النص :
صُـبِّي عـلى شَـفةِ الأحـلامِ مـنْ أرقـي
وسَـافري فـي لـهيبِ القَلبِ واحترقي
وغـرِّدي فَـوقَ غُـصنِ الـشَّوقِ يا أَمَلي
أُنــشـودةَ الـحـبِّ زُفِّـيـها إلــى الأُفــقِ
نَـدِّي رَحـيقَ الـهوَى فـي الـقَلبِ أُغنيةً
وَعَـانـقـي نَـسَـمـاتِ الــرُّوحِ وائـتَـلِقي
أَلـيـسَ يَـكـفيكِ أَنَّ الـقَلبَ مَـا بَـرِحَتْ
شُـجُـونُه تَـرتَـوي مِــنْ مَـنـبعِ الـقَـلَقِ؟
تَـزاحـمتْ لُـغـةُ الأَشـواقِ فـي شَـفَتي
وَبـاتَ عِشقُ صَبايا الرَّوضِ مِنْ خُلُقي
أَتـيـتُ أَبـحـثُ عَــنْ حُـسـنٍ أَهـيمُ بـهِ
وَمــا يُـتـرجِمُ أَتـعـابي سِــوَى عَـرَقـي
أَتــيـتُ أَركـــضُ وَالأوهـــامُ تـجـلِدُني
وَأَســتَــدلُّ عَــلـى الأحْــبـابِ بـالـعَـبقِ
مَـا زِلـتُ أَتـبعُ حَـرفي في المدارِ وَقدْ
تَـاهتْ مَـسَافةُ بَوحِي وَالْتَوَتْ طُرُقي
أَهــيـمُ لَـكـنّـني فـــي الــنُّـورِ مُـؤتـلـقٌ
وَأسـتَـنيرُ ولـكـنْ فــي دُجــى الـغَسَقِ
أُطَــاردُ الـشَّـوقَ فـي قَـلبي وَيـلحَقُني
وَأصْـطَـلـي مِـنـهُ حَـتَّـى آخــرِ الـرَّمـقِ
مُـــدّي يَـديـكِ إلــى لـيـلي وَلا تَــرِدي
إِلا وَقَـــد صُــغْـتِ أَنــواراً مِــن الـفَـلَقِ
صـوغِي فُؤادِي كَما تَبغينَ وَاحْترِسِي
أَنْ تُـسْـلِـمِـيهِ إلــــى دُوَّامــــةِ الــغَـرَقِ
هَــوَاكِ تَـسـكُنُ فـي الأَحـشَاءِ حُـرقتُه
تـمَازَجي فـي دَمي وَاستلهِمِي حُرَقي
وَإِنْ تَـعـثَّرْتِ فــي نَـبْـضِي فَــلا تَـهِني
تَـعَـلّـقِي بــجِـدَارِ الـقَـلـبِ وَاخْـتَـرِقِـي
أَهـواكِ لَـولا جُـنونُ الحبِّ مَا انتشَرتْ
نَسَائمُ العِشقِ في رُوحِي وَفي نَسَقِي
إِنْ كُـنتِ عَـن تَـمتماتِ الـحُبِّ عَـاجزةً
فـاسْـتخدِمي لُـغَةَ الـعَينينِ وَاخـتلقي
يَا وَاحةَ الحُسنِ هذِي أَحْرُفي نُسجَتْ
مِــن الـوَريـدِ وَلَـو كَـانتْ عَـلَى الـوَرَقِ
الــحـبُّ لـيـسَ حُـرُوفـاً صَـاغَـها قَـلـمٌ
أوْ لَـوثَـةً مِـن جُـنُونِ الـطَّيشِ والـنَّزَقِ
الـــحــبُّ خَــفــقـةُ أَشـــجَــانٍ وَأورِدَةٍ
كَـالـغَـيمِ يَـبـعـثُ تَـبـشِيراً مِــن الأَلَــقِ
يَــا وَاحــةَ الـحُـسنِ كَــمْ لَـيلٍ أُجَـالِدُه
تَـأتـي بِــهِ نَـحـوَ قَـلبي حُـمْرةُ الـشَّفَقِ
عَـجـبْتُ لِـلـقَلبِ يَـحـوِي كُــلَّ عَـاطِفَةٍ
وَلَــمْ يَـكُـنْ غَـيـرَ أَمْـشَـاجٍ مِــن الـعَلَقِ
القراءة :
عَجبْتُ لِلقَلبِ يَحوِي كُلَّ عَاطِفَةٍ
وَلَمْ يَكُنْ غَيرَ أَمْشَاجٍ مِن العَلَقِ
سأبدأ من الأخير لهذا البيت وقع خاص من بين أبيات القصيدة ، فهو يعلق في الذهن ويستقرفي الذاكرة لا لأنه توقيع ألفناه للشاعر ، بل لانطوائه على فلسفة بليغة تسترعي التأمل فمستودع عواطفنا المضطرمة المتأججة ضعيف هزيل لايعدو أن يكون أمشاجا من العلق ندفن فيها ماتنوء بحمله ، حق لنا أن نعجب منه ونعجب بمقولة الشاعر!!
