صدرت مؤخرا المجموعة القصصية في القصة الومضة ( أقل من إشارة ) للقاصة / سكينة شجاع الدين
المجموعة صدرت
قبل أن نبدأ بالدراسة سنعرج على العنوان بوصفه العتبة الأولى التي تلفت المتلقي
جاء جملة محذوف مبتدأها ( أقل من إشارة) أي هذه أقل من إشارة والحذف فيه لفت لانتباه القارئ ويتواكب مع خفة القصة التي تعتمد على الحذف والإضمار
وإذا ما تأملنا دلالات العنوان في المعجم ( أقل من إشارة)
فإن الإشارة جاءت بالمعاني التالية:
– ( إشارة) : ” تعيين الشئ باليد.
– الإشارة ” التلويح باليد ليفهم الشئ المراد .
– إشارة ” إنذار بقدوم الخطر
– اللبيب بالإشارة يفهم ” إيماءة”
أما ( أقل) فقد جاءت بالمعاني التالي :
– التنقيص والحط من الشأن والقيمة
– قل الشئ في عينيه : رآه قليلا وإن لم يكن كذلك.
– وأقل يقل : ” فهو مقل إقلالا “
– على أقل تقدير: أضعف تقدير
– ويقال: أخذ البضاعة بسعر أقل أي:” بأقل التكاليف “
ومن المعاني السابقة يمكن القول:
– النص لايريد الدلالات المعجمية حرفيا وإن كانت الدلات المعجمية أحدى الدلالات .
– التلويح والإشارة والإيماءة هي إشارات إلى تعيين الدلالات والمضامين داخل النص
– التلويح والإيماء خاصية من خصائص من الومضة المكثفة فهي لاتعطي للمتلقي كل شئ وإنما تترك مساحة للتحاور مع النص ودلالاته العميقة.
– الومضة تتفق تماما مع القول: اللبيب بالإشارة يفهم وهي عبارة عن إيماءة
– الومضة نص قليل الكلمات كثير المعاني والدلالات
– قد يرى المتلقي كلمات القصة الومضة قليلة لكن ليست كذلك في الدلالات والقضية الكبيرة التي تتناولها.
– القصة الومضة تنقص من قيمة الإسهاب والتطويل والإكثار من الوصف فهي نص لايحتمل كل ذلك فهو لمحة سريعة خاطفة.
وإذا ما تناولت القراءة نصا يدل على ذلك فإن نص ( وفاء) يوجز ذلك.
(وفاء
امتطت صهوة الثورة؛ خذلها الفرسان.)
في النص إشارات إلى الإيمان العميق بالثورة من خلال الاستعداد للثورة والتمرد على الوضع ويتبين ذلك من ( امتطت صهوة الثورة) وفيه إشارة إلى أن الثورة كبرياء وعزة وكرامة وهذا من طرف الأنثى ليأتي الخذلان ممن يعول عليهم التثوير والتنوير ( الفرسان) فثمة استسلام من الرجال وشجاعة وإقدام من المرأة فقد جاء النص تلويحا إلى ذلك فلم يقل النص( امتطت المرأة الثورة واستسلم الرجال) حتى يتوافق النص مع القول ( اللبيب بالإشارة يفهم.)
ومما سبق: فقد جاء العنوان محترفا لحد بعيد وهو عنوان ملغز وجديد يفتح آفاقا للتأويل وهي تعريف ومفهوم للقصة الومضة( أقل من إشارة وتميز العنوان بالاختزال والتكثيف والابتعاد عن المباشرة من خلال الإيماء والتلويح.
مفهوم القصة الومضة :
القصة الومضة عبارة عن فن سردي قصير جدا يأتي مكثفا ومختزلا وتتشكل الومضة من ثماني كلمات وقد تأتي جملتين لاتزيد عن أربع كلمات
ويتصادم طرفاها ليحدث هزة في المتلقي من خلال التناقض مابين الظاهر والخفي من الدلالات
والومضة القصصية فن عربي خالص جاء ليحيي فن التوقيعات في النثر العربي القديم والتي ظهرت في العصرين المملوكي والعباسي( داو جرحك؛ يتسع) ( اطلب الموت؛ توهب لك الحياة)
وإذا تأملنا نصوص المجموعة التي بين أيدينا نجدها جاءت مصاغة بشكل مكثف ولماح وتحمل في طيات دلالاتها قضية كبرى كما في نص” عقوق”
((عقوق
أرضعته الحب؛ اعلن أخوتها.))
من خلال العنوان يلحظ المتلقي السخرية لاسيما أن العقوق لايكون إلا من الابن لأبائه ويستعمل أحيانا لغير الأب والأم على سبيل النكران والحجود للجميل والمعروف وجحود المواقف المتعلقة بحياة الفرد الجاحد والمؤثرة في حياته.
النص ساخر جدا فالرضاعة من الأم للابن وفي أحيان نادرة من أم لغير ابنها.
