لعلَّ الملاحظ أنَّ الأغراض الشِعريّة التي توزَّعت بين الفخر، و المديح، و الهجاء والغزل.. وغيرها من الأغراض قد جعلت للشعر خاصة، وللأدب العربيَّ عامة قيمة تراثيَّة بين دقَّة التعبير ورهافة الإحساس.؛فنجد تارة تغازل الكلمات مع الحبَّ حتَّى تصبح الحروف ميتة وهي تتعذب بالحب يقول الشاعر نزار قباني :
كلماتنا في الحبّ تقتلُ حبَّنا. إنَّ الحروف تموت حين تُقال
او نجد شاعراً مثل احمد الصافي النجفي يجعل نفسه مُعيلاً لقرائه؛ وهو يختار لهم مِن عالم الشعر ما يخففُّ عنهم المتاعب والهموم.. يقول:
أراني لقرائي مُعيلاً وكاسباً اجيء لهم بالرزق مِنْ عالم ناءِ
وغذيّت قرائي بشعر مفخم فهل غزل يأتي لترويح قرائي
ونرى الشاعر يوزّع الأفراح في كلّ شيء، ولكلّ شيء من اجل ترك الهموم ومتاعب الحياة.. يقول من قصيدة عنوانها -افراح-
افرح ولو بخيال. افرح ولو في المنام
افرح بما نُلتَ وافتح. بما دنا منْ مرام
ولا تقطب بوجهٍ. عليه شبه القتام
ولا تقل فات أُنسي. بالشَّيب كلّل هامي
وما تحفل به الدواوين الشِعريّة كثير. في غاياته ومراميه، ولكن الغريب ان يدخل الشعر ملاعب الكرة وبين الجمهور، والحكام يصف هذه اللعبة التي إستهوت عشّاقاً ومشجعين وصفاً يُعبّر عن لحظات يعتزل فيها الشاعر الأغراض الشِعريّة ليدخل-عالم الكرة-يقول الشاعر معروف الرصافي من قصيدة له -في ملعب الكرة-
قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم. كرة تراض بلعبها الأجسام
يتراكضون وراءها في الساحة. للسوق معترك بها وصِدام
وما يحدث من أخطاء مثل مسَّ الكرة يشير الرصافي إلى ذلك يقول:
رفساً بارجلهم تساق وضربها بالكّف عند اللاعبين حرام
كما إنَّ لحظات الأمل في الفوز قد تضاءل ويحلّ الوهم محلّه:
لا تستقّر بحالة فكانَّها. أمل به تتقاذف الاوهام
ويدخل الشاعر أحمد الصافي النجفي في عالم الكرة بعدما خرج من أغراض الشعر ليروّح عن قرائهِ بقصيدة تتدحرج في الملاعب اسمها (الكرة) حيث يصوّر لذّة اللعبة بين الزحام والاحلام :
لعب الكرات يلذُّ كالدنيا لنا. فيه كذلك تنازع وزحام
كرة تطير بلا جناح في الهوا. فتطير تابعة لها الاحلام
تأبى التوسّط ما لها إلا السما. او تحت أقدام الكُماة مقام
وحتَّى الفوضى والهياج لحظة يصدر من اللاعبين او الجمهور سببه الكرة :
لا تستريح بوكرها فحياتها. فوضى ولا شرع لها ونظام
بيناهم يتضاحكون إذا بهم. يتهاجمون كانَّهم اخصام
ها هو الشاعر يخرج من المهرجانات الادبيّة، والمناسبات، وموائد الحكّام مادحاً او هاجياً او متغزلاً لا ليدخل إلى عالم الكرة وسط الملاعب يعطي ضربة جزاء يفرح لها جمهور الكرة وقد يفوّت الفرصة على الجمهور حينما تحلّق الكرة في الفضاء كما يحلّق الشعر. في عالم آخر غير الملاعب.