قطعت الكتابة القصية العربية أشواطا كبيرة نحو التطور واثبات الذات ضمن السرود العالمية، فمن تقليد النماذج الغربية، إلى الاستقلالية في التعبير، والانتقال من الوصف التقليدي، الى التجريب الذي يعتبر في حد ذاته طموحا لتخريب الأساليب المتوارثة في الكتابة، واكتساب هوية ذات سمات مستقلة، كما عبر عن ذلك المرحوم محمد حافظ رجب ( نحن جيل بلا أساتذة) جيل خارج من فتنة حكايات الجدات والامهات والأسلاف، وعركته الحياة، وأناخت عليه بكل مكابداتها، يقول د. سيد شعبان حول تجربته الإبداعية: (منذ فترة تساءل كثيرون: من أين آتي بكل هذا الحكي؟
هذا سؤال إجابته تحتاج بوحا صادقا؛ كل إنسان منا لديه القدرة أن يناغم بمفرداته أو أن يعزف بنايه أو أن يضرب على أوتار عوده، في الحقل يتراقص النبات ، تهتز الأشجار، تلهو الحملان وراء أمهاتها، في النهر تتماوج الأسماك طربا
ظن بعض من أهلي أنني ألخص الكتب ومن ثم أكتب؛ نعم فما الأسد إلا خراف تغذوه
لست أدعي العبقرية أو التفرد؛ إنها محاولات لتوسعة رئة التنفس في ذاك العالم المطبق بثقله يحاصرني ليل نهار، ثمة هاتف ينبعث من داخلي؛ أن أمسك بقلمي، عالمي مملوء بحكايات الأجداد هؤلاء الذين هم ملح أرض الوطن؛ بالفأس والمحراث والثيران عزفوا لحنا أخضر فوق الثرى) [من أين أسرد]، ويفيد هذا التصريح بان الكتابة تحتاج الى معرفة واسعة، الى كتابة ما نفكر فيه، وما نشعر به عن طريق خلخلة اللغة وزلزلتها، واعطاء الاحداث بعدا غرائبيا ومنحى سورياليا، تتنوع خلالها الأمكنة، وتتماهى فيها الأزمنة، وتتداخل بشكل مكثف، مع استغلال كل أساليب التعبير الممكنة من الشعر، والشعار، والأسطورة، والبيان السياسي، والاحتجاج، المونولوغ، واللقطة السينمائية، والحدث التاريخي، وكل شيء.. وهذه إحدى سمات الكتابة القصصة عند د. سيد شعبان، (ثمة علاقة جدلية بين الفن والحياة؛ لاينفك أحدهما عن الآخر؛ وتأتي براعة السرد في قدرته على التعبير عن هذه العلاقة؛ كما تكون ريشة الفنان أو أي شكل من أنماط التعبير الإبداعي!
هذه العلاقة تحكمها قوانين وقواعد؛ غير أن براعة السارد في تجاوزه تلك الأطر فيما يدفع به نحو العجائبية؛ لا أكتمك أيها القاريء الكريم سرا أنني مولع بتلك الغرائب في سردي؛) [الوعي والسرد]
يتوفر د. سيد شعبان في رصيده الإبداعي على ست مجموعات قصصية، تعتبر مجموعة “حكاية زين” السادسة ضمن منجزه السردي الثري والمتنوع، وهو عنوان القصة الثانية، ضمن المجموعة التي تتكون من أربعين نص توزعت على مائة وتسعين صفحة، مستهلة بكلمة للأستاذ الدكتور عبد الكريم حسين يبين من خلالها تجنيس التجربة الابداعية عند د. سيد شعبان واصفا ايها كما يقول بـ(“الرواية القبضة” التي اكتشفتها في أغلب المسرود الإبداعي للدكتور سيد شعبان، وجعلتها قبالة القصة الومضة، واكتشفت نصا واحدا أسميته القصة القبصة، والرواية القبضة هي مقدار ورقة على الوجهين أو ورقة بوجه واحد، تهدف إلى أمور يقود إليها نسق الكلام
….