والرضاعة تعني الاهتمام والرعاية والحب والتنشئة ليتحقق المستقبل والحياة السليمة للرضيع وفي الرضاعة نقاء وصفاء وعطاء ولكن هنا تحولت الأم إلى المحبة والحبيبة في النص
فإذاكانت الأم ترضع الحب الحقيقي فإن الحبيبة الحقيقية ترضع ومن الملاحظ أن ( الحب) مفعولا به ثانيا
ليدل على التأثير والعلاقة الروحية
ويأتي الطرف الآخر ( أعلن أخوتها)
نهاية صادمة فشلت الرعاية والتنشئة والاهتمام والنقاء والصفاء وتحولت العلاقة إلى تمزق والتوحد إلى شتات
فالمفارقة واضحة مابين العطاء والمنع والبذل والحرمان والأمل واليأس
بسخرية متهكمة أتت من توظيف النص الديني في دلالة النكران والجحود
خاصة والرضاعة من غير الأم عدة رضعات يمنع الزواج
فالنص وظف النص القرآني والفقهي في قضية العلاقات العاطفية التي تنتظر حياة زوجية وعاطفية بقيم دينية وعاطفية ومن يتخذ من العلاقات مجرد تسلية
النص مكثف ساخر واسع الدلالات ومفتوح على آفاق التأويل.
وإذا انتقلنا بالقراءة لنص آخر وهو جزء من قصة في ومضات
((تلذذ
بزغ قلبها؛ خاصم الشروق.))
النص يتناول قضية من قصايا المرأة فهناك من يريد للمرأة أن تبقى في الظلام ولايريد لها التنفس لاسيما والعنوان ( تلذذ) ليشير للاستبداد والقهر من خلال تقييد المرأة بالعادات والتقاليد وحتى الحرمان من التعليم ومخاصمة الشروق تعني تصادم مع النور والحياة التي تريد المرأة أن تثبت من خلالها ذاتها وفاعليتها.
والنص لايتناول قضية الاستبداد بمباشرة بل من خلال البزوغ أي البداية للنور والتصادم مع الشروق يعني أن المرأة وصلت لمرحلة من التأثير والفاعلية جاء من جملتين مكثفتين ويلمح بإيماء لقضية الصراع مابين الرجل والمراة والمجتمع وغيرها من الحواجز التي تمنع المرأة من إثبات ذاتها..
أمانص ” احتقان ” فقد صيغ بأسلوب رمزي انزياحي وكل جملة مشحونة بكثير من الدلالات.
(( احتقان
ذبحوا حمائم السلام؛ تدلت ثمار الزيتون.))
هذا النص الواخز الذي يحاكم الحرب وتجار الحروب من خلال المفارقة المدهشة
فالاحتقان اختلاف وصراع وتحول من النقاء والصفاء إلى التكدير والتعكير وتحول من الطبيعة الإنسانية في الحياة القائمة على التسامح والتعايش إلى الصراع والاختلاف والضبابية التي بلغت حد التأزيم والاحتراب
ومن خلال(( ذبحوا حمائم السلام)) فثمة تضحية بالسلام والحياة الكريمة بلغت حد البشاعة ” ذبحوا”
والنص يحاكم المستفيدين من استمرار الحروب ويحاكم المتاجرين بنزيف دماء الأوطان لياتي بمفارقة مدهشة فليست كل حرب ستستمر أو يكتب البقاء ومن الحرب يأتي السلام ومن الموت تأتي الحياة ومن الدفن للسلام يأتي الميلاد خصيبا غدقا(( تدلت ثمار الزيتون)).
النص مدهش استعمل اللغة بأسلوب انزياحي يلمح للدلالة من خلال الابتعاد عن المعجم اللفظي ودلالاته.
وإذا كان الاحتقان زيادة تراكم السوائل فإن الدلالة تشير إلى أنه من اليأس يخلق الأمل ومن الحرب يأتي رغما عن المتاجرين بالحرب والمستفيدين منها.
وإذا كانت الرمزية ميزة في النص القصيرجدا فإن أغلب نصوص المجموعة جاء رمزية ويتضح ذلك من خلال النصوص التي اخترتها على سبيل المثال لا الحصر لاسيما وأن الرمزية تعبير عن الغايات والأفكار بأسلوب لماح بعيدا عن التقريرية ومن ذلك تلك الرمزية ( الحمام) رمز وكذلك ( الزيتون) .وتجلت الرمزية في نص ( تلذذ) من خلال (البزوغ) الذي يشير لبداية دبيب الحياة و( الشروق))
الذي يرمز إلى الانتشار والذيوع والحرية.
ومن خلال القراءة يمكن القول:
– العنوان محترف مثير وملغز ويتناسب مع قصر وسرعة الومضة .
– المعجم اللفظي للنصوص مكثف ومختار بعناية بالغة ويتناسب كثيرا مع الدلالات والفكرة
– جاءت البنية اللغوية لطرفي الومضة انزياحية تبتعد عن الاستعمال المعتاد للغة
– اغلب النصوص مكتملة فنيا وآخذ بخصائص الومضة وإن وجدت بعض النصوص الضعيفة والخبرية فهذا لايقلل من قوة المجموعة التي تعد إضافة جديدة وسبق في هذا الجنس في اليمن إلى جانب قاصين آخرين كتبوا في هذا الجنس.
– تناولت النصوص القضايا الكبيرة كالحرب والسلام وقضايا المرأة والمشاكل والهم الإنساني عموما في أغلب مجالات الحياة الإنساتية.