النص :
خط أحمر .
.
يَرِنُّ جوّالي :
– بسام ..؟؟؟
– نعم أنا بسام يَمّا .
– اسمِعِت إنك استش .. هَدِت ..
– تشابُه أسماء .. أنا بخير .. حيٌّ أُرزَق يَمّا .
– يا حبيبي يَمّا .. الحمد لله رب العالمين .
تُعاوِدُ الإتصال :
– مُتأكِّد إنك بسام ..؟
– أنا اللي وضَّأتِك الصُبِح و بُسِت إيدِك و افطَرِت مَعِك فول يَمّا .
– صَحّ و الله .. يِرضى عَنَّك وِ يّفرِّج كَربَك .. حبيبي يَمّا .
و مازالت تُعاوِد الإتصال
و مازلتُ أُعاوِدُ طمأنتَها خوفاً على صِحَّتِها .
عندَ كلِّ إتصال كان المَلَكانِ يتنحَّيانِ جانِباً لِأُجيبَها
ثم يُعاوِدانِ مُساءلَتي .
.
( بسام الأشرم )
ء16 . 5 . 2018
—————
القراءة :
** توطئة :
الحوار هو رصد لظواهر سلوكية ووجدانية بين طرفين أو أكثر، وقد خص تشارلس مورغان في كتابه ( الكاتب وعالمه ) وظيفة البناء الحواري “كتقطير لا تقرير” وهو ما أضفى على النص الذي بين أيدينا صبغة السيناريو scenario بتنويع في المشهدية scenic.
** العتبات البنائية
– العنوان : خط أحمر red line
تعبير دلالي على القناة التواصلية الرابطة بمستوى معين من التوصيف كناية بتطور تصاعدي لأحداث غاية بالأهمية تقتضي السرية و الحميمية، وهو مدلول مستقى من الحقل السياسي ( للتعبير عن الكنال التواصلية المباشرة بين دولتين متصارعتين )، كما أن اللفظ قد اتخد أبعادا سيميائية أخرى تتناغم مع الوصف اللوني ( الاحمر ) لتربطه بالحميمية الإيروتيكية فيسقط بالمعنى القدحي على الاتصال الهاتفي ( الجنسي الساخن) .
فأي الوجهين من العملة يندرج النص ؟ ذلك ما يدفعنا الكاتب لصبر أغواره لمتابعة قراءته بتشويق وشغف.
– الفضاء الزمكاني :
ان عمق ارتباط الفضاء بالسرد يكتنفه الغموض واللبس، فالكاتب باعتماده تقنية الحوار كمورد وحيد وأوحد للسرد، يجعلنا نتيه و نتخيل لاستكشاف العلاقة الزمكانية، فعلى مايبدو أن الكاتب بذكائه المعهود قيد القارئ، و جعلنا نتواطأ معه بغية فك المرموز. وانا كقارئ أقحمت عنوة بشظايا النص سأكتفي بالمحاولة وأظن أن الفضاء الذي يقصده الكاتب لايمكن أن يبتعد عن ( البرزخ ) و البرزخ كما استفاضت فيه كتب الحديث والسيرة هو عالم مابين الحياة الدنيا والحياة الآخرة. مرتبط ارتباطا وثيقا بالزمن التدرجي الذي يفصل بين عالم الحياة وعالم ما بعد الموت ( في الابجديات المسيحية يطلقون عليه اسم المطهر ) .
– الشخصيات :
شخصية الابن ” بسام ” : الابن المطيع المتمتع برضا الأم و حنانها. تنساب الكلمات على لسانه بعفوية وتلقائية، همه الوحيد والأوحد تهدئة هول و ذعر الام التي يخاف أن تزداد حدة مرضها..
– الأم : الشخصية المحورية بالنص، على مايبدو أنها تعاني من المرض بفعل عامل السن، تكابد الوحدة والسقم. تهاتف وليدها مرات متكررة للاطمئنان على حالته، بعدما أحست بمعاناته أو ربما فقده.
– الأحداث والخاتمة :
تبدأ المحاورة بشكل مباشر برنين مفاجئ أو منتظر (كما سنرى) من الأم مسائلة وحيدها باسمه، وهي بذلك تنتظر التأكد من الطرف الآخر بلهفة و اشتياق وحنين ممزوج بالشك والحيرة.. فيجيبها بلغة واثقة، بأنه المقصود ( وقد عمد الكاتب الى ادراج – كود – مشفر : يما ) فاللفظة العامية التي تعني الأم، هي تلك البصمة التي تطمأنها وتتأكد من مصداقية وحقيقة أن الذي يجيبها ليس منتحلا لشخصية ابنها.. وتعاود الاتصال وبنبرة تقريرية يستعرض فيها بوضوح لايقبل الشك مختلف الاجراءات الروتينية الصباحية التي داوما على ممارستها سويا ( الوضوء، تقبيل اليد، والفطور بالفول..) لكنها رغم ذلك تكرر فعل الاتصال، ويعيد هو طمأنتها خوفا على صحتها !؟
إن استعراض الاحداث بتسلسل كما أرغمنا الكاتب على تقبلها بعفوية وتلقائية، وصولا الى الخاتمة اللامنطقية : ( ملكان يتنحيان جانبا لكي يتسنى للميت الاجابة !!!!) هو نوع من اللامعقول ومخالف للحبكة السردية التي ينبني عليها النص. لماذا ؟ لأن ديننا الاسلامي يعتبر الشهيد آمنا من فتنة سؤال ملكي القبر – نكير ومنكر – حيث روى النسائي في سننه عن راشد بن سعد، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رجلا قال: يا رسول الله! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة). وكذلك له خصال ست :
روى المقدام بن معدي كرب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده في الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقربائه)
فاذا كان الأمر كذلك لماذا ياترى أقحمنا السارد في متاهات متناقضة؟؟؟
** التحليل :
هنا بالظبط، تكمن عبقرية الكاتب، إن مجانبة النص بحلزونية أحداثه هو سيناريو من مشهديات لا متعاقبة بل متعارضة وينبغي أن نعيد تركيب أحداثها..
نعتقد جميعا أن السارد العليم الذي ينبئنا بمجريات النص هو الابن بسام الذي استشهد ويحاول طمأنة أمه المريضة عليه…
لكن ما رأيكم أن تقطيع سيناريو النص الى مشاهد يبين بالملموس أن كل الأحداث المذكورة هي من صميم مخيلة الأم المكلومة التي فقدت وحيدها وابتدعت حوارا بينها وبين ابنها الفقيد الذي ربما لقي حتفه لسبب من الاسباب غير الاستشهاد والدليل قولها له :
– يرضى عنك ويفرج كربك !
فهل الاستشهاد كرب ؟
من هنا نستشف أن الأم و بغريزتها الحنونة، جعلت من موت ابنها العرضي استشهادا حتى تتقبل موته، وبالتالي يبقى حيا بأعينها يناجيها و تسنأنس به.
** ختاما في نظري الشخصي نص بحمولات نفس-وجدانية غاية في التناغم الانساني المتميز لعلاقة الام بالابن برع الكاتب بعبقرية فريدة في تناوله باستعمال تقنية وحيدة الا وهي الحوار.
كل التقدير للكاتب ومزيدا من العطاء والنجاح.