على ذمة فضائية الحرة وبالذات مراسلها في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) السيد جو ثابت، فقد تبين ما يلي:
– أقرت وزارة الدفاع الأمريكية بكون تلك الوثائق رسمية،
– إن الوثائق لم تُضف شيئاً جديداً عما هو معروف عن حرب أمريكا على العراق بضمنها أعمال التعذيب التي قامت بها القوات الأمريكية في سجن أبو غريب،
– إن تلك الوثائق تحمل تقارير ومعلومات أولية لم تُجرَ عليها عمليات التحليل والإستنتاج ولا تحمل أهمية ستراتيحية،
– إن الطريقة التي أخرجت فيها هذه الوثائق وطريقة نشرها تجعلها إنتقائية وغير صحيحة،
– أوضح المسئولون أنه رغم كون الوثائق رسمية إلا أنه ليس كل ما هو رسمي صحيح. أعطى أحد ضباط البنتاغون التوضيح التالي لبيان وجهة نظر الوزارة هذه:
تأتي لجهاز المخابرات كل يوم تقارير عديدة تحمل معلومات أو مشاهدات أو وجهات نظر كاتبيها. وفي اليوم أو الأيام التالية تصل تقارير قد تكون مناقضة للأولى من نفس الأشخاص أو غيرهم. فإذا أخذ الموقع الإلكتروني الذي نشر الوثائق أو غيره المعلومة الأولية الأولى وأغفل الثانية أو أغفل التحليل والإستنتاج النهائيين يكون بذلك قد أوصل فكرة خاطئة للمتلقي. وهذا ما حدث بالنسبة للوثائق المنشورة.
من جانبي، وبناءاً على ما أَوْجَزِتْهُ المصادرُ الإعلامية المختلفة لتلك الوثائق، أستطيع أن أدرج بعض المعلومات التي تشير إلى الصورة الخاطئة عن الجانب العراقي التي أوصلتها تلك الوثائق المنشورة للجمهورالمتلقي بسبب إنتقائيتها:
أولاً: أتفق مع ما طرحه المتحدث بإسم إئتلاف الوسط وجبهة التوافق الدكتور سليم الجبوري من أن تلك الوثائق نُشرت أساساً لتصفية حسابات داخل الولايات المتحدة الأمريكية وهي على أبواب الإنتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي. بناءاً على هذا، أعتقد أن ناشري الوثائق لم يكونوا معنيين كثيراً بالتمييز بين القاتل والمقتول من العراقيين، (إلا في جزئية مقصودة وجهت إتهاماً لرئيس الوزراء العراقي وهو موضوع سأناقشه لاحقاً). فالمهم، لديهم، بيانُ للرأي العام الأمريكي والعالمي أن الحرب قد أوقعت (109) آلاف من القتلى العراقيين بغض النظرعمن يكونون. لكن الفرز وتوضيح الموقف من الحرب مهم جداً للعراقيين. فقد ولَّدت التقارير، التي أوردتها وسائل الإعلام عن الوثائق، إنطباعاً لدى القارئ أو السامع، خاصة من غيرالعارفين بالأوضاع الملموسة في العراق، بأن جميع أو معظم أل (109) ألف قتيل هم من المتمردين الإرهابيين، تكفيريين وطغمويين، الذين تسبغ عليهم الوثائق صفة “المقاومين” بسبب إنتقائيتها، وهم الذين مورست ضدهم أعمال التعذيب التي كانت “تقوم بها فرق التعذيب الخاصة التي كان يقودها رئيس الوزراء” السيد نوري المالكي. بالطبع هذه صورة خاطئة تماماً بل سخيفة. فالغالبية العظمى من القتلى هم شهداء من أبناء الشعب بجميع طوائفهم وأديانهم وقومياتهم وفي بغداد أساساً وجميع أنحاء العراق تقريباً بالدرجة الثانية، جرى قتلهم بشتى وسائل القتل الجماعي الإرهابية في الأسواق والشوارع ومحطات النقل العام وأماكن تجمع العمال وفي المقاهي والجوامع والحسينيات والكنائس وزوار العتبات المقدسة ومجالس العزاء والجامعات والمدارس والمقرات الرسمية وغيرها.