تتعدد الموضوعات، وربما قَلَّت الشخصيات، لكن تقنية المعالجة تومئ إلى
تحليل الشخصيات وتلمح إلى تفسير المواقف
تعدد الموضوعات في فضاء المكان أو فضاء الزمان أو مناوشة الحدث
الإدهاش بالقدرة على التكثيف والرمز، والحركة النفسية)ص[2]
وكلمتين للأستاذ ألدكتور أحمد السري – ص4، وأخرى للناقد اليمني عبدالرحمن الخضر – ص6، وتليهم كلمة المؤلف بعنوان “لعبة السرد” يشرح فيها فضيلة السرد، التي لا ينالها الا من اتقن الكتابة، فالحكي بدون تدوين يبقى (حكيا شفاهيا؛ فألف ليلة وليلة وقصص الشطار والعيارين والزير سالم والظاهر بيبرس وست الحسن والجمال وضم إليها مأثورات الأدب الشعبي مما يتناقله الناس في ليالي السمر أو تمضية الوقت من ملل بعيد عن السرد في إتقانه وحبكة صنعته.) – ص[13]، هذه المقالة المركزة البديعة تلقي الاضواء على لعبة السرد، وكيف يراها المبدع د. سيد شعبان زاعما أن كل ما تقع عليه العين او تلمسه اليد يمكن أن يتحول الى سرد، (ألم اقل لكم إنها أشياء صغيرة لكنها متجذرة كما النهر في بلادي) خبز امي، ص [136]، فالتحول هو سمة الحياة، وهو إكسير الابداع الذي يميزه عن السائد والمألوف، والحكي واحد من العناصر التي يحتاج لها الناس لايصال الأحداث، هذه الأحداث التي تنقسم بدورها ألى رئيسية ومركزية تدور عليها النصوص، وأحداث صغرى هامشية تطعم المتن القصصي، وتتولد عن الحكاية الام، مثل ما نجد في حكايات الف ليلة وليلة والنصوص الأكثر حداثة
تتألف المجموعة القصصية “حكاية زين” للدكتور سيد شعبان من أربعين عنوان يتفاوت بين المفرد والمركب، موزعة على مدى مائة وتسعين صفحة على الشكل التالي: الببغاء! ص 17 – حكاية الزين! ص 22 – سبعة أزواج ص 29 – بنت غجرية ص 33 – قلم من رصاص ص 37 – لعب في الجينات ص 40 – هي والطيب صالح! ص 44 – حكاية صابر ص 50 – على باب الله! ص 62 – الشهبانو 66 – زنابق الورد ص 71 – إلإسكافي في دسوق! ص 74 – الليالي الألف ص 77 – ورقة وقلم! ص 80 – ليل صنعاء ص 83 – محطة شيبون! ص 86 – بقرة غاندي الحمراء ص 90 – رغيف بالجبن! ص 96 – محبرة الجبرتي ص 99 – رضوى تحكي! ص102 – هافا ناجيلا ص107 – صحن فول! ص 111 – بالد نمنم ص 116 – هولوكست 119 – سيدنا عبد ربه التائه! ص 122 – المذيعة الحسناء ص 126 – ابن نطوطة! ص 130 – خبز أمي ص 134 – حارة الرمش ص 138 – الشمس مسروقة! ص141 – ابنة أبو قرن! ص 145 – الذي عاد ص 149 – حدث مرة ص 154 – الأحدب ص 158 – بنات جولدا ص 164 – ولي الله ص 168 – جاء متأخرا ص 173 – تعددت الأقاويل! ص 178 – جاء بالله! ص 181 – هند وأشياء أخرى! ص 185
يناوش السارد من خلال نصوصه السردية القصيرة التي تراوح في مجملها بين ثلاث صفحات عددا من الثيمات، أهمها
* التحول، المسخ، التغير والتطور من خلال ملامح المجتمع العربي الذي يتقهقر نحو الأسوأ، من خلال الخيانات، والتنكر للمبادئ، والعمالة (وضعت يدي في فمي لأتحسس لساني فما وجدته) هذا الفقد القسري يحيلنا على المذهب العبثي في الادب عند كافكا وكامي، حيث يتعرض المرء للقمع والاستلاب والضياع، والنهب، والتعذيب، وخاصة حينما يتحول الأمر من قطع اللسان، الى سرقة قطع العضو التناسلي، إنه قمة العقاب والعنف الجسدي والتدمير الروحي والنفسي، (هل سرق إبان الفوضى، يبدو أن امرأة جاءت مسرعة في ليلة سوداء، تركب سيارة سوداء؛ ترتدي نظارة سوداء؛ معها حقيبة سوداء، كل هذا السواد سهل لها أن تنزع سر حياتي؛ استدارت في سخرية؛ ثم قالت: الآن ما عاد منك نفع) ص[17]
