هذه أقانيمي حنجرةُ أجراسٍ تعلو رخيمةَ الطلْع
فيُركنُ الهباءُ دورتَه , والدماءُ العاشقة تهذي بمِسكِها المتهللِ بيارقَ
وسرباً من أعاصير وثورةً نجيبة ,
وتلك صباحاتُ وطنٍ جارفٍ في الإلغاء لا الإحياء , صباحاتٌ تتعارف على بعضها البعض لحظةَ توديعها لبعضها البعض بخمائلَ من جدائلَ , وغدائرَ من ضفائرَ فَيَتَجَحفَلُ خَرَزٌ في أكف الورود ونحلٌ ذهبيُّ المرايا عسليُّ النوايا مُتداركاً لُعابَ الجِرار
ومن ثمَّ يرحلُ الجميعُ على سَنامِ نسمةٍ ,
وكدوامةٍ مائية يَدورُ لساني بالثناء على طوفان من فيءٍ …
والآن هو الخريف أيها اليَحْمورُ المجترُّ سبائكَ من أوراقٍ صفرٍ
فكلاكما يأنف فأنت بقرونك المُشيِّعة لمَعقل الخضار دون مبالاةٍ
وهو السائح وكأسُهُ ملآى بالحانات والأرصفة ,
وأنتِ أساورُ متلاحقة في معصم لينوبَ عن حقلِ سنابل
أيتها النازحةُ لوعدٍ يشذبونه
كشرفةٍ فوّاحة تُعطِّرُ شراييني الصباحية .
والثورةُ ؟
إنها سلسلةُ أثداءٍ تزقُّني أقواسَ قزحٍ
فتعطش أنساغُ سلاسلَ وقيودٍ
ونتباسمُ كما تشاء الأشياء
وكما يتخاطر وطنٌ مُقيلاً أنيابَ أصابعهِ مشفوعاً بنوبةَ أطفالٍ وتصاوير
وأنتَ أيها الجُرَذُ الوديع بنظراته الخائفة
لكَ أمنحُ نعمتي غيرَ منقوصةٍ , شرائحَ جِبنٍ صغيرة ودموعاً كبيرة فامنحْني نعمةَ النظر إليك ومَجدَ صداقتك …
أودُّ أن أتمرأى في عينيك فالطاعونُ الحقُّ هو أن تزوغَ أعينُ الناس فلا تبصر عينيك الشهيدتين بقلق الأسرار وحِيطةِ الأنوار
لا تخشَ مني فلو كنتُ مُريباً
لَما اتّخذَ المساءُ من ذراعيَّ مدارجَ للفواخت العائدة
ولَما أخرَجَتِ القنافذُ أنوفَها وتشمَّمَتِ
مساماتي وهي تتساكب على مسرح العشب …
وأنتِ أيتها المدينة ها أنا أُسِنُّ نكهة نسائك بشرائعَ نارنجيةِ الشُّعَل
وأوقظُ أحلامَ أنوثةٍ لتتقافز كدروبِ أيائل …. ومن خلفكِ قيثارٌ يغرفني
ثم يبدِّدني فتتلاحق أذيالُ عشتارَ أنفاساً
لترسلني واسعاً مستبشراً كضبابٍ يَغنمُ غصوناً ومحاريث
حيثُ المغيبُ عُرْفُ هُدهُدٍ برّيٍّ يَهدي ضياعَ ابتهالاتي
وأشيِّدُ أركان بيوتكِ بصدىً من حُليٍّ وبخور وثغاء قصائدَ
وبالريح الصابرة على رائحة الآثام كظَهرِ أتان
وأنتِ يا مَن أحبُّ وأستعين ,
أحضري لي بقايا سنواتي جواداً كي ألحقَ بظلالي … وكانت نهاياتٍ
وشغفاً أكيداً
وهي اليومَ شَعرٌ أشيبُ يتهاطل على ذقن البحر ,
وعلى سواحل قبَّعتي صفَّ ريشٍ وأُفنونَ دُوار
حتى أعودَ سادناً في محرابِ الغسق بضلوع من فحمِ الشتاء .
تكية
*-*
أرفعُ الآن مرساةَ جوعي
إلى معبدِ …ِ
باتَ خبزُ الدراويش خبزي ,
ومِسبحةٌ من دموعٍ
تبلُّ يدي …!
***
ويا جرحي المعصوبَ بشريطٍ كزقاقٍ من طيور الحُبِّ ,
أنظرْ إلى عين الشمس تلمحْ فخامة العدم
أنظرْ إلى ضوئها المُسرع كساعات الهناءة
ألمْ يشغلْكَ اتِّساقُ كبواته ؟
ألمْ تُدِرْ رأسَكَ المفاتنُ أيها الفاتنُ ؟
فمنذ ألفٍ والفراشاتُ تنتظر رفيفاً لأجنحتها المتوقفة عن اللون ,
وملائكةُ الرحمة تشتبك مع بعضها بلا رحمة …
لأشدَّ الرحالَ ويشدَّني إلى مدنٍ أحسُّها عميقاً كمدادٍ ,
ويا صديقةَ الأقمار يا عاماً عارماً بالرباب وموجاً كلَوالب من شكٍّ زمرُّديٍّ
إنشئيني مجدداً لكي يتسكعَ أنينُ العالم على أرغفةٍ حارة
وكي أتسكعَ في قارّاتٍ تقع على مسافةِ قلمٍ من حنيني
واستلقي أنتِ حيث يتأملكِ المطرُ الليلي كحيلاً …
—
تشرين الأول – 2010
برلين