ثانياً: أشارت الوثائق إلى قيام إيران بتدريب وتسليح الميليشيات الشيعية ومن بينها جيش المهدي. يترك هذا الكلام لدى القارئ أو السامع، الذي إرتسمت في ذهنه سلفاً الصورة الخاطئة والمعكوسة المبينة في الفقرة السابقة، إنطباعاً بأن إيران والميليشيات الشيعية التي دعمتها كانت مندفعة لقتل السنة وأن معظم الضحايا المذكورعددهم أعلاه هم من السنة. هذه صورة خاطئة أيضاً. لم تميز الوثائق بين السنة العرب وبين الإرهابيين، وربما هذا خطأ الوثائق الأمريكية نفسها التي تعكس النظرة الأمريكية أساسا، سواءاً كانت عن خطأ برئ أو تعمد خبيث وهو ما أعتقده أناً. كما إن الميليشيات الشيعية دربتها إيران لتواجه القوات الأمريكية أساساً ولحد هذا اليوم؛ وما دخولها في الإقتتال الداخلي إلا لفترة وجيزة عند ترك الأمريكيين الشيعة دون حماية فريسة للإرهابيين حتى بلغت ذروتها في تفجير مرقدي الإمامين العسكريين كما ستبين الوثائق أدناه. إن الجهد الإيراني قد دعم تنظيم القاعدة الذي جعل وما يزال من إبادة الشيعة هدفاً معلناً له. أدناه بعض الأدلة التي لابد وأنها قد إلتقطتها الإستخبارات الأمريكية ولكنها لم تظهر في الموقع الإنتقائي ما أدى إلى إختلال التوازن وبروز الصورغير الأمينة للواقع:
– حسب صحيفة “صوت العراق” بتاريخ 13/4/2007، فقد أعلم العقيد فاضل مخلف الدليمي ، سكرتير مجلس إنقاذ الأنبار، صحيفة الحياة، بأن حملة أهالي الأنبار على “القاعدة” جاءت “بعد إكتشاف العلاقات السرية بين القاعدة وبين القوات الأمريكية من جهة والإستخبارات الإيرانية من جهة أخرى”.
– جاء في تقرير لصحيفة “صوت العراق” بتاريخ 18/6/2007 ما يلي “قالت صحيفة الحياة اللندنية إن أوس الخفاجي الذي يعتبر أحد أقرب مساعدي الزعيم الشيعي مقتدى الصدر قال إن إيران تحولت “إلى عمق ستراتيجي للقاعدة في العراق””.
– يُقال إن أحد كبار رجال الدين الإيرانيين صرح قائلاً بأن مقاتلة الأمريكيين مهم جداً حتى ولو قضى دونه نصف الشعب العراقي!!!
– بتاريخ 29/5/2007 نشرت صحيفة “صوت العراق” تقريرا صادرا عن “نهرين نت” أشار إلى “صمت قاتل من السلطات الأمنية وفي ظل تواطئ مفضوح من القوات الأمريكية”؛ وذلك تعقيبا على جريمة قطع رؤوس 10 نساء شيعيات مع سائق الحافلة التي كانت تقلهن والمتجهة من هبهب إلى قضاء الدجيل.
– نقل موقع راديو لندن العربي (بي.بي.سي.) الإلكتروني عن إحدى أمهات الصحف البريطانية يوم 20/3/2005 ما يلي: (إن رجال الأمن العراقي قد عانوا من اتفاق بين القوات الأمريكية والإرهابيين حيث يتم إطلاق سراحهم مقابل الوشاية بزملائهم).
– في عام 2003 نشرت إحدى الصحف العراقية تقريراً من البصرة يقول إن بعضاً من أهالي البصرة يلقون القبض على جلاوزة للنظام البعثي الطغموي متورطين بأعمال إجرامية جديدة. غير أن القوات البريطانية كانت تطلق سراحهم. وقد شجع هذا أولئك المجرمين على الملاحقة والإنتقام.
