وقفة مع الرجال و التاريخ مع البروفيسور كاظم العبودي عالم الذرة رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته .
حتى لا ننسى مكارم الرجل الذي عاش عمره خدمة للجزائر الى أن توفي عن عمر 74 سنة بعد معاناة بالسرطان في 04ماي2021 بوهران .
البروفيسور كاظم العبودي من موليد محافظة ميسان بالعراق سنة 1947 ،
أشتغل أستاذا في الجزائر بين سنوات 1972 و 1975 في إطار البعثة العراقية، ليسافر الى بولونيا سنة 1975 بعدما تحصل على منحة لمواصلة دراسته ،تخصص في الفيزياء الحيوية ،
و في سنة 1984 عاد الى مدينة وهران ليشتغل في منصب أستاذ جامعي في العلوم الفيزيائية وباحثا في المجالات التطبيقية.
يعد كاظم العبودي من أنشط و أكثر العلماء الذين قاموا بأبحاث عن الإشعاعات النووية ، فتفرغاً بالبحث و و متابعة جرائم الإشعاع واستخدام اليورانيوم المنضب في الحرب على العراق، بإصدار كتابه “بشر نعم.. فئران مخبرية لا” في العام 1993، كما تابع البحث والتقصي العلمي لملف “الجرائم النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية”، منجزاً عشرات الأبحاث والدراسات العليا،
و قد ساهم في كشف ما اخفاه المستدمرالفرنسي عن جرائمه النووية في صحراء الجزائر.
فكان له الفضل في كشف ملف التعاون الصهيوني الفرنسي في التجارب النووية التي لازالت أثارها الى غاية يومنا هذا تفتك بالعديد من الأبرياء و تركت عاهات كثيرة بسكان رقان بالصحراء الجزائرية .
حيث قال في إحدى مقالاته :
” إن التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر و التي ستمتد في تلوثها الاشعاعي وقتلها الصامت وامراضها المسرطنة وعقمها للساكنة إلى مدى 24 مليار سنة أي بعمر نصف العمر الزمني لاشعاع عنصر البلوتونيوم ، مادة التفجير النووية الاساسية لاغلب التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية والتي تصل الى حدود 58 تفجيرا نوويا عسكريا وعشرات التجارب التي وقعت في مناطق اينيكر وحمودية وقد شملت مساحات واجواء تعادل مساحة نصف اوروبا…”
و بدأ عملية كشف بشاعة المستدمر بإنشاء صفحة بالفايسبوك تحت إسم “رقان في الذاكرة” و موقعاً إلكترونياً في الشبكة المعلوماتية باسم “صرخة الصحراء” وموقع آخر بإسم “جرائم فرنسا “خصصها للبحث والتعريف بالجرائم النووية التي إرتكبتها المستدمر بصحرائنا.
فأنتج دراسات و مؤلفات حول التفجيرات النووية من أهمها كتاب
” يرابيع رڤان “
“جرائم فرنسا الصحراء الجزائرية ” وهو مؤلف مشترك مع وزارة المجاهدين.
“المحرقة النووية الفرنسية في الجزائر: سراب التعويضات وتطهير أرض الخراب”
وأصدر أكثر من 44 كتاباً أكاديمياً وعلمياً، منها عشرة كتب متخصصة حول قضايا الإشعاع والتلويث البيئي، بالإضافة إلى إسهاماته في حقل الترجمة العلمية وتدريس مواد الفلسفة وتاريخ العلوم، إلى جانب تخصصه الرئيس في الفيزياء النووية والحيوية والكيمياء الإشعاعية.
في تأبينته صرح مستشار الرئيس ومكلف بملف الذاكرة الوطنية عبد المجيد شيخي أنذاك قائلا :
” إن كاظم العبودي كرس حياته للعمل الجاد بالنسبة لملف خطير وهام ودقيق وهو ملف التفجيرات الفرنسية في الصحراء الجزائرية ، منذ أن رافقت العبودي لأول مرة إلى رقان، مع المرحوم سعيد عبادو الذي له الفضل في تحريك هذا الملف، ورأينا أثار التفجيرات المتبقية على سطح الأرض، أدركت بأننا أمام شخص يمكن أن يعول عليه في إثراء هذا الملف في التعريف به ومعالجته”.
و قد حاز البروفيسور عبد الكاظم العبودي على ثلاث دكتورات في الفيزياء النووية سنة 1977 ثم دكتوراه ثانية في الكيمياء الاشعاعية سنة1987، و الثالثة من جامعة وهران سنة 2011 حول فلسفة الأخلاق من خلال المعالجة البيئية للنشاط الإشعاعي وتأثير أسلحة الدمار الشامل.
كان عضو في العديد المنظمات الدولية في مجال الطاقة الإشعاعية واللجنة الاستشارية لمحكمة بروكسل، ساهمت كتاباته باللغة الانجليزية والبولونية مع آخرين في الدفع المتعلق بالجرائم النووية الفرنسية، كما أشرف على دراسة علمية لمناطق الاشعاع بين منطقة الزبير العراقية و اينكر – بتمنراست” الجزائرية.
بالإضافة الى هذا الجانب العلمي فقد كان البروفيسور عبد الكاظم العبودي موسوعة في مختلف المجالات خاصة في اللغة العربية حيث قلده المجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر وسام المجلس و كان يهوى التصوير والشعر .
رجل مهما كتبنا عليه يبقى في نظري قليل لما أبان لحبه للجزائر فكانت وطن له و خاصة بعد زواجه من الأستاذة الجزائرية “مونيا صاري ” الناشطة في المجال الثقافي ولها هوابة الكتابة ، مما كتبت :
على أثير صوتك
الدافئ الساكن بين صفحات الذاكرة
هز غصني المكسور
من جفاء هجرك
رفعت راية قلمي
ألوح عن بعد العالمين
بلون روحي
و أريج بوحي..
أنادي من عمق أسري
و صرخة دمي تسري
تائهة ملامح وحشتي
زاهدة مشاعر عزتي
راهبة محراب العهد
أرتل آيات عشقنا الوعد..
قلتٓ يا فاتنتي هيمي
و كيف للهيام التحليق
و قد نفذ المداد و ريش ابياتي…
على مد عيناي
بسطت احلامي
و فوق أسوار الحنين
علقت المنايا ..
أيا أنا المنسكب في أنايا انا …
روضتك بين تناهيد صدري
تهويدة عمر
و نظرة شوق
يا قبلة الحياة
و سجدة الروح
بين تلابيب القلب
أقمت صلاة عشقنا
أنا يا انا …
نداىي الأخير عبر هذا اامقال أتمنى خاصة من طلبة جامعة وهران و حتى من السلطات المحلية و العليا للبلاد أن يكون بإسم هذا العالم ملتقى دولي حتى نحافظ على ذاكرة الشعب .
رحم الله البروفيسور كاظم العبودي وأسكنه فسيح جنانه وألهم ذويه الصبر والسلوان.