الجسد أصابه الذهول، والعقل برح مكانه، ليشتغل اللاشعور، وانهالت الخواطر والأفكار دفعة واحدة، وسرحت بي إلى حيث لا أنا.
قبالتي تقف حشرة صغيرة، لونها الأسود، وشكلها الذي ركب في أحسن صورة، يقولون أنها تحمل خمسين مرة وزنها، أثار عيناي الاستمتاع بالنظر إليها، لعلي اتي بلبس يجليني عما فيه، ويدخلين في زمرة المتأملين، ويكسر جدار الصمت الذي أحاطني من كل جانب، وألقى بقضبانه أمامي، وسجنني،قرأت الكثير، تأملت وكللت، ضحكت وبكيت، وعدت إلى رشدي مع هذه النملة،كيف لا وهي من أرشدت هولاكو إلى عدم اليأس بعد أن راها تحمل اكثر من وزنها، تصعد إلى فوق وتسقط وتعاود كم من مرة حتى نجحت في الصعود.
لعل النملة في هذه اللحظة بالذات، ان تعطيني درسا، أو أنها أوقعتني في امتحان، وعند الامتحان يعز المرء او يهان.
وقفت قبالتي كما قلت لكم سابقا، لا تحرك ساكنا لبرهة، أو لفترة طويلة، انتهت المدة التي ربما وهبتها لي من زمنها، ثم انسحبت إلى وجهتها، وبعد هنيهة عادت لتواجهني هذه المرة وفي ثناياها عتاب موجه لي، وكأنها تقول:
-الحق بي لترى عجبا.
استصغرت الأمر، بعد ما عاد عقلي، أو لا شعوري، لا أميز بين الجنون والذكاء، ولن يعد يهم في أيامنا هاته الا العظمة جنونا.
فاجأني الصوت هذه المرة، هلم الينا، تغير فكرك،وجنونك، فالحياة تجارب، صارت بي .
لكلمتك جسدي وتبعت النملة إلى حيث سكنت، وقفت في الباب، فادت بقولها:
– انكنش شيئا ما ، لأنه لايوجد بيننا المتكبر.
وهل تكبرت حين تبعتك؟
ألم تعرف أن سليمان، وقف هو وجنوده،مبتسما معبرا، عن دهشته منا كشعب؟.
اذن فلتتواضع،وادخل معنا جحرنا، ولو لثواني، لترى الآيات المجلوة، طالما أنك نسيت الآيات المتلوة.
– أدخلت أضلعي في بعضها،وتبعتها إلى حيث انتهى بنا السكن.
لا تكلف ولاتصنع، قرأت النملة مافي خاطري، واجابتني:ماذا حل بك؟
– لاشيء.
– كن من حاجة قضيناها بتركها، واسترسلت:
– لضيق المكان ومخافة ان تفرط علينل، سترى أشياء تغنيك عن نرجسيتك وانانيتك، وبدأ الامتحان، والحوارات تتوالى:
اطعمي اختك،لاتسرفي لكل نصيبه.
اوامرك طاعة.
لم يكن هناك السيوف لا عتاب، ولاسباب،ولادخان بنادق،ولافقر ولاغنى،الكل متساوي، الكل يجري إلى مستقر له، وحان وقت النوم،فخاطبتني:
– الآن انتهى وقتك، اذهب الى عشيرتك، وبلغها ماشاهدت، ولاتنس أن تتنازل أيها الانسان عن كبريائك، والأهم من جبروتك، لعلك تهدى، وان لم تعتبر تشقى،كما هو حالك.
امتقع وجهي، وتهاوى شأني، الذي حسبته يوما عزا لايبلى، وخرجت من المسكن، مندحرا،مستسلما، وما ان بلغت الباب حتى أزمعت أمري، وانصرفت ماشيا، وتارة مهرولا، وعيني إلى الأرض، ابحث عن شيء ما.