ديوان ” أطيار المواسم الأربعة ” شعر الهايكو ” للمصيفي الركابي ” هو نوع من التأمل الروحي وبعض من المشاهد الحسية المنطوية على الذات وآلأخر
ليس غريبا ً على الشاعر والقاص ” المصيفي الركابي ” أن يشتغل على أرضية مختلفة عن بقية زملائه الذين عاصروه في فترة الستينيات والسبعينيات ،وذلك لأنه يحمل ذاكرة قوية ، حية ، نابضة متوارثة ، تؤمن بكل ماهو جديد أو مستجد ، ولكي يحدد بوصلته التي بحث عنها في منجم تجاربه الادبية ،وهو يشتغل عبر مسارات مختلفة لتأكيد ذاته التي إنطلق منها .
و لكي يحافظ على وجوده الفردي وفي نطاقه الإجتماعي ، وهو بالتالي يرضي رغبته الابداعية وسلامته ويضمن عيشه منطلقاً من تحقيق الذات التي كشفت له مآسي الواقع المعاش ، ولكي يحول تطلعاته التي حلم بها ، وهو يواجه الحياة بما فطر عليه من قواه الذهنية والحسية ، والنفسية بكل ما تتضمنه من قدرات عقلية وعاطفية وخيالية وغريزية .
وهذه القدرات التي إعتمد عليها شعورية ، وغير شعورية تمكنه من إتخاذ مواقف عديدة كي يبرر وجوده في هذه الحياة الشائكة ، فكانت مفرداته التي سطرها في ” جريدة ” الراصد ” العراقية في بغداد هي نقطة البداية في مشواره الأدبي ، حتى ظلت كلماته تتراقص ضد كل الأساليب السائدة باحثا ً عن أسلوبه الذي يستجيب لخصائص نتاجه الادبي في التعبير عن موضوعات متنوعة باتت تشل مجتمعنا الانساني المعاصر بأنشطتها الوحشية مثل العنصرية والدكتاتورية والعنف
وهي تمثل حالات رفض للكثير من المشاهد الحياتية فظلت حبيسة جدار غرفته التي يقطنها حتى فجرها في غربته القسرية ، وبعد تجاوزه سن الستين من عمره ، فأصدر في غربته العديد من الكتب المهمة ، ومنها ” بين الحقيقة والخيال ” خواطر وتأملات ، نيازك في مجالات الأدب المختلفة وقد بنى ” المصيفي ” تقسيمه على اساس الموضوع ، وطريقة استعمال اللغة وأساليبها وصيغها ووظائفها ، بعد ما قرأ أجناسَ الأدب برمته وأختط لنفسه نمطاً يسير عليه حتى يقال عنه أنه أول من كتب شعر ” الهايكو ” في الوطن العربي ،فهو قاص وشاعر ، وهو يتنقل بين كتابة القصة القصيرة جدا وقصيدة ” الهايكو ” ونحن بصدد ديوانه الجديد ” أطيار المواسم الأربعة ” الصادر عن دار ” بيت الثقافة ” ديترويت – ميشيغن وهو من القطع المتوسط ويقع في 125 صفحة .
“بين إحراق الرضيع
والمسجد الأقصى
يضيع الوطن ” ص53
والذي يتابع هذا النوع من الشعر يجد أنه يركز على تفاصيل البيئة المحيطة ، بحالة الأنسان ، ولهذا كان الديوان الذي بين يدي هو دعوة صادقة لتشخيص الكثير من الحالات الانسانية وغير الانسانية التي تدور في مشهدنا العام والتي يحاول المصيفي أن يقتنصها ضمن قالب ( الهايكو الشعري) الذي أراد من خلاله التجريب في مضمار أسلوبي يختلف عما هو سائد في الانماط الشعرية كالشعر العمودي والشعر الحر بتنوعاته ، حيث يشعر أن هذا النمط يتيح له الاستغراق في خانة التأمل الروحي وهو ينتقل بين صورة وأخرى وهو إحساس الشاعر دون توظيف لحكمة أو تحليله الشخصي كما يقول منظرو هذا الشعر أو هي الإختبار الأمثل عندما لا تلحظ تجربة أو جمالا يستحق ان ينقل للأخرين .
” كالنيازك
تتهاوى المصائب
على أمتي ” ص36
والمصيفي الذي أدخل نفسه وروحه في هذا العالم الخاص حتى يتفس أوراق كتاباته التي ينشرها بين المجلات والجرائد لعالم ” الميديا ” اليوم والتي حصلت كتاباته على العديد من الجوائز المهمة لما يقدمه في مختبره القصصي القصير وشعر ” الهايكو ” فجاء بناء قصيدته المعتمد على التنقل بين مسارين مما أحدث تجاور ، وهذا التجاور يعطي معنىً مجازياً أعمق لو كانت وصفاً بسيطاً آحادي المستوى وهذا ما يؤكد عليه الذين إختطوا نهج قصيدة ” الهايكو ” وبنائنها
” يغط في النوم والحاكم العربي
صدى صوته
بين الشخير والطحير ” ص91
يقول الكاتب ” حميد عقبي ” الهايكو فصيدة اللحظة تجد فيها كل شيء ، لكنك تجد روحك أولاً ، وإنه لسحر عظيم يشفي من مس جنون السطحية ، وبات يأخذ مكانته بقوة بعد أن تبنته اسماء لأمعة على صفحات التواصل الاجتماعي ، وبإعتقادي أحدهم ” المصيفي ” الذي اصدر ديوانين في هذا النوع من الشعر وهما ” هواجس ثملة ” و ” أطيار المواسم الأربعة ” ويؤكد الكاتب ” المصيفي ” علينا أن نغترف من لغتنا وتراثنا وتقاليدنا الأصلية .
” يرقص تودداً لأنثاه
طائر الماركيز
كأنه المجنون ” ص5