– ورد في إحدى الوثائق، التي نشرها موقع “ويكيليكس” الآن، أن إحدى طائرات الهليكوبترالبريطانية كانت على وشك أن تلقي القبض على أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق وصاحب سياسة قطع الرؤوس وإبادة الشيعة “الرافضة” وتأجيج حرب أهلية بين السنة والشيعة حسب رسالته إلى الشخص الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري والتي إعترضتها الإستخبارات الأمريكية في العراق. غير أن الطائرة عادت أدراجها بسبب “نقص الوقود” وبقي الموقع بلا مراقبة لمدة نصف ساعة قبل أن تصل قوة عسكرية أخرى لتجد المكان خاوياً.
هذه الحادثة تذكرني بالتصريح الذي أدلى به مسئول جهاز الإستخبارات في الإتحاد الوطني الكردستاني (أمينه العام الرئيس جلال الطالباني) عام 2004 ؛ إذ قال: ليس صعباً أبداً إلقاء القبض على الزرقاوي. طالما حددنا مكان تواجده غير أنه يغادر المكان على عجل حال إبلاغنا المعلومة للجانب الأمريكي!!!
كنتُ قد أشرتُ إلى هذا التواطؤ عدة مرات في سلسلة مقالات نشرتُها في صحيفة صوت العراق الإلكترونية خلال عامي 2006 و2007.
مواقف متباينة للعراقيين:
في 23/10/2010، دعى المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء أجهزة الدولة العراقية إلى الإستفادة من المعلومات الواردة في الوثائق عن الإعترافات التي تشير إلى مقتل عراقيين على أيدي القوات الأمريكية أو شركات الحماية وذلك للحصول على حقوقهم القانونية. وبالفعل تم تشكيل لجنة قضائية عليا برئاسة وزير العدل لمتابعة هذا الموضوع، حسب تصريح الناطق الرسمي السيد على الدباغ بتأريخ 24/10/2010. كما نفى المكتب جملة وتفصيلاً ما ورد عن تورط رئيس الوزراء السيد نوري المالكي في أية أعمال تعذيب أو قتل. وقد تحدى المكتب الموقع الإلكتروني (ويكيليكس) أن يبرز دليلاً واحداً على ما إدعاه من وجود فرق خاصة غير الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية.
كما نفى وزير النفط الدكتور حسين الشهرستاني وجود أية أجهزة سرية قامت بإلقاء القبض على أي متهم إلا بمذكرات قضائية حتى لو كان من “أشد عتاة مجرمي القاعدة”. وبهذا الإتجاه أفاد ممثلو وزارة حقوق الإنسان والأجهزة القضائية ووزارتي الدفاع والداخلية وبعض منظمات المجتمع المدني . قالت وزارة حقوق الإنسان أنها لم تُفاجأ بعدد القتلى حيث أن العدد المسجل لديها هو (100) ألف قتيل بينما أشارت الوثائق إلى (109) ألف وهو عدد مقارب. بينت الوزارة أنها رصدت حالات حصول تعذيب لكنها لم ترقَ إلى مستوى الفعل المنهجي المنظم.
وقالت وزيرة حقوق الإنسان السيدة وجدان سالم (في فضائية الحرة بتأريخ 24/10/2010) بأن وزارتها قد حققت في عدد من التهم الواردة في الوثائق سابقاً ولم تكن هناك أدلة كافية؛ ووعدت بإجراء التحقيقات اللازمة في حالة ظهور إتهامات جديدة.
كان موقف المجلس الأعلى وممثله السيد جمعة العطواني يدعو إلى الرثاء. قال المجلس أنه لو صحت المعلومات فسيثبت ذلك رأيهم بالسيد المالكي!! كأنَّ المجلس لم يكن يقطن العراق ومشاركاً أساسياً في الحكومة ومعنياً بمواجهة الإرهاب وإنما يقطن في سيبيريا. أما السيد العطواني فأرعبنا بإئتلاف العراقية الذي، قال عنه، سيتشدد في مواقفه لأنه لديه ملاحظات بهذا الصدد حول المالكي وكأننا لسنا على إطلاع بمواقف ذلك الإئتلاف التي تدين المسيرة السياسية في العراق وتعتبرها هي المسئولة عن “إستفزاز أولئك الطيبين” الذين يسميهم المالكي “ظلماً وبهتاناً” بالإرهابيين الملطخة أياديهم بدماء الأبرياء، والمالكي يرفض المصالحة بالمعنى الذي يريده إئتلاف العراقية وهو وَضْعُ رقابِ الشعب العراقي تحت سيوف الإرهابيين. أما مجلس النواب والقضاء فهما مدانان أيضاً من قبل إئتلاف العراقية لأنهما نزعا الحصانة النيابية عن النائبين السابقين اللذين أدينا بالإرهاب وحكم عليهما بالإعدام وهما عبد الناصر الجنابي ومحمد الدايني الذي دبر قصف مجلس النواب نفسه ما أدى إلى إستشهاد أحد أعضاءه من جبهة التوافق؛ وكانت هناك طلبات قضائية أخرى لم تنفذ لرفع الحصانة عن السادة عدنان الدليمي وحسن ديكان والدكتورة تيسير المشهداني.
