس العموم البريطاني قبل ذلك. ولا شك في أن الزعم بامتلاك سورية مثل هذا السلاح من قبل حكام تل أبيب والمحافظين الجدد الذين يسيطرون على دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة إنما جاء في إطار ممارسة أقصى الضغوط الممكنة على نظامها في محاولة يائسة لثنيه عن مواقفه الوطنية والقومية الثابتة.
وبالرغم من سيادة منطق الغموض والتضليل على السلاح النووي “الإسرائيلي”، إلا أن خبراء دوليين كثيرين من بينهم بعض “الإسرائيليين” أجمعوا على أن “إسرائيل” ليست دولة نووية فحسب وإنما هي القوة النووية الخامسة في العالم. وقد أكد تلك القناعة استطلاع للرأي العام أجري في “إسرائيل” في عام 1988 إثر تسريب قانون عام 1986 للمعلومات عن المشروع النووي “الإسرائيلي” وأظهر أن أكثر من 50 في المائة من “الإسرائيليين” يعتقدون أن هناك سلاحاً نووياً في بلدهم. كما أكدها استطلاع آخر للرأي العام صدر في مطلع عام 2004 عن “مؤسسة شفاكيم بانوراما الإسرائيلية” المختصة باستطلاعات الرأي والتي تتخذ من تل أبيب مقراً لها دلل على أن 77.4 في المائة من “الإسرائيليين” يعتقدون بأن “إسرائيل” تمتلك سلاحاً نووياً، وأن 81.7 في المائة منهم يشككون بوجود أمنٍ وطني فيها في ظل امتلاكها هذه الأسلحة.
وقد دعم تلك القناعة أكثر فأكثر كشلو موغازيت رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “الإسرائيلية” السابق في وصفه منطق الغموض والتضليل الذي اتبعته بلاده في التعامل مع سلاحها النووي باللعبة الساذجة، وتأكيده أنها إحدى أهم القوى النووية الرئيسية في العالم منذ عشرات السنين. وقد شبه موغازيت كل من ينكر وجود السلاح النووي في “إسرائيل” بمن يغطي عينيه براحتيه ويقول: لا توجد هنا قوة نووية!!
ولربما كان البروفيسور والخبير النووي مردخاي فعنونو أول “إسرائيلي” تجرأ وكشف النقاب عن سر امتلاك “إسرائيل” سلاحاً نووياً. ففي عام 1986 سرب فعنونو الذي تحول عن اليهودية إلى المسيحية واستبدل اسمه الأول باسم جون عامداً متعمداً سبعاً وخمسين صورة لمفاعل ديمونا النووي القائم في صحراء النقب وعدداً إضافياً من الوثائق الخاصة بالبرنامج النووي “الإسرائيلي” إلى صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية، الأمر الذي أدي إلى كشف المستور الخاص بلغز الموقع رقم 2 الذي أُطلقت عليه تسمية وكر البلوتونيوم القاتل، والذي تسبب في إحراج كبير”لإسرائيل” أمام الرأي العام العالمي لأنه لم يكن قد مضى في حينه سوى خمسة أعوام فقط على قيامها بالعدوان على مفاعل تموز النووي العراقي المخصص للأغراض السلمية، يُذكر أن الطائرات الحربية “الإسرائيلية” استغلت آنذاك انشغال العراق في حربه مع إيران “إبان حرب الخليج الأولى” فأغارت في 7 حزيران 1981 على المفاعل ودمرته تماماً، مستبقة بذلك موعد افتتاحه الذي كان مقرراً في اليوم التالي.