الحلم والرؤيا: تتنوع طواهر الخيالات والوساوس والتهيؤات وتتردد عبر عدة نصوص
زنابق الورد: – (حلمت أنني أرتدي ثوبا تتماوج به سبعة ألوان كأنما هو قوس قزح) [71]
الإسكافي في دسوق: – (حين كنت ذلك الشاب الذي امتلأ قوة؛ اتسعت أحلامي) ص[74]
ليل صنعاء: (فنصيحة أبي بسيف وفأر في حلم ليلة صيف؛ ملكة وعرش وقصر
أغط في النوم وتهزأ بي بلقبس؛ كيف لحالم وقد فكت تكة سرواله أن يحلم بتلك التي يوما داعبت خيال نبي الله سليمان وقد رقم الجن وعزفوا له إيقاع الحرب.) ص[85]
(حاولت تتبع تلك الأحداث التي ترآت في منامي؛) ص [107] هافا ناجيلا
* اسماء الزهور والنباتات: الزنابق – الورد
* الالوان: قوس قزح – وكافة الألوان موظفة، اللون الأبيض للنقاء، والأسود للعبوس والشقاء والشؤم
* الأشخاص: الطيب صالح، الزين – ضو البيت – نزار – البردوني – غاندي – رضوى عاشور – أم هاشم – الشهيدة شيرين – الملكة بلقيس – النبي سليمان – الشهبانو – الإسكافي – سيدنا عبد ربه التائه – الجبرتي – ابن نطوطة – ابنة أبو قرن
* الأماكن: دسوق – صنعاء – بيروت – باب المغاربة – بلاد نمنم – حارة الرمش – الأحياء والحارات الشعبية،
* الطير والحيوان والزواحف : الببغاء – الحمام – الافاعي – الغربان – البوم – الكلاب – القطط – أفيال – الاسود – الفهود – لعنزة – البقرة – الوطواط – النوارس – العصافير
الاغتصاب – الصفات والعادات: النميمة – السرقة – الظلم – الابتزاز – القتل – الاغتيال – البتر الخيانة – التزوير – الإخصاء – العنة (حتى نزق الأنثى ما عاد يراوده.) هولوكوست
يستهل القاص المجموعة بقصة “الببغاء” على لسان المتكلم، الشاهد على الحدث، وبطريقة سوريالية مفعمة بالخيال والرمز، وضاجة بالكوابيس والرهبة، يتفقد بطل القصة لسانه فلا يجده، الدولة بكامل عدتها وعتادها القمعي والبيروقراطي تتجند لتسلب من المواطن لسانه، (وضعت بدي في فمي لأتحسس لساني فما وجدته) ص [17]، لقد اقتطع منه بطريقة وحشية وسادية، لمصادرة حقه في التعبير، (تعودت أن أتكلم كثيرا) ص[17]، فـ(السان الفتى نصف)ــه، وهو ترجمانه والمعبرعن مواقفه وشخصيته في بورصة القيم، حتى اننا نقول في منطق الانتخابات أدلى بصوته، هكذا تسعى اجهزة القمع الرسمية منع الكائن من حقه في الكلام والتعبير عن رأيه بأية وسيلة، لمنعه عن المطالبة بحقوقه المشروعة، بل لم يقف الأمر عند حدود هذا، بل تم بتر وقطع عضوه التناسلي للحد من نسله، والانظمة تحب الانسان الصامت الخنوع والقدري
– حكاية الزين
تتعالف قصة “حكاية الزين” مع سيرة زين الطيب صالح، بطريقة ميتاسردية،يتواتر فيها السرد من خلال السرد، حيث يعقد لقاء افتراضيا، يسافر بنا السارد ينا لملاقاة الزين بكامل هيأته وعفويته وغرامياته، ومغامراته، وصقاء سريرته، وتلقائيته، وإشهاره في زمن تعاظمت فيه وسائل الاشهال والدعاية وابتذلت، الزين الذي يعشق ويثوب بسرعة، يحب ويصد، يجترج حكايات العشق والوجد، والتنبؤات، والتهيؤات التي ما تفتأ ان تتحقق، أو يحتمل حدوثها، كما يخيل لمن حوله، وتجعلنا نحبه، ونشفق عليه، الزين العصي عن التصنيف، هل من الصالحين هو، أم من الأولياء والأبدال، أم من المجانين