من هذا، وبلَوْعِة المكتوي بنار مكافحة الإرهاب بلا هوادة والباحث عن الإنتقام لدماء “المقاومين الشرفاء” المتخصصين بقتل العراقيين الأبرياء من أجل إسترجاع السلطة المفقودة وفرض المذهب الوهابي المتخلف، طالب المتحدث بإسم إئتلاف العراقية السيد محمد سلمان الطائي تنويهاً بإحالة السيد المالكي إلى محكمة الجنايات الدولية على غرار ميلوسوفيج الصربي وعمر البشير السوداني وكلاهما متهمان بجرائم ضد الإنسانية بحق الألبان وشعب دارفور المنكوب. إنه، السيد سلمان، رأى بأن ما أوردته الوثائق هو قليل من كثير، رغم أنه قد إستدرك وقال “يتطلب الأمر تحقيقاً من جهة محايدة”. لقد إعتبر السيد سلمان أن القضاء على عصابة من إرهابيين قتلوا ما يقرب من مائة ألف شهيد، “جريمة” قام بها المالكي توازي جريمة قتل وترويع شعب آمن بأكمله كشعب دارفور المسكين. هذه هي القيم “الوطنية” لمشروع إئتلاف العراقية “الوطني” فوق اللازم. إستفاد السيد سلمان من لخبطة الإنتقائية في عرض الوثائق وأراد أن يوهم مستمعيه في فضائية الحرة (23/10/2010) بأن الشهداء الذين فاق عددهم المائة ألف شهيد هم من الإرهابيين الذين لم ينقطع إئتلاف العراقية، وخاصة السيد طارق الهاشمي، عن الدفاع عنهم ليل نهار، وكأنَّ الشهداء ليسوا من أبناء الشعب الذي أعطى السيد نوري المالكي أعلى نسبة تصويت له شخصياً في إنتخابات 7/3/2010 لأنه كان بطل القضاء على الإرهاب في وجه سيل من المعارضين وأولهم الجنرال أديرنو الذي واجهه السيد المالكي بحزم لقبول “خطة فرض القانون” وسط مشادة تسربت إلى الصحافة العالمية التي سألت الجنرال عنها فأجاب: “لم نصل لحد الإشتباك بالأيدي”؛ ووسط هزء الدكتور أياد علاوي وتوقعه (أو تمنيه!!!) بفشل الخطة!!.
أما السيد جواد البولاني وزير الداخلية، فكعادته يتصيد في الماء العكر. لقد صرح تصريحات غامضة تؤكد ما قاله له صحفي أمريكي قابله قبل ما يقرب من ثلاث سنوات: “إن كلامك هو كلام سياسي وليس كلام شرطي”. ولكن الأحداث اللاحقة أظهرت أنه حصد أخيراً ما يمكن التعبير عنه ب “لا حِظَتْ بِرْجيلْهَ أُو لا خِذَتْ سيد علي!!”