وفعنونو الذي أُطلق سراحه في نيسان 2004 بعد أن أمضى 18 عاماً في السجون والزنازين “الإسرائيلية” لم يزل حتى الآن قيد الإقامة الجبرية ولم يزل ممنوعاً من السفر حتى إشعار آخر بأوامر من حكومة تل أبيب والقضاء “الإسرائيلي”، خوفاً من قيامه بالكشف عن مزيد من الأسرار الخاصة بالسلاح النووي “الإسرائيلي” وبالذات مفاعل ديمونا، وحتى لا تخرج مسألة امتلاك “إسرائيل” سلاحاً نووياً من دائرة التجاهل وعدم الاهتمام الدولي المتعمد إلى دائرة الوضوح والاهتمام الدولي غير المتعمد، ولكي تبقى سياستها الخاصة بهذه المسألة أسيرة منطق الغموض والتضليل المتبع !!
مئات الكتب والأبحاث والدراسات والوثائق نُشرت حول السياسة النووية “الإسرائيلية” ومفاعل ديمونا النووي الذي يتخذ من باطن أرض صحراء النقب مقراً سرياً له، وقد اعتاد قادة “إسرائيل” منذ بدء العمل بالمفاعل المذكور في عام 1958، كما سبق لي أن ذكرت، على التصريح بين الحين والآخر بأن بلادهم تمتلك سلاحاً نووياً من خلال اعترافات كانوا يطلقونها ثم يتراجعون عنها بذريعة أنها “زلات لسان”. وفي كل مرة حدث ذلك، كان يأخذ شكل الخداع المتعمد لخدمة منطق الغموض والتضليل الذي اعتمدته “إسرائيل” في التعامل مع سياستها النووية.
حتى عندما تعهد شيمون بيريز للرئيس الأميركي الديمقراطي الراحل جون كينيدي في ستينات القرن الماضي بأن “إسرائيل” لن تكون البادئة في إدخال السلاح النووي إلى منطقة الشرق الأوسط،، فقد فعل ذلك في ذات الإطار ولخدمة ذات المنطق الذي هو بالأصل مبتدعه، إلى جانب أنه أراد من خلال تعهده اللفظي إعفاء إدارة كينيدي والإدارات الأميركية التي ستعقبها من أي حرج محتمل، في حال طرح الملف النووي “الإسرائيلي” على بساط البحث الدولي!!
ومما لا شك فيه أن اعتراف رئيس الحكومة “الإسرائيلية” السابق أيهود أولمرت أثناء زيارته الرسمية لألمانيا في شهر كانون الأول 2006 بامتلاك بلاده سلاحاً نووياً وتراجعه عن ذلك باعتباره “زلة لسان”، جاء في ذات السياق لتصريحات واعترافات القادة “الإسرائيليين” السابقين، ولم يكن ذلك الاعتراف سوى تأكيد لسر بات معروفاً للقاصي والداني، بعدما انتقل ذلك السلاح من نطاق الغموض والتضليل إلى نطاق التصريح والوضوح!! فذلك الاعتراف الذي جاء في إطار سياسة التخويف والترهيب التي اعتمدها رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على حكم “إسرائيل” أسلوباً ثابتاً لتحقيق ما ادعوه ردعاً ضرورياً وملحاً اكتسب أهمية خاصة لاعتبارين، أولهما أنه توافق مع نشر”المجلة العسكرية الإسرائيلية جينز” ما نسبته إلى خبراء ذرة أفادوا “أن إسرائيل تمتلك بين 150 و200 رأس نووي متفجر يمكن إطلاق بعضها لمدى بعيد بواسطة صواريخ أرض – أرض من طراز يريحو”، وثانيهما أنه أعقب تصريحات لوزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس تحدث فيها عن وجود قدرات نووية “إسرائيلية”، وهو ما فسره المراقبون على أنه جاء في سياق حملة “إسرائيلية” – أميركية مشتركة تستهدف البرنامج النووي الإيراني بشكل خاص.
لم تغب ترسانة السلاح النووي “الإسرائيلي” عن جدول أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ عام 1980 وإن تم تجاهلها عمداً بعد حرب الخليج الثانية، وذلك بضغط “إسرائيلي” وتغطية سياسية أميركية بذريعة إفرازات تلك الحرب. ولا شك أيضاً أن واشنطن رفضت على الدوام المطالبات العربية الخاصة بوضع المنشآت النووية “الإسرائيلية” تحت رقابة دولية أو قيام منظمة الأمم المتحدة بعملية إزالة أسلحة الدمار الشامل من منطقة الشرق الأوسط بما فيها سلاح “إسرائيل”، وفي كل مرة تقدمت لجنة متابعة الأسلحة النووية “الإسرائيلية” المنبثقة عن الجامعة العربية أو المجموعة العربية في المنظمة الدولية خطوة باتجاه أي من هذين المقترحين، كانت تواجه بالصد الأميركي قبل الصد “الإسرائيلي”.
والمؤسف أن واشنطن ظلت بوقاحتها وصفاقتها المعهودتين تطالب سورية باقتفاء أثر ليبيا في معالجة ما زعمت أنه “سلاح نووي موجود لديها”، هكذا على طريقة “تأبط شراً”، علماً أن أركان النظام فيها كانوا على الدوام المُبادرين إلى المطالبة بإخلاء منطقة الشرق الأوسط بما فيها “إسرائيل” بالطبع من السلاح النووي. وهي اليوم تكرر ذلك مع إيران، وتسعى إلى تحقيق ما هو أبعد وأخطر من ذلك بكثير!!
والمفارقة في الأمر أنه في الوقت الذي تمارس فيه واشنطن بدعم من تل أبيب والغرب وبعض بلدان الشرق أيضاً أقصى الضغوط السياسية والدبلوماسية على إيران وتستغل مجلس الأمن الدولي لإجبارها على وقف أنشطة تخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها النووية الخاضعة أصلاً للتفتيش الدولي، تلوذ بالصمت المطبق إزاء السلاح النووي “الإسرائيلي” الذي يشكل تهديداً جدياً وخطيراً لمنطقة الشرق الأوسط وشعوبها، باعتراف الخبراء الإقليميين والدوليين.
يرى البعض ومنهم بيتر هونام الذي أحضر البروفيسور مردخاي فعنونو إلى محرري صحيفة “صنداي تايمز” أن “إسرائيل” ستواصل إنتاج السلاح النووي لكي تبيعه لدول حليفة لا تشكل خطراً عليها. ويرى خبراء آخرون أنها ستواصل تشغيل مفاعل ديمونا لأنها تريد تزويد نفسها بأسلحة نووية أكثر تطوراً بحيث تلبي الرد على ما تزعم أنه “خطر إيراني عليها”، ويتكهن علماء من بينهم فرانك بارنابي بأن “إسرائيل ستتوقف عن إنتاج السلاح النووي لأنها تملك ما يكفي من السلاح المخزن، ولأن المفاعل استهلك نفسه وإذا لم يتم إغلاقه أو تفكيكه بحذر شديد فإن تسرباً واحداً فيه سيتسبب بكارثة كبرى لإسرائيل والمنطقة”. ولا يستبعد أصحاب الرأي الأخير أن يكون الوضع المتردي للمفاعل هو السبب الذي ضاعف من عدد المقالات التي بدأت تتحدث عن تفكير قادة “إسرائيل” بالاستعاضة عن منطق الغموض والتضليل بمنطق التصريح والوضوح فيما يختص بسياسة بلادهم النووية واحتمال فتح مفاعل ديمونا أمام التفتيش الدولي في حدود معينة!! ترى من الصادق بينهم في ظل الإصرار الأميركي – “الإسرائيلي” على استهداف إيران سياسياً ودبلوماسياً؟ من الصعب معرفة ذلك، لأن “إسرائيل” ترفض حتى الآن إعطاء الجواب.
محمود كعوش
كاتب وباحث مقيم بالدانمارك
آب / أغسطس 2010
kawashmahmoud@hotmail.com
kawashmahmoud@yahoo.co.uk