في عصرنا المتلاطمة ايامه بسرعة اتى الينا الكورونا بكلّ قوته المريعة، يذكرنا أن الحياة رحلة شاقة مليئة بالمصاعب والتحديات. حقائق ظنناها حقيقة قد تتلاشى في لحظة من لحظات الفرح والأسى. وبينما ينتشر الفيروس على الأرض، تأتي الاجراءات الاحترازية لتفرض العزلة، فنجد أنفسنا منفصلين، وحيدين نحاول فهم طبيعة الحياة والتعلم منها. عزلة جعلتنا نُحلّق بأفكارنا في العمق، متسائلين عن فهم الوجود وطبيعة الكون الذي نعيش فيه. كلّ من أصابته كورونا أصبح كالفيلسوف يبحث عن معنى للحياة في عزلته ووحدته، يفكر بعمق بعيدا عن الصخب والضجيج اليومي. سجن صنعناه وقبعنا بداخله فانعزلنا من العالم الخارجي، وأدركنا أن هناك أشياء أكثر أهمية وجلاء، العائلة والأصدقاء والأحباب والتأمل في الذات والوصول إلى العمق الروحاني. فاستمعنا الى أنفسنا واكتشفنا جوانب جديدة من شخصيتنا وتعلمنا كيف نتعامل مع الأزمات والتحديات بشكل افضل. ربما يكون هذا درس حقيقي تركه فيروس كورونا في حياتنا. لا يمكن الإنكار أن الأزمة الصحية الحالية أثرت على جميع جوانب الحياة، بما في ذلك النشاط الثقافي والأدبي. منذ بداية الجائحة، ظهرت العديد من الكتب والروايات التي تتناول هذا الموضوع وتستكشف تأثيره على الناس والمجتمعات. إن كتابة الروايات والكتب عن الجائحة وتداعياتها ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الواقع، بل هي أيضًا وسيلة لتغييره. ففي كتاباتهم، ناقشوا الانسانية في زمن كورونا، والتحديات التي يواجهها الأفراد والمجتمعات، والعلاقة بين الوباء والموت، والعلم والقيم والدين جميعها طرحت ونوقشت في الكتب والفضائيات. ومن بين الروايات التي تناولت موضوع الجائحة هي رواية “كورونا” للناقد والأديب الفلسطيني الدكتور خليل حسونة. تعد هذه الرواية عملاً أدبيًا مهمًا تناول فيه الكاتب ظاهرة الوباء وتأثيره على حياة الناس في جميع أنحاء العالم. فروايته أثارت محاورًا أساسية عن الحياة الزوجية والأسرية والمجتمعية، وعن تأثير الجائحة العالمية على النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
تتضمن الرواية عنصراً من الخيال والأسطورة عبر الإشارة إلى شخصيات تاريخية مثل جنكيزخان وكاثرين الثانية، كما تناقش حالات مرضية معدية مثل السل والتيفود والإيبولا والفيروسات والصراصير والفئران. تبدأ الرواية بشخص يحاول الهروب من الواقع والعيش في عالم الذكريات والأحداث السابقة. وعن مفهوم الصداقة والحرية وتغيرات الحياة المستمرة. فالنص يمثل تحليلاً للنفسية البشرية والعواطف والأحاسيس التي تؤثر في سلوك الإنسان وتوجهاته. يتساءل الراوي عن الأمور الدائرة حوله ويسعى إلى التعبير عن مشاعره وأفكاره الشخصية. يمكن اعتبار هذا السرد بمثابة مذكرة شخصية تعبر عن دوافع الكاتب الداخلية بأسلوب سلس ومتأنق. فالقارئ أمام عمل ابداعي وصورا وأحداثا ملونة ومفصلة تجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش الأحداث. لما تحتويه من تفاصيل وتأملات داخلية للراوي و يبدو النص واقعياً ومؤثراً. من الناحية النقدية، يعتبر هذا النص قوياً في توصيل رسالة الكاتب في غوصه للنفسية البشرية والتحديات التي يواجهها الإنسان في حياته. نشاهد الراوي يتأمل في حياته، يتساءل عن الأمور المحيطة به في حوار داخلي وآخر خارجي. فالراوي جسر بين العالم الخيالي والواقعي للرواية، مما يضيف عمقًا إلى شخصيته ويجعلنا نتواصل مع مشاعره وأفكاره الشخصية. تعمق الكاتب في الشخصيات والأحداث بطريقة فنية، مما يعزز قوة الرواية ويجعلنا نشعر وكأننا نشهد أحداثها بأنفسنا. بشكل عام، يمكن القول أن هذا النص يتميز بأسلوب نقدي أدبي يجمع بين العمق والجمالية. تعمق الكاتب في الشخصيات والأحداث بطريقة فنية يجعلنا نشعر وكأننا نشهد أحداثها بأنفسنا. عموماً، يمكن القول ان هذا النص يتميز بأسلوبه النقدي الأدبي الذي يجمع بين العمق والجمالية، ويتحدث بشكل مؤثر عن الموضوعات الرئيسية التي تعكس النفسية البشرية وتأثيرها على حياة الإنسان. ولكي يبرز الكاتب اضاءته في هذا المجال اشار الى مواضيع و أفكار ومشاعر متعددة تتعلق بالحيرة والقلق والشك والحب والانتماء، واستخدم رموزًا مثل “الكلاب” و “الأمهات” و “الحياة” و “النساء” لإيصال هذه الأفكار. كما اشار الى تأثير جائحة كوفيد-19 على الحياة اليومية والعلاقات الإنسانية، واستخدم شخصيات خيالية كوفيد و”محبوبته” للتعبير عن هذه الأزمة.
_ لقد رُدت الى نفسي، لذلك أعدك بأن أصلح كل أخطائي!