وبربط البيت ببناءالقصيدة يبدو تعجبا منطقيالامجرد فلسفة فبعد تموجات عاطفية استكنت في فؤاد الشاعر يأتي البيت قفلة معنوية لإنهاء ذبذبات الشعور.
وعن النص أضيف هذه السطور:
عنصرالحركة في اللغة عزز العاطفة المشبوبة المصطلية بالشوق وضنى الحب واللوعة واللهفة ، فالمفردات ذت دلالة على الحركة والتغير ولنتأمل دلالة : سافري صبي ،عانقي ، أركض ، أطارد .. إلخ .
ولانغفل كثافة الجمل الفعلية ، وإيثار التعبير بالفعل المضارع مسندا لضمير المتكلم فالشاعر هو الباعث والمحرك للعاطفة في النص والمنتج للشعور.
والنص متخم برقة الشعور ورهافة الحس ،ولاأجد أجمل تمثيل عليها سوى تلك اللوعة والفناء في المحبوب في هذه الأبيات :
هَوَاكِ تَسكُنُ في الأَحشَاءِ حُرقتُه
تمَازَجي في دَمي وَاستلهِمِي حُرَقي
وَإِنْ تَعثَّرْتِ في نَبْضِي فَلا تـَهِني
تَعَلّقِي بجِدَارِ القَلبِ وَاخْتَرِقِي
تعبير نملك حياله الصمت !
ويطيب لي أن أختم النص بوقفة عند قول الشاعر ( ياباحة الحسن ) حقيقة ارتبك علي المعنى هل المحبوبة هنا هي باحة الحسن على سبيل المجاز أم أن اللفظة حقيقة لاتتضمن مجازا ؟؟!! ، والخطاب هنا التفات إلى مدينته الأثيرة الباحة ونداء لها كنوع من الإفضاء والبوح لها عما في الوجدان !! ؟؟
إن كانت هي الباحة / المكان (وهو ماأميل إليه) فهذا يفسر إلحاح الشاعر على المزج بين الهوى العذري وعشق المدن ممثلا في الباحة الحسناء ،وكأن الباحة
والمحبوبة مخلوقا واحدا الهوى فيهما كلمة واحدة لاتتجزأ هي لغة العشق ، وإن كانت باحة الحسن نداء للمحبوبة فهو جمال آخرفي إطارالصورة الفنية
لابد أن نخدش الجمال بخربشة !! وأن نعيب في الورد حمرته في قول الشاعر صالح الهنيدي
أَتيتُ أَبحثُ عَنْ حُسنٍ أَهيمُ بهِ
وَما يُترجِمُ أَتعابي سِوَى عَرَقي
جمع تعب على أتعاب لم أسمع به من قبل ، يظهر لي ـ والله أعلم ـ أنه عدول عن الصياغة الصرفية الصحيحة لإقامة الوزن ، فضلا عن ارتباط الكلمة بلغة الحياة اليومية فهي كلمة من قاموس المحامين معناها أجرة نظير عملهم !!
استمتعت بهذا النص ، وسررت بعاطفته العذبة ، ونفحة الهوى العذري فبرغم غياب الصورة الحسية للمرأة ، تسامت اللغة إلى عشق الروح.