والمجاذيب، أم من العاشقين المولهين بالحكايات والغواية والغرام، خليط أمشاج اكتنزت فخلقت لنا شخصية بوهيمية، هي الزين، خزان من السخاء والرقة والعذوبة وخفة الظل، (أتصل بزين؛ أخبره أن عمرنا قد ضاع سدى، ما نفعتنا تلك الثرثرة على ضفة النيل، أعلم أنه صار شيخا معمما، لكن به بعض رمق من حكايات الصبا؛ من هؤلاء الذين يمتلكون الدعابة الحلوة؛ تغلفه الطيبة وتحركه البساطة في تعامله مع الآخرين، لا تجده غير مبتسم؛ يمتلك قلب طفل؛ لكنه يحلق بخيال شاعر؛ رغم أننا نعتاش الفقر ونتجرع مرارة الأيام.) صص [25 – 26]، يتلاشى خيال الزين يختفي يتتبعه الساردـ (فترة لم نلتق، أخبرني أنه يوما ما كان ينسج من الوهم الحكايات،لم تكن له فتاة ،كان يحسن السرد، ولأنني أضعت سنوات عمري وراء حكايات لم تكتمل؛ أكل حكايتك كانت خيالا؟) ص [27]، و(كانت خدرا) ص[27]
– سبعة ازواج
ما أقسى أن تتبرم الروح من جسد أخطأه الحظ، وزاغ عنه النصيب، أو هكذا يحاول القاص إخبارنا عن حال امرأة عاثرة الحظ،، ليست متصابية، لكن فاتها قطار اليقين، وتحاول أن تدركه، فنابت عنه بالخيال والتمنى والرجاء والدعاء، والنذور وحفلات الزار،(ارتدت ثوبها الضيق الذي يضج مما تحته ويشكو حظه العاثر يوم ابتلي بهذه المرأة.) ص [29]، وتركت لمخيالها حرية الاختيار بين رجال يائسين لا استطاعة لهم على الزواج، وآخرين يائسين لا يفكرون فيه
بنت غجرية
نص محمل بالحنين والتذكر والأسى والتيه والبعد والفقد، من خلال تمثل سيناريو مجيء الغجر، وتوصيف حياتهم المفعمة بالسحر والالوان والغرائب، (لقد جاء الغجر ، هذه مفردة كفيلة بأن تثير الغثيان، لنسائهن فتنة لا تقاوم، شعورهن الصفراء، ثيابهن بألواهنا الوردية. عندنا هلع منهن، إنهن ساحرات، يضربن الودع، يلاعبن الطوب والحجر، ولأنني مصاب بالعنة فقد تركوني أمشى خلفهن، ألبسوني جلبابا دون صدار، طاقية لعبت فيها الفئران! ص [35]، وهن إلى جانب سحرهن وجمالهن التلقائي يصلحن لحاجات ومآرب أخرى
– قلم من رصاص
في قصة “قلم من رصاص” تطالعنا سحنة رسام من وراء ركام من الأوراق، إنسان تقدم به السن وتقرحت أصابعه، وشاخ عظمه، وتقوس ظهره، لم يبع ضميره لكنه ظل مخلصا لمبدئه، وحيه من خلال اللوحة التي أبدع في تلوينها، والتي أنجزها منذ أمد بعيد، كانت امراة الصورة تحتفظ ببعض رونقها وحسنها لا تزال برغم انصرام الأيام والأعوام، (ابتسامتها التي لم تغادر شفتيها، الورود تزهو بثيابها، ليتها ظلت كما هي ليرسمها القلم!) ص[37]
لعب في الجينات
تنحو هذه القصة نحو العبثية، والعدم، أسئلة أنطولوجية يواجهها بطل القصة، عن اسمه واسم أبيه وهويته وعمله وسكنه، جملة أسئلة يجابه بها ولا يملك اجوبة لها في خضم الضياع والتشظي والاستلاب والألينة، وماذا ننتظر من كائن يحيا بلا هوية، ولا اهل ولا سكن (أجبت في تضرع: فقير يجوب بلاد الله، لا أعرف إلى أين، أبحث عن كسرة خبز؛ منذ أيام لا أتذكر أنني أكلت شيئا، رجني أكبرهما؛ حيث يمسك بهراوة غليظة أنت تكذب، يقال: إنك ماكر، تتواجد يف أكثر من
مكان في وقت واحد؛ تتحرك مثل ظل الشمس، من أبوك؟
ترددت في الإجابة؛ لم يسألني أحد هذا السؤال من قبل.) ص[40]
دزينة من الأسئة المحيرة التي لا أجوبة شافية ومقنعة لها في هذا العالم المليء بالاسرار، وارشاء الناس والكذب عليهم بعلب حلوى، ووعود فارغة.
