وسط الطوفان الهائل الذي يغمر طهران حاول شاب في ٣٢ من عمره ان يطفو جالسا على عرشه وتاجه فوق رأسه على سطح التيار الجارف انه الامبراطور محمد رضا بهلوي الذي بدا والده رضا بهلوي حياته خادما في اصطبل وصار سائسا ثم جنديا فضابطا في الجيش الايراني ايام اسرة كاجار تحول الى وزيرللحربيه ثم تربع على العرش وظهرت تصرفات محمد بهلوي متناقضة والسر يكمن في تعدد المستشارين واختلاف وجهات نظرهم ورغبته بترضيتهم جميعا . فينتهي الشاه بهذه الصرخة ( انا هنا وحدي ولا احد يشعر بمتاعبي بل الجميع يتآمرون علي فأدفع الثمن وحدي…).
ثم يضيف الكاتب (احسست ان جلالته مقبل على ازمة نفسية عنيفة ووجدت انه ربما كان فضل ان لا يرى تأثره احد وفتحت باب الغرفة وخرجت وتركت الملك وانفعالاته…وحده في مكتبه)…هكذا يختتم الكاتب والصحفي الاشهر محمد حسنين هيكل كتابه الاول (ايران فوق بركان)الذي بدأه بهذه الجمل (ثمة حقيقة رهيبة قابلتها في كل عواصم الشرق الاوسط…تلك الحقيقة هي ان مشاكل هذا الجزء من العالم واحدة يخضع لنفس المؤثرات وتتقاذفه نفس التيارات وتفترسه نفس القوة).وهو اول كتاب له يتحدث عن فترة ازمة ايران البترولية الطاحنة ومقتل رئيس وزرائها الجنرال رزم آراه عام ١٩٥١حينما كان هيكل مراسلا متجولا لجريدة اخبار اليوم.
______
( اني متعب فاتركوني برهة لاستريح) هكذا قال للمحققين خليل طهمبسي الذي ازهق باربع رصاصات روح رئيس الوزراء آراه ونام لخمس ساعات عميقا وحين استفاق اجاب ( انا قتلته بامر من ( فدائيان اسلام).. وهي منظمة شيعية تؤمن بالكفاح المسلح وتباركها مرجعية الشيعة في قم..وخرج نواب صفاوي الرئيس التنفيذي للمنظمة ببيان يعد فيه القاتل بطلا..بعدها بقليل اصدر اية الله كاشاني \ الزعيم الروحي بايران\ بيانا يقول فيه( ان الرصاصات التي اردت رزم اراه قتيلا كانت مباركة ..لقد كسبنا معركة البترول وسيؤمم البترول رغم انف الخائن المضرج بدمه ).
بعدها اجتمع رئيس الوزراء خليل فهيمي وقرر اعلان الحداد الوطني فردت ( فدائيان اسلام) (( لا حداد بل فرح وسرور.. لتفتح جميع المتاجر وسنهدم ابواب كل متجر يغلق ابوابه ..ولتمش البهجة مع الناس في الاسواق والشوارع..هذا يوم عيد ).
وامر اية الله كاشاني ان تتدفق تظاهرة..وهو ما حدث فنزل ما يربو على مائة الف هاتفين ( الى الجحيم يا آراه..) و ( يسقط الانجليز ويحيا التأميم ). وتزامن معها تظاهرة اخرى نسوية حوالي ١٠ الف فتاة من نساء ((زحمات كيش)) وهي الفرع النسائي لحزب تودة فاتجهت المظاهرة للسفارة الامريكيةهاتفة ( مورد باد ترومان ).يتحدث الكتاب عن تأريخ اكتشاف النفط بايران وقصة اكتشافه واستثماره بريطانيا.حيث تدفقت اول قطرة نفط من الجنوب ..عبادان..خلافا لتوقع بعض الخبراء الذين ركزوا على التنقيب شمالا. ومن هنا بدأ الصراع بين الاطراف الثلاثة ..امريكا..روسيا..بريطانيا..ودخلوا في صراع مرير مع البرلمان الايراني.
في كتابه ( مدافع اية الله) الذي كتبه هيكل عن احداث ايران بعد اكثر من ٣ عقود من كتابه الاول..يضيء هيكل حياة الشاه محمد رضا بهلوي وطفولته..فتستغرب من شاب عاش في ظروف تربية قمعية فرضت على سلوكه الخجل والتردد..كيف سيناور ويعالج مثل هذه الازمة العاصفة.وكيف انه يوم تم خلعه ٩٧٩ نقل بطائرة لمصر فاحتاج لطعام فاجيب بان الاوامر صدرت بمنع الطعام وربما يوفرون له لفة سندويج من طعام القبطان ..فدخل الحمام وسمعت شهقته..هيكل في كتابه يسحرك بدقة المعلومات والحقل الاحصائي واسلوبه الروائي..والاستعارات الشعرية.وينقلك بعد اكثر من نصف قرن لتعيش الحدث بسخونته وكأنك تشاهد بثا مباشرا.