يقال ان الشاعر يفتش عن مغزى ومحتوى كبير وعميق في قصائده ليخرجها الى الوجود، محملة بالالم والوجع والتوجس والحذر، وشاعرنا الاستاذعقيل الجبوري يكتب قصائده بعمق الذات البشرية بكل تناقضاتها وصيرورتها وكبرياءها محملا مفرداته عندما يصوغها بالالم والحس الانساني والبعد الزمكاني حين ينتقل بكل سهولة واريحية كبيرة بين الكلمات والجمل الشعرية، ولو اطلعنا على قصائد ديوانه العمر يمضي، لرأينا كل مايدور في ذهنه وعقله وهو يستنبط من دقائق الوجود حرية التعبير وانتقاء المفردة وجمالية الكلمة الشعرية، فشعرية المكان هي موجودة في نفس وعقل ووجدان الشاعر، وتاثير القصيدة لها وجودها ومايبررها في وحدة المجتمع رغم اختلاف الزمان والمكان والرؤى والتوجهات، يذكرني في هذا المجال، الكاتب والشاعر هنري روجييه بقوله( اذا سلمنا بان الشاعر، في الجوهر، ذو حساسية مفرطة وطاقة تخيلية استثنائية تؤهلانه لادراك أسرار الاشياء بنفاذ بصر، حيث كل شيء مقولب بشكل رهيب، ومجهزبما لايدع للصدفة أية فرصة مواتية للتدخل، فان التساؤل عن موقع الشاعر في المجتمع كان ينبغي أن يسبقه هذا السؤال هل في الشعراء شيء غريب يطمح الى التغيير)، ويقول الاديب شارل أوطران (الشعر يعبر بعنف عن أصل ومسؤولية التواجد المباغت في اللغة أولا، والغضب المكبوت ثانيا) ويقول ايضا(المجتمع الذي يتعرف في هذا الشعرعلى نفسه بأستيهاماته الخاصة وهمومه المباشرة سيكون بلا شك قابل لكل الاشكال التعبيرية في تجربة الشاعر، سلبا او ايجابا) ديوان العمر يمضي هو من اصدارات دار الضياء للطباعة، النجف الاشرف بتصميم واخراج محمد الخزرجي عام ٢٠٢٠ وقد احتوى الديوان على ١٠٠ قصيدة توزعت بين الشعر العمودي والحر والتفعيلة ومن هذه القصائد، شواطيء وماء،، ياواحة الطيب، سفر المجهول، لوعة سيدة الليل، من يطرق بابي، متاهات، صحراء، فراق، معاناة، بكاء ومطر، بغداد، شوق، وغيرها من القصائد الاخرى التي توجها بفكره وعقله وقلمه الوقاد في كتابة القصيدة الشعرية الحاضرة دائما في الوجود، ففي افتتاحية الديوان يترنم شاعرنا في قصيدته شواطيء وماء،،
مابين جرف هارىء وماء
تركت آثاري وآثار خطاي
متيما يرنو الى السماء
اضحوكة يسمعها كل سكارى الحي
تمتد في الصمت كأنها الرعد
وعندها سينتهي العد
ويبدأ. الجحود والشقاء
معذرة اوراقي الخجلى
قصائدي المنحورة.. واسطري
واحرفي ومقلتي
وادمعي فكلكم خواء
————
وفي قصيدة سفر للمجهول يعبّر مايجول في خاطره عن وحدة الزمان والمكان، بهموم الانسان الغاضب على الواقع المؤلم ووجع اللحظة الشعرية المتوهجة ، باسلوبه الرشيق ورحلته الطويلة مع الشعر والقصيدة ليقول فيها،
ياوجعي وصبر سنيني
وعبادة كل الاوثان
استودعك الحب وطني زمني
كل معاني الفرح والاحزان
سوف اغادرمملكتي خلسة
ارحل حيث اللا عنوان
واترك خلفي محراب صلاتي
..وعبيد تلهث خلف الرهبان
تستعطف شذاذ الافاق
تتنكر للرحمن.. اتعبني ياسيدتي
زمن يُكفَرُ فيه الخير
ويُعبدُ فيه الشيطان
——–
وفي قصيدة (وطني الجميل) نقرأ
وطن تمزقك الخناجر
وتسيدت فيك الرعاع
ممن تلفظهم ترابك والديار
وطني… سلام كيف تغفوكيف تعرفك الطيور
وانت حتى الان مجروحا مهاجر
غدروك من جاؤوك من كل المخابر
هيهات تعلو سطوة الجبناء
او تبقى بغيرك.. لاتغادر
—–
ومن قصائده القديمة في اعوام ١٩٨٣، ١٩٨٤ التي احتواها ديوانه
نقرأ هذه القصائد التي عشنا فيها معا لوعة الحرب بكل مافيها من معنى، عندما اخذت منا احلامنا وافكارنا وذكرياتنا والتي مازالت تأن الى الان ففي قصيدة وحدة يقول
في زاوية يملؤها الخوف
احمل نفسي مصفر الوجه
اعبر ارصفة الحزن
افتح نافذتي يفزعني
صوت طبول الحرب
——-
وفي قصيدة الذاكرة يقول ايضا
سأروي شجيراتك الميتات بدمعي
واحمل امتعتي والهموم
وانزع حزني لديك
واجمع ماتبقى من الرحيق
واسرج كل خيولي وقوتي الخائرة
وانسى مواعيدك الباقيات
—
الاستاذ عقيل الجبوري يعشق بصدق وعفوية متناهية، يقول في قصيدة، (سيدتي) التي كتبها قبل ٤٠ سنة تقريبا وهي حاضرة الان بمفرداتها وروعتها
سيدتي ذات الفستان الازرق
اني ابحث في عينيك
ابحث عن ذاتي
ابحث عن كل الاحلام الوردية
وغيوم سمائي الممطرة تنذرني
ان لامأوى للفقراءفي زمن القهر
او ليس هنالك جنة تأوي عشاق الحرية
—
العمر يمضي ديوان يأخذنادبعيدا في عالم النقاء والصفاء والمفردة الشعرية التي يستنفر فيها شاعرنا جلّ افكاره وهو بحق سفر جميل وقصائد ماتعة موشحة بالامل والتودد والتطلع ومما لاشك فيه يعتبر ديوانه هذا اضافة جيدة للحراك الثقافي والمعرفي في محافظة النجف الاشرف والعراق والوطن العربي الذي احتضن ومازال كبار الشعراء والادباء على مدى الايام والسنين