_ أمتأكد أنت من ذلك؟!
_ أجل … فلقد بتّ أفهمك الآن أكثر، لذا سأراجع نفسي، حتى لا أذهب في الاتجاه الخاطئ، مرة أخرى …
هنا يشير الكاتب على أهمية التصدي للصعوبات والعراقيل التي تواجه الفرد، وأن الحوار يتحدث عن مفهوم النضج والتطور الشخصي، والعمل على مواجهة الحقائق بشجاعة وصدق. ويظهر الحوار أيضاً تفاصيل وصفية دقيقة للشخصية الأنثوية، حيث يتم التركيز على جاذبيتها وأناقتها، وهو ما يعكس الاهتمام بالجمال والمظهر الخارجي. ويتضمن النص أيضاً تحذيراً من بعض الأشخاص الذين يتظاهرون بالصداقة ويتصرفون بشكل سلبي، مما يعكس الواقعية والحذر الذي ينبغي أن يكون موجوداً في العلاقات الإنسانية.
الاهتمام بالعناصر الإيقاعية والدلالية، والتحليل الشامل للنص
يتضمن النص عدة عناصر إيقاعية ودلالية مهمة، الفقرات القصيرة التي تساعد في خلق إيقاع سريع ومتناسق وتجعل القارئ يتابع النص بسهولة ويسر. وإبراز المعنى والتأكيد عليه، مثل الألفاظ المتكررة، والتناوب بين الجمل الطويلة والقصيرة، وتكرار بعض الكلمات والعبارات، جميعها عناصر تساعد في تحسين الإيقاع والتأثير على القارئ. من الناحية الدلالية، حديثه عن العلاقات المزيفة. أخذنا الكاتب إلى عالم يسوده القلق والترقب، يحاول فيه استكشاف مفهوم السلطة والتحكم والتضليل في الحياة السياسية والاجتماعية، من خلال حوار بين شخصين يمثلان رؤى مختلفة للعالم. يتحدث كوفيد، الذي يمثل السلطة والتحكم، بتصريحات غامضة ومتأكدة حيث يعتبر نفسه الأقوى والحاكم في كل صروف الحياة. يبرر سيطرته على كل شي، يريد أن يثبت أنه الأفضل والأقوى. ولكن، يتحدث صديق “أبو الليث”، المواطن العادي الذي يعاني من التحكم والتضليل، عن استغرابه وحيرته حيال ما يحدث في العالم، ويعبر عن علاقة الدين بالحياة السياسية والاقتصادية، معارضا تصريحات كوفيد بشأن التحكم والتضليل. استخدم الكاتب هذا الحوار الدرامي بشكل ماهر لإبراز خلافات ومفاهيم متعارضة بين شخصين يمثلان وجهتين مختلفة للعالم. تتيح للقارئ التفكير في مفهوم السلطة والتحكم والتضليل، وكيف يؤثر ذلك على حياتنا اليومية. كما ألقي الضوء على دور الدين في تحديد المواقف الاجتماعية والسياسية، وكيف يمكن للإيمان والمعتقدات الدينية أن تساعد على مواجهة التحكم والتضليل.
الرقص مع الذكريات: رحلة هروب إلى الزمن البسيط في وجه التحديات العالمية
يتضح من النص أن الكاتب يصور حالة نفسية معينة، عبر عن شوقه لزمن بسيط مضى حيث كانت الحياة تبدو أكثر هدوءًا وسلامًا. ومع ذلك، عرض ـأيضا صورة للأزمات العالمية والكوارث الطبيعية التي تحدث في العالم، وأظهر بوضوح أن هذه الأزمات والتحديات سببت القلق والتوتر والاضطراب النفسي لدى الإنسان. استخدم أسلوب الهروب من الضغوط اليومية، من خلال الرقص والضحك، واسترجاع الذكريات. الهروب كنوع من آليات الدفاع الذاتي ، لكنه لا يحل المشكلة بشكل فعال. وضرورة المحاولة لتجاوز هذه الأزمات والتحديات بطرق مختلفة. علاوة على ذلك، عرض في النص رغبته في الهروب من الواقع، وهذا يعكس الحالة النفسية الحرجة التي يمر بها العديد من الناس في زمن الكوفيد 19.
يُعَدُّ المسار الفني للكاتب فريدًا بتميزه بالتزامه الثابت بالمجتمع وثقافته، حيث يعكس واقعًا عاشه بنفسه ويتشكل في سياقات جدلية مثيرة للاهتمام. فقد غمرنا بعالمه المتميز من خلال رواياته وقصصه القصيرة وقصائده الشعرية التي تمتاز بوصفها لفضاءات وأماكن جميلة، في زوايا مختلفة، وتمتد في مساحات لا حدود لها من الأماكن والاحتمالات. لا يمكن إنكار أن هذا الكاتب يتقن فن الوصف بطريقة مذهلة، فهو يستطيع وصف الأماكن والمشاهد بأسلوبه الخاص الذي يأسر القارئ. ويتمتع بمهارة كبيرة في التعبير عن المشاعر والأفكار بطريقة مثيرة للاهتمام، مما يجعل من رواياته ممتعة ومثيرة. فعند قراءة أي من روايات هذا الكاتب، سوف تجد نفسك تسافر في عوالم جميلة ورائعة، وتختبر أحداثًا شيقة ومشاعر عميقة، وتعيش في تجربة فريدة ومثيرة للاهتمام. فهو ينقل لنا بأسلوبه الخاص أبعادًا مختلفة من الحياة، ويظهر لنا جوانب جديدة من البشرية، مما يجعلنا نستمتع بالقراءة ونفهم أكثر عن العالم الذي نعيش فيه.
—-
الرواية صدرت عن مركز الحضارة للاعلام والنشر- القاهرة