هي والطيب صالح
في هذه القصة يستدعي القاص جدته المرحومة منذ امد طويل ، تسامره، تنصحه، وتحكي له في ما يشبه التداعيات سيرة العصر الحالي، بتنبؤات ورؤى وتوارد أفكار عن احوال العصر، عن التسيد الامريكي، وخراب العالم، وجنون الرؤساء، وأشياء أخرى، انها لذة الحكي، إنه الشغف بالطيب صالح ساحر البيان والسرد والحكي الشائق اللذيذ
حكاية صابر
صابر، شخص له من اسمه نصيب، يرمز للانسان الشعبي المراوح بين الاسطورة والواقع، بين الخيال والحقيقة، بين النسيان والتجاهل، صابر الاستثناء بين سكان الكفر، يقول السارد عنه (تجاهلته بعدما تراكم النسيان مثل طيات الثياب في خزانة الفقر التي احتوت أغراضنا، حتي إنك لا تجد في كتاباتي سطرا واحدا عنه في كفر المنسي أبو قتب ذلك الكفر المثقل بالحكايات يتسلى بها ويبيت وقد سلا الجوع وتدثر به من عري.) ص [50]، صابر، الغريب الذي يجمع في شخصيته، سمات من شخصية ضو البيت وغيرها من شخوص الطيب صالح، (ربما تتشابه الحكايات وتتوارد الخواطر إلا أن يكون صابر هو ضو البيت؟
كل ما أتذكره نتف الحكي المثقلة بركام الزمن، اختفى أثره، كلما مررت بكيمان السباخ ومنحنيات الشوارع أتذكره وقد علا صوته بالضجيج؛) صص [55 – 56]، تحلق هذه القصة المفعمة بغرائبيتها المفرطة في عالم التهيؤات والرؤى، بطل القصة يقع ضحية فقدان الذاكرة، ومن هذا العالم المتخيل يبدأ الشك، ومن العالم الآخر يبتدئ الحكي، وينتقل بالقارئ من فارس وكربلاء والقاهرة ومحطات عديدة، مضمخة بالبخور والاسطورة والحلم
زنابق الورد
الحلم ايضا مكسب في هذه الحياة، للهروب من ضغط الواقع، بعد ان صار عزيزا ونادرا، بسبب شح الخيال والمنع والمصادرة الحق في الحلم، الحلم انعكاس للأماني والتمني، (حلمت أنني أرتدي ثوبا تتماوج به سبعة ألوان كأنما هو قوس قزح يظهر بعد سقوط المطر فوق أشجار حديقتنا فتبدو لوحة جميلة بها غزلان وحملان وحمائم، غير أن غرابا يقف مترصدا لها فوق شجرة الكافور؛) ص [71]، هذا الحلم بالألوان الزاهية والمجسمات الجميلة لا تلبت أن تغزوها و تفسدها الكوابيس والغربان، والفئران، لكن بواسطة نصائح الوالد وحرص الوالدة لا تلبت ان تعود الاحلام لتدفئ ليالي الشتاء الطويلة، (هربت البومة العجوز إلى الكهف المهجور، ومن يومها والأحلام صارت تلازمني ليالي الشتاء.) ص ص[73]
الليالي الألف
تتناول هذه القصة أخبار هارون الرشيد وأمجاده، وكيف ـمه ملك الدنيا وساد العالم، ليعرج على سجل الخيبات العربية في ظل الحاضر البائس، والخذلان العربي وبيع الاراضي، والتطبيع المذل، والمؤامرات الخسيسة التي تحاك ضد القضية العربية
شيرين
تستعيد هذه القصة المؤلمة سخصية الصحفية الفلسطينية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، بمزيد من التأثر والروح العربية المفعمة بالكبرياء والعنفوان، والايمان العميق والصادق بعدالة القصية التي ناضلت من أجلها
ليل صنعاء
في هذه القصة يتخيل القاص الملكة بلقيس ملكة سبا بكل هيبتها ووقارها تتحول الى سبية في بلاط النبي سليمان، تقطن الكوخ وتدور حولها القطط وتحيط بها الكلا ب وتنعق في سمائها البومة، (بدأت أتوجس من ثيابها ومن لمة شفتيها، هذا زمن التسري بالإماء؛ أما أن تكون صاحبة اليمن تخترفي حجرة نائية من بيت حجري تحوطه
الكلاب وتموء حوله القطط وتهزأ به البومة العجوز فمحال أن ترضىبه) [85]
الذي عاد
تصور هذه القصة الوضع في العالم العربي، عن المؤامرات، حيث البطل ينتقل الى عالم الدازاين، فاقدا الوعي والادراك، فيرى نفسه يختال على جواد أصيل، يطوف في الحواري القاهرية، وفي كربلاء ودمشق، وصنعاء، وفي الامان والامن قبل أن تمتد اليه ايدي التطرف، والظلام فتفسد الحلم (تخذلني تلك الحناجر المدوية، غيلان على جانبي الطريق، تبتلع الأرض جوادي الذي فقد عروبته على مذبح العار يوم تراقصت سالومي في جوف البيت عارية، قاتل الله شيوخ الفتنة حيث كانوا أو خانوا) ص [163]
تتميز نصوص د. سيد شعبان بثرائها الفني، وتنوع الثيمات والمواضيع التي تتناولها، وتنفتح على عدة تقنيات كتابية، خاصة انها تستفيد من تقنية التناص، وفتنة الحكي في الف ليلة وليلة، وسورتي “أهل الكهف”، و”النمل”، وفي التراث العربي، والتأثر الكبير بالطيب صالح لا في طريقة اخلاصه لجذوره وموطنه، وانما بشخوصه وظروف معيشهم أيضا، فهو يستحضره في كل سروده، ويتبرك به كأنه ولي، بالقدر الذي يتيمن فيه بوالده جادو، وامه الطيبة التي أغنت مخزون حكيه بحكاياتها الأثيرة، كما تحفل نصوصه بالعديد من التقنيات السردية والفنية، والرموز التاريخية، والاسطورية، التي يغرف من معينها ويسنلهم ما تخفيه من سحر
يلجأ القاص د. سيد شعبان أيضا الى مواجهة الواقع المر بالحلم والتداعي، والابحار بنا عبر عالم الدازاين حيث يتسيد الخيال الوارف على النص، يوشيه بأطياف الساحرات والحيوانات والطيور والجن الاحمر، وبعشرات الأشباح، وكل اشكال الزواحف والطيور في قالب سردي شائق وبهيج، ولغة شاعرية مموسقة مازجة الواقع البائس بالخيال الجامح المحلق في أجواء السحر والسوريالية، والوساوس بالغرائز الليبدية، وأحلام اليقظة بالتصورات المجازية التي تأخذ شكل الحقيقة، والموضوعية بالسخرية والدعابة السوداء المحببة والخفيفة على الروح، حتى نتخيل أنفسنا معنيين بتلك الاشارات، متشوقين لمزيد من الدهشة والمتعة (والمدهش أن الحكاية التي تنتهي لا تنتهي ما دامت قابلة لأن تروى) رضوى عاشور، صيادو الذاكرة