كنّا نظنّكَ آخِر الدّنيا
وبعدَك يبدأ المجهولُ
غيلانٌ ، أسودٌ ، همسُ أشباحٍ
ومن يعبرْ نخيلَكَ موهناً ،
لا بدّ ، تخطفْهُ السّعالي ،
في الصّباحِ نجُسّ مغتبطينَ جذعَ النّخلِ
لا قدمٌ لسَعلاةٍ ،
تطيرُ فواختٌ ،
أمٌّ تصيحُ ،
قناطرُ الماشينَ يجرُفُها صعودُ المدِّ
يصعدُ جدّنا عندَ الضّحى الملساءَ ،
تلك النّخلةَ الملساءَ، هُزَّ عذوقَها
هي هَزّة أو هَزّتانِ ، تساقطتْ رُطباً ،
تساقطنا نُثاراً بعدَ ذاك الصيفِ ،
والبستانُ يعبرُنا إلى موتٍ ،
ونعبره ، إلى المجهول ، لا ندري ،
حدودُ الأرض تُوصَدُ في نهايته
وكان الحتفُ منتظراً خطانا
لو تجرّأ بعضُنا أن يعبرَ البستانْ
هي من طينةِ القرى
وإليها حنينُها
جَرّةٌ قد تفتتْ
للقرى عادَ طينُها
منذ عبرْنا البستانْ
كان الحدّ الفاصلَ
بين حدود الدنيا
وحدود الفرح الراكضِ
في أقدام الصبيانْ
عائلةُ البستانِ تشظّتْ
في الطّرق الموبوءةِ والوديانْ
والنخلُ تناثرَ أشلاءً ،
شاخ الصِّبيَةُ ، والتفّتْ
بإزار الدمعِ النسوانْ
غاب الناعورُ عن الشطِّ
وعاثتْ بالتمر الغربانْ
عائلةالبستان اليومَ
بلا وجهٍ أو عنوانْ
هي من طينةِ القرى
وإليها حنينُها
جَرّةٌ قد تفتتْ
للقرى عادَ طينُها
مثلَ زُجاجِ آخِرِ الحاناتِ
في آخِرِ ليلٍ حينما يشتبكُ السّكارى
والمهرّجاتُ يخلعنَ وجوهَ الليلِ والأصباغَ،
قد تناثرتْ في يدِكَ الأيامْ
وقبلَ أن تكرعَ من آخِرِ كأسٍ ، قبلَ أن تنامْ ،
في حضنِها بغيرِ ميعادٍ مع الصّباحِ ،
قبلَ أن تهبطَ في بوّابةِ الظّلامْ
آخِ رمالَ الدّربِ ، آخِ النّملَ والهَوَامْ …
هي من طينةِ القُرى
وإليها حنينُها
جَرّةٌ قد تفتتْ
للقُرى عادَ طينُها