أضحكني السيد عدنان الدنبوس أحد قياديي إئتلاف العراقية حيث أنه توقع (في فضائية الحرة) أن تؤثىر الإتهامات الواردة في الموقع الإلكتروني للسيد نوري المالكي على حظوظه في المنافسة على منصب رئاسة الوزارة. هو الآخر، أي السيد الدنبوس، كأنه لا يقطن العراق. لو سكن العراق لعلم أن أهل العراق يلومون المالكي على عدم إبداء مزيد من الشدة بحق الإرهابيين ومن يقف ورائهم، إذ ربما كان في الشدة، لو مورست، إنقاذٌ لأرواح الألوف من الأبرياء. والعراقيون يقدسون حقوق الإنسان (على الأقل نظرياً) ولكنهم واقعيون أيضاً إكتووا بنيران غدر الهمجية الطغموية. لذا فهم لا ينسون الخطأ الذي إقترفه الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم حينما أغفل صوت الشعب الذي أبلغه إياه الجواهري الكبير حين خاطبه في حشد جماهيري هادر قائلاً:
وضيّق الحبل وأشدد من خناقهمو …….. فربما كان في إرخاءه ضرر
أتوقع أن يبرز لنا بعض الطيبين في منظمات المجتمع المدني الذين يغفلون حقيقة أن الجميع يدين التعذيب علناً ولكنه، الجميع، يمارسه على أوسع نطاق سرّاً وفي معظم حالاته ضد الأبرياء، والجميع تقريباً ليس مصاباً بإرهاب أسود كإرهاب العراق. آمل ألا يتسرع ذلك البعض وألا يندفع فوق اللازم، لحد الوهم والهوس، في الدفاع عن حقوق الإنسان كذلك السيد الذي أبلغ مستمعيه، في فضائية الحرة / برنامج بالعراقي / عند بحث تقرير منظمة العفو الدولية (آمنيستي إنترناشنال) قبل شهرين تقريباً، بإمتعاضه الشديد من ذلك الضابط الذي خرق حقوق الإنسان حينما أبلغه بأنه صفع الإرهابي المتهم بعد أن إعترف له بأنه قتل عشرين بريئاً فقط…. لا غير!.
دعى السيد أد ميلكرت ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق إلى فتح باب الحوار والنقاش واسعاً لتعزيز وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في المجتمع العراقي بعد أن قُصم ظهر الإرهاب على يد قوى الأمن والجيش والشرطة الوطنية.
أتوقع أن نسمع آراء تطرح في وسائل الإعلام العربية وربما العالمية وفي فضائية “الجزيرة” القطرية وصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية بالذات، من فرط تمسك حاكم قطر وملك السعودية بحقوق الإنسان، سنسمع آراء من قبيل: هل يبرر التخلص من صدام فقدان هذا العدد الهائل من الضحايا؟ ألم يكن الوضع العراقي أيام صدام مشابهاً للنظم العربية الأخرى؟
هذه مغالطات. فالنظام البعثي الطغموي* أقدَمِ على جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والطائفي** وإقتراف جرائم ضد الإنسانية ونشر ما وصل عددها لحد الآن إلى أكثر من (400) مقبرة جماعية. كانت بعض نتائج هذه الجرائم قتل (182) ألف شهيد كردي عراقي في حملة الأنفال إضافة إلى خمسة آلاف برئ قتلوا خلال ساعات قليلة في مدينة حلبجة الكردية العراقية بالسلاح الكيميائي المحرم دولياً، كما قتل النظام أكثر من ربع مليون شهيد بريئ عند قمع إنتفاضة ربيع عام 1991 الشعبانية عقب تحرير الكويت من قبل القوات الدولية. هذه بعض جرائم النظام التي لا تعد ولا تحصى.
إن للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وكرامته ثمنها الباهض، علماً أن النظام البعثي الطغموي قد حصَّن نفسه بمال النفظ المسروق من الشعب العراقي وبالإجرام الذي قلَّ نظيره وما عاد قادراً على الإطاحة به سوى الله أو أمريكا التي حررت العراق بدوافع خاصة بها، وحسناً فعلت.
أخيراً: كثرت محاولات إستهداف رئيس الوزراء السيد نوري المالكي شخصياً. وبكل أمانة وتجرد ومن منطلق الحرص على المسيرة الديمقراطية في العراق التي لم تخرج من دائرة الخطر لحد الآن، تابعتُ ولاحقتُ عبر وسائل الإعلام كثيراً من الإتهامات الموجهة للحكومة ورئيسها بالذات ولم أرَ من مبررات حقيقية أو مصداقية لكل تلك الإستهدافات الداخلية والخارجية سوى أنه والإئتلاف والحزب اللذين يقودهما حريصون على إستقلال العراق وضمان إستقراره وتوفير الأمن والخدمات للجماهيرومحاربة الفساد، المستشري منذ العهد البعثي الطغموي وزاده الأمريكيون وظروف الإرهاب شدة وإتساعاً، وإستكمال بناء المؤسسات الديمقراطية ودفع عجلة الإنماء الإقتصادي التي بدونها لا يمكن الأمل بأي تقدم.
إن جميع هذه المفردات وبالأخص النهج الديمقراطي وضمان حقوق الإنسان والحرية والفيدرالية وقانون المحافظات لا تروق لجميع الدول المجاورة تقريباً، وأبعد، ما يدفعها للتدخل في الشئون الداخلية العراقية مباشرة أو عبر “حلفائها” لعرقلةالمسيرة تمهيداً لوأدها كما حصل في 8 شباط الأسود عام 1963 الأمر الذي يجعلهم في مواجهة مع المالكي وجماهيره. أعتقد أن الإستهداف ومحاولات النيل منه هي جزء من مظاهر ذلك التبرم وتلك الجهود الخبيثة. ولا أستبعد أن تكون وراء هذه الحملة الجديدة نفس ملايين الدولارات النفطية التي كانت وراء محاولة “الإنقلاب الأبيض” والتلاعب في نتائج الإنتخابات البرلمانية التي قال رئيس الوزراء بصددها “إنهم يعرفون جيداً أن إستحقاق إئتلاف دولة القانون كان (104) مقعداً”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ**والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكامالقبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والجرائم ضد الإنسانية كإستخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة الكردستانية والأهوار. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كماإنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.
**الطائفية: للطائفية معنيان: أحدهما عقائدي وهي طائفية مشروعة إذ تبيح لائحة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة حق إعتناق أية ديانة وأي مذهب ومعتقد ديني أو سياسي أو إيديولوجي شريطة ألا يدعو إلى الكراهية والعنف والحرب. إن محاولة توحيد أصحاب المذاهب من الديانة الواحدة هو ضرب من الخيال. فالطريق الأسلم والحل الصحيح هو أن يحترم كلُ شخصٍ قوميةَ ودينَ ومذهبَ وفكرَ الآخر على ما هو عليه دون قمع أو إقصاء أو تهميش أو إكراه على التغيير القسري؛ ويتم كل ذلك في إطار الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات. أما الطائفية المقيتة والمدانة فهي الطائفية السياسية، بمعنى إضطهاد وإقصاء وتهميش طائفة على يد طائفة أخرى أو على يد سلطة طغموية لا تمت بصلة لأية طائفة. لو تعمقنا في موضوع الطائفية السياسية لوجدناها ترتبط بمصالح طبقية. والطائفي هو من يمارس الطائفية بهذا المعنى أو يؤيدها أو يدعو لها.طائفية السلطة الطغموية ضد الشيعة وغيرهم هي التي حصلت في العراق إبان العهد الملكي السعيدي والقومي العارفي والبعثي البكري- الصدامي؛ ولم يحصل إضطهاد طائفة لطائفة أخرى. وعلى يد تلك النظم الطغموية مورست العنصرية، أيضا، ضد الأكراد والتركمان والقوميات الأخرى، كما مورس إضطهاد الأحزاب الديمقراطية واليسارية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي بسبب أفكارها الديمقراطية والوطنية والتقدمية. وقد حوربت الأحزاب الدينية الديمقراطية بوحشية خاصة أثناء الحكم البعثي الطغموي. الحل الصحيح للقضاء على الطائفية السياسية يكمن بإعتماد الديمقراطية بكامل مواصفاتها اساساً لنظام الدولة وعدم حشر الدين في الشئون السياسية. لا نجد اليوم في الدستور العراقي والقوانين ما ينحو بإتجاه الطائفية. وحتى برامج الأحزاب الدينية لا تحتوي على هكذا إتجاهات. وهو أمر يدعو إلى التفاؤل والتشجيع، آخذين بنظر الإعتبار ضرورة التمييز بين ما هو شأن سياسي وما هو شأن ثقافي تراثي شعبي قابل للتطوير في أشكاله الطقوسية.