اكتب اليوم ولأول مرة اكتب على هذا النحو من الكتابة والتي جوزت لنفسي ان اسميها قصة لكن لي فيها معنى . قصة من الواقع ليس للخيال فيها مجال ولذلك ارجو من القارئ المعذرة اذا انا ذهبت بعيدا ً . بطل هذه القصة عراقي مسلم اسمه حسن .
مخضته والدته في احد ارياف العراق في عام 1956 كان البكر لاهله كان والده يعمل مصلح مكائن الطحن في قريته وكان والده رحمه الله بارع جدا ً في حرفته وكان يسكن في بيت يتدعى الى السقوط ولكنه كان مضطر الى العيش بالقرب من عمله المتعب جدا ً .كانت والدته كنساء اهل الريف تصحو باكرا ً جدا ً لتؤمن للعائلة الزاد الصباحي ثم تلتفت الى الحيوانات لتعطيها من العلف المركون في البيت لم تكن تفكر الا في بيتها وعمل زوجها وعائلتها , لم تكن تفكر كما تفكر نساء الجيل الحاضر في موديل الفستان والمكياج والسيارة ونوعية البيتزا والهمبركر ! كانت ام حسن صلبة حنونة يحسبها الناس غنية من كثر تعففها كانت تحب حسن كثيرا ً على الرغم من عناده اياها احيانا ً . حنق من أمه ذات مرة وكان في الخامسة من العمر ولشدة غضبه ذهب الى دجاجات امه الصغار فقتلهن جميعا ً . الحديث عن امه يحتاج الى فرزة خاصة .
ترعرع حسن وما ان فتح عينه وما كادت أذنه لتسمع حتى سمع صوت ماكنة الطحن التي يمتلكها والده مع شركاء له كان والده يقسو عليه لصعوبة العيش في ذلك الزمن ولان والده كان يطلب منه مساعدته في تلك الماكنة التي يصعب على مثله لطراوت عظامه ان يعمل بها لكنه كان يتجلد ويصبر ليكون المعين لوالده حتى اتقن العمل هناك .
لكن ولظروف العائلة المعيشية الغير مستقرة والصعبة , تطوع صاحبنا الى الخدمة العسكرية كان كما يقول هو باللهجة العراقية لم يخط شاربه بعد فدخل في اجواء العسكرية دون اي معرفة بها وبقوانينها , ولسوء الحظ كان مكان وحدته العسكرية بعيد عن اهله جدا ً حيث يتعذر عليه رؤيتهم الا في وقت الاجازة الشهرية .
بقى الرجل على هذا الحال ما يقارب السنة او اكثر بقليل واذا بوالده يمرض مرضا ً شديدا ً وفي نفس الوقت كان المرض غريبا ً وبعد مراجعات متكررة ( وروحات وجيات ) اخبرهم الطبيب ان ابو حسن مصاب بالسرطان , دارت احداث في تلك الاوقات لقد عييت عن كتابتها وشحت الكلمات لذكرها لكن تخيلوا عائلة كبيرة يصاب ابوهم وكاسب رزقهم بهذا المرض الخبيث كما يحلوا للبعض تسميته . ماذا يعمل حسن المرتبط بالعسكرية وبوالده وبعائلته في قريته . اخبرهم الدكتور ذات مرة انه يريد دم لوالدهم وكان عند والدهم اشخاص من الاهل والاقارب فلم يتقدم احد ( اعتقد انهم كانوا خائفين من المرض حتى لا ينتقل لهم )
لكن حسن لم يأبه بهذ السكوت المخيف وبادر الى الدكتور ليعلمه انه سوف يعطي والده الدم وسحب منه دم اكثر من قنينة .
وبقى والده على هذا الحال ما يقارب السنة والنصف بين العاصمة بغداد حيث مدينة الطب وبين قريته الصغيرة في منافي العراق . وحين استيأس حسن وعائلته من ابيهم استقروا في بيتهم لينتظروا ما سيفعل الله , وقضى الله امرا ً كان مفعولا ً . ففي احدى ليالي الشتاء الباردة حيث كان بعض اخوة ابو حسن وأولاد اخوته وعائلته يتناوبون في البقاء معه لان حاله تردى من سيئ الى اسوء في تلك الليلة و في غسق ليل الشتاء المظلم اسلم ابو حسن روحه الى الله , بعد ما ترك خلفه اربعة اولاد وبنتان وزوجتان .
وكأن المصائب و الشدائد لا تريد ان تنفك عن ذلك الفتى اليافع , كان من الواجب ان يكون حسن في مقام ابيه لان والده حين حضرته الوفات اوصى بوصيته الى ابنه البكر حسن ليكون خليفة اباه . تزوج حسن قبل وفاة والده وربما بالحاح من الاهل لكي يرى الوالد احفاده , المهم ان صاحبنا ما ان يغمض عينه من هول مصيبة الا ويفتح عينه على مصيبة اكبر فصار هو المسؤول عن العائلة جميعا ً الى ان اشتد عود اخوته فاعانوه في ذلك .
مرت الايام والسنين واذا بحسن في احدى دول العالم في قصة ٍ لم تكن في الحسبان كيف وصل هذا الثائر المنتفض على ظلم الزمن والدنيا و بطش ووحشية الحكومة واستهتارها بارواح المساكين . في حالة من الضنون او الخيال صدق او لا تصدق ترك حسن والدته وزوجته واطفاله بظروف قسرية قاهرة ترك اهله ليجد نفسه مع اخوته الثلاثة في منافي ارض الله التي لا يعلم عنها شيء والتي بقى بها ردحا ً من الزمن , الزمن الذي تحول به مناطقيا ً تحول حسن به فكريا ً وعقديا ً , وهنا شفرة الطلسم التي اروم تبيانها , ادرك الرجل ان هناك خلل فيما يؤمن به من بعض طقوس المذهب الذي يؤمن به فحاول التفيش عن الخطأ فسار لكي يسأل اهل الاختصاص والعلم وقام بقراءة متأنية للتأريخ الاسلامي بعقل مجرد ليس بايمان مسبق ولا بنفي مسبق لكنه تمهل في ايماناته الجديدة , طالع الكثير من كتب العقائد وكتب ثقافية اخرى لانه كان صاحب مكتبة كبيرة لبيع الكتب فكان يقراء على روية ويناقش على مهله لانه يعرف الزبائن جيدا ً كان يعرف فلانا ً ليس عنده شيئا ً من العلم لكن الناس هي التي جعلت منه عالما ً وفلان عالم لكنه مخفي بين العوام ومشكلة الدعاية عند الناس امضى من قناة الجزيرة في هذا الوقت كان يختار الناس الناضجين من مذهبه لكي يشرحوا له التعقيد في بعض المسائل , كانت تستفزه كثيرا ً بعض المشاهدات التي يزعم اهلها انها من الدين بينما يجزم لهم انها ليست من الدين بشيء , وحين يسأل علماء الدين ما رأيكم بهكذا افعال يقولون له بالتأكيد غير مقبولة ! لماذا لا تحرمونها ؟ لا نستطيع . ايقن حسن الذي طالع فكرا ً اخرا ً او مذهبا ً اخرا ً انه لامجال للبقاء على ارث الاجداد فغير مذهبه عابرا ً الى الضفة الاخرى من الدين . الدين او المذهب الذي عبر اليه ربما سوف يشبع اسألته الكثيرة والتي ورثها من اهله رغم ان المذهب الذي تحول اليه لا يمارس نفس الافعال التي اعتاد عليها حسن لذلك استكان من عبئ القلق لكنه نسى ان المذهب الجديد فيه بعض الاسئلة ولانه لم يكن يخبرها او يعلمها لم يسأل عنها .
تغير صاحبنا بملئ ارادته دون اجبار السلطان او ثقل في الميزان , وهذا شيء جميل جدا ً حين يتغير الانسان بشعوره وفكره وعمله طامحا ً وطامعا ً نحو الافضل لا ان يقف دون وعي او تفكير لكي يحفظ كتب الزمان او كان ياما كان .
كان من المفترض وبعد ان تغير حسن الى المذهب الاخر ان يكون علماء ومثقفي مذهبه القديم هم الذين يطلبونه الى النقاش لكي يردوه لدينهم !!
يا سادة يا كرام وتجمع اناس من الذين يعرفهم حسن وعزموا ان يردوا هذا الضال عن الطريق , يردوه الى دين الله وشرعه وسنته !!!
الله , الله البعيد كل البعد عن منهج هؤلاء القوم الذين تجمعوا وكانوا معروفين في الوسط العام ببعدهم وقسوتهم وسطوهم على اموال الناس وسلبهم حقوق الاخرين , ايعقل ان رجلا ً لا يقرأ ولا يكتب لايصوم ولا يصلي سارق وقاطع طريق وشارب خمر و الخ .. يأتي ليناقش ويتحدث ويجادل رجلا طالع ونقب وبحث لكي يصل الى الحقيقة التي رءآها و بحث عنها طويلا ً .
تجمع الناس بأمر من سعدون ذلك الرجل الامي الذي يحاول ان يسبغ على نفسه بالميل الى النزعة العشائرية والتي لا يعرف قوانينها ولا ضوابطها , سعدون حرك الناس لانه كان يبغض حسن لحسده اياه حسن كان متكلما ً بارعا ً ويملك اسلوبا ً في الحوار قل نظيره فهو يستطيع ان يقنعك اذا شاء بان واحد زائد واحد ثلاثة او ان يوهمك في طريقته الحوارية هل الماء من البخار او البخار من الماء ليعمل في نفسك الشك , هذا المنطق جر عليه حسد المحيطين به واولهم سعدون الذي كان حينما يتكلم كانه يريد ان يبلع لسانه ثم انه لم يقرأ في حياته جملة من صفحة من كتاب وهذا الكتاب سيكون مقبول حتى لو كان قصة اطفال .
شخص اخراشترك في هذه المهزلة التي كان صاحبنا ضحية لمجتمعه الهابط والذي يعرف الاعراف والتقاليد اكثر من معرفة الله , ابو فاصل ذلك الرجل الاسود والقلب الاسود و النظرة السوداوية كل شيء فيه اسود سبحان الله الا ملابسه فكان يحرص ان تكون بيضاء لتعكس على سواد مظهره ومخبره اشعاع من بياض .
هذا الاخر كان بوق دعاية يتنقل من مجلس الى اخر ليعلمهم ان اخاه الذي كان المرافق والصديق لحسن سوف يجلب لهم العار لانه من المحتمل سوف يغيره حسن باسلوبه المعروف كان يتظاهر احيانا ً بالبكاء على اخيه الذي يكبره باربعة سنين او اكثر . هب الخبر بين الناس فسمعوه وايقنوا به ان حسن تغير الى المذهب الاخر .
مجتمع عشائري تقليدي لايعرف معنى التغيير ولا يتعامل مع القراءة والثقافة انه مربوط بقوانين بدوية جاهله او طقوس لاهوتية باطلة والذي يحاول ان يتعدى هذه العادات سيسحقه هذا المجتمع الجاهل لا بل سيغرس فيه كل انياب البداوة والجهل ليقتله شر قتله . حاوره احد معارفه من الناس التقليديين قال له ( اخي حسن تعرف احنه ناس عشائر والناس تعرفنه شنكلهم لو كالونه ابنكم شبيه وليش تغير ) بالتاكيد سؤال ينم عن بساطة التفكير واسلوب الغلبة لان الواحد ليس كالمئة . صرح اخر قائلا ً ( والله جابلنه العيب والخزي ) وصرح المجتمع اخيرا ً يجب ان نقاطع حسن ولا نتكلم معه مما حدى باحدهم ان يذهب الى اخوة حسن ليطلب منه ان يقاطع اخيه , فتمت مقاطعته فعلا ً حتى من اقرب الناس اليه واعز الاصدقاء لديه الى ان فرج الله عنه وانتقل الى بقعة جغرافية اخرى بعيدة كل البعد عن ذلك المجتمع الذي لا يعرف معنى الانسان والانسانية او الله وخلقه , انتقل الى مكان اكثر انفتاحا ً وتقبلا ً للافكار الاخرى .
الخلاصة : يزعم اكثر الناس انهم لم يؤمنوا بما أمن به ابائهم عن طريق الوراثة بل انهم دققوا ومحصوا لذلك الكثير لكن حين تسالهم عن اتفه شيء في تراثهم الذي وجدوا ابائهم عليه ستجدهم لم يغيروا في ايماناتهم شيء هم كابائهم لا يختلفون . اننا جميعا ً نعتقد اننا على حق وهذا الذي وجدنا اهلنا عليه هو الحق , فالمسلم يعتقد انه اقرب خلق الله الى الله بل اكثر من ذلك الجنة للمسلم وليس لغير المسلم شيء , المسيحي واليهودي وباقي الاديان يعتقدون بنفس الاليات و يؤمنوا بنفس الباصات التي ستأخذهم الى الجنة تاخذهم دون سواهم بالتاكيد !!
ما الذي يجعل على رأس الفرد منا طوقا ً رابطا ً على ذهنه لا ينفك ولا يتغير ؟ انه المجتمع الجاهل المجتمع الذي احرن بكل تفاصيل حياته على الموروث , المجتمع الذي تعامل مع حسن سيتعامل مع غيره بنفس القوة والصلابة حتى يمشي مشروع الجهل العام . مخطئ من يعتقد انه متحرر في تفكيره او انه جد وجد لكي لكي يغير ما وجد هذا كله كلام مستهلك , الكلام الصحيح هو من غير نفسه حقيقة ً وليس مجازا ً ثم حاول ان ياتي بجديد الى المجتمع الذي يعيش فيه .
الازدواجية الغالبة على معظم مجتمعاتنا ناتجة من الفراغ الذي يعيشه الفرد , فما الذي يجعل شخص لايعبد الله وغير مكترث بقوانينه ولا سنة نبيه ان يكون مدافع عن الدين والمذهب وفي نفس الوقت الذي ينتهك هو فيه الدين والمذهب في كل لحظة ؟ !! .
يأمرون الناس بالبر وينسون انفسهم . اكتشفت مؤخرا ً ان كثير من الناس يملكون طاقات لا يستهان بها من تحليل النص الى نص التحليل , ايا ً يكن هذا النص ديني , تأريخي , سياسي , لكنهم يخشون ايما خشية من ثورة المجتمع الجاهل عليهم لذلك ان اكثرهم لا يريد ان يفصح عما يؤمن به او يعتقده .
املي من كل ما كتبت عن حيات صاحبنا حسن ان نجعل الناس احرار فيما يعتقدون ثم اذا كان هناك شيء نريد ان نجليه في تفكيرنا عن الاخر فالحوار هو الوسيلة الفضلى في استبيان الحقيقة . اتمنى ان لا يتعرض احد بسوء كما تعرض حسن وان يكون للعقل دور وللحوار الهادف مكان في مثل هكذا امر .