إن لثلاثية ما وراء الجنس ,والأنوثة والذكورة هوية أسطورية , وفلسفة شديدة التعقيد, وما زالت البحوث التاريخية ,والنفسية ,والبيولوجية عاجزة عن تحليلها ,وفهمها , أو وضع مفهوم محدد لها , لان جدليتها مستمرة ومتحدة ومتغيرة , ,والصراع المستفحل الدائر بين الأنوثة ,والذكورة من ناحية أنهما جسد ,وروح ,وكيان , وجدلية أفضلية احدهما على الآخر , جعلها موضوعا أساسا للفنون بكل أشكالها قديما وحديثا, وخصوصا الفنون الأدبية الحديثة المتمثلة في الفن الروائي , التي عبر عنها المبدعون كل بطريقته الخاصة التي تخضع في معظم الأحايين لثقافته, وفكره ووضعه النفسي الاجتماعي , فهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بأنماط السلوك البشري, والتجارب الإنسانية , وخصوصا تلك التي يعاصرها المبدع نفسه,ونحن نتفق مع الدكتورة منى الشرافي فيما ذهبت إليه ,والعملية الإبداعية الفنية بالدرجة الأولى , هي عملية تصعيد وتعويض وتحويل, وإحلال وإبدال وحذف وإضافة , يجريها الأديب أثناء تأليفه نصه الأدبي , وقد نقل الكتاني عن فرويد رأيه في الأعمال الإبداعية الروائية أن :الدوافع النفسية لدى المبدع , إذ تعد أنماطا من الأحلام المكبوتة , والرغبات الدفينة , فالجنس ركيزة أساس تدور حولها الأعمال الأدبية، إذ يعد غاية لأَختراق المحرم، وقد استطاع النتاج الإبداعي، إِنَّ يوظف الجسد داخل إعماله الأدبية، لإضفاء معنى ايروتيكي جديد, ولأنَّ الناحية الجنسية تمثل حساسية في مجتمعاتنا؛ كونها تدخل دائرة المحرم، فالكتابة الجنسية أو النص الجنسي، هو آلة لغوية كتابية تنظيرية، ومن السهل التحكم في صياغة توظيفها ومن المتعارف عليه في أوساطنا الأدبية والثقافية، إِنَّ الجسد شكل أهمية كبيرة في حياة الناس ؛ كونه ذا قيمة روحية كبيرة، فالحديث عنه أجده مرهوناً بالمناسبة، فكما نعلم أَنَّ لكل حادث حديث، أي أَنَّ النتاج الأدبي لا ينفرد بالحديث عن الجنس، بل يحمّل – نتاجه – موضوعات عدّة، فتطور المجتمع أسهم في تطور أساليب الكتابة وتجاوزها للمكبوت, ونحن نتفق مع الدكتورة وسن مرشد فيما ذهبت إليه, وفي رواية (شظية في مكان حساس ) للروائي الكبير (وارد بدر السالم ) تناول موضوعة الجنس لغاية إنسانية عالج فيها انحراف المجتمع , لبعض العادات ,والتقاليد, كالخيانة الزوجية , والإمراض النفسية , ودخول داعش واحتلال العراق , ومسح الهوية العراقية , وضحايا الانفجاريات , وفوبيا الحرب لشخصيات متعددة يحاول الروائي تسليط الضوء عليها في عيادة الدكتورة تمارا, وثنائية التناقض لصاحب التاكسي الشاب بين تسجيلات حسينية معروفة وهو يديم النظر كامشدوه إلى فتيات الشارع , وتحاول الراوية الإفادة من كلّ الآليات السردية لتطوير نصّها, ودعمها ما أمكن بأفضل الشروط الفنيّة، على ألاَّ تخلّ بالطابع العام حتى لا يخرج النص إلى فن سردي آخر، ولا يُشْتَرَطُ على الراوية الاعتماد على الضمير الأوّل المتكلّم، بل قد تتقنّع بضمائر أخرى تخفّف من حدّة الضمير المتكلّم وانحيازه، بشرط أن يعرف المتلقي ذلك لكي لا تتحوّل إلى سيرة غيريّة، بحيث يظلّ الميثاق التعاقدي بين الكاتب, والمتلقي قائماً ,وواضحاً، كما ترتكز الرواية على آلية السرد ألاسترجاعي التي تقوم بتفعيل عمل الذاكرة وشحنها بطاقةِ استنهاض حرّة ,وساخنة للعمل في حقل السيرة الذاتية , ولعل أهم ميزة عند الروائي (وارد بدر السالم ) , استخدمه تقنية حداثوية جديدة وهي فوبيا الحرب والجسد ولاسيما لانحراف ( نور) المرأة العراقية الشريفة بسب تدمير المجتمع العراقي ومن خلال الأحداث التي حصلت في العراق بعد عام 2..3 ,وهي قضية رمزية , فنراه يقول : وبقيت شفتاها ترتعشان قليلا كورقتي وردة ناضجتين ترددان باشتهاء “سسسكس “! عقدت الدهشة لساني حينما اختلطت المفردة الغريبة على مسمعي , خارجة من شفتين لينتين طريتين بعد الحمام , تمطها مطا بطريقة بطيئة ومغرية , حاملة معها دعوة شبقية مثيرة كما لم تحدث سابقا , في الