ثمة حكايات لم نسمعها من قبل، حكايات المسرة المبهرة، وربما حكايات الانكسارات المضاعفة، تلكم هي الدهشة المفترضة، فيما لو فتحنا هذه الصناديق لتندلق الحكاية تلو الحكاية، وكأننا نسمعها لأول مرة ،محشورة في الصناديق المقفلة، إذ تشير المصادر المتوارثة عن فتح هذه الصناديق التي تحتاج حضورا حاشدا ليكونوا شهود حقائق عن ما سيردنا من أفكار قد تجعلنا نقترب من الحياة أو نبتعد.
هنا تكمن الأسرار المتناقلة والتي تواصلنا معها من خلال الجدات المسنات الناقلات للأحاديث، هذه الصناديق تحمل أسرار الحياة الحاضرة في أشواطها المفاجئة لجميع من سيحضر فتح طلاسمها وما تحتويه من مصائر مجهولة لنا، كانت أعين الجميع تحوم حولها، بخشبها المزخرف والمنقوش بعناية هائلة، ويتخلل هياكلها ترصيعات من أحجار ملونة بملمس ناعم وكأنها من صناعات هندية أو من بلدان تزخر بعمل الأنتيكات والهدايا الفاخرة والمتفردة. ونحن نرقب لحظة فتح هذه الصناديق العجيبة في هذه الوقت الساخن، تسرب هذا التساؤل سريعا بين الناس المترقبين لهذا الحدث وسط حيرة التوقعات، ماذا تحمل في دواخلها، من جاء بها، وكيف شاع الخبر سريعا؟
نحتاج إلى مدونين وخبراء في الوثائق والمدونات السرية ، ومن الضروري أيضا أن يسعفنا الفوتغرافي الماهر في المدينة ببعض لقطات توثق المكنونات الخفية في هذه الكتلة الخشبية المرصعة بالنقوشات اللاصفة.
ازداد اللغط بين الحاضرين، قال أحدهم : هنا أسرار الحياة وروحها، فيما همس آخر في أذن صديقه وهو يعصر يديه: ستصيبنا الخيبة ونحن نقتل وقتنا من أجل صناديق مبهمة، تنامت إلى أسماع شخص، يقال إنه من الناقلين لهذه الصناديق وقد أمضوا وقتا طويلا كي يؤمنوا وصولها بسلام، ردد مع نفسه، لو يعلم الحاضرون ما فيها من أسرار المدينة وما حولها لأجهزوا عليها وفتحوا مغاليقها، وربما سيتفاجأ من تركوا بيوتهم ليشهدوا هذه الواقعة التأريخية المصيرية، بدأت أشك في نفسي، وأنا الذي أسهمت في نقل عشرات الوثائق والمدونات والصور وبعض نفائس من أوراق مكتوبة بخط اليد، علينا أن نعلن وقت فتح الصناديق، هذا ما قاله رجل آخر تبدو عليه علامات الوقار وهو يرتدي الزي العربي وبكامل أناقته.
حملة خزائن المسرودات والوثائق ينتظرون إشارة أو رسالة نصية كي يباشروا بمهامهم التي كلفوا فيها، لكن الوقت تأخر ولم تصلهم التنبيهات، تبدو على محياهم ٱثار التعب والقلق وهم يتوجسون الريبة من الناس الذين بدأوا يتذمرون من نزيف الوقت وهدر لحظاته في أمر مجهول، فيما تعالت أصوات بعضهم ويدعون إلى الانصراف، ليتفادوا صرف وقت مهدور في عدم جدية حملة الصناديق ومن سيوعز إليهم بفتحها.
بدأ الأمر مريبا للجميع، فيما كانت الكتل الخشبية محجوزة في مكان مغلق، خوفا وحذرا عليها من السرقة ربما، وضياع كل التوقعات التي تدور في رؤوس المجتمعين على مقربة من مكانها، الوقت يمر، والمدينة في حيرة من أمرها، هكذا يتناهى للواقفين قرب شجرة واطئة أن الأمر وشاية جديدة في سرقة الوثائق وتمريرها من جهة أخرى، بعيدا عن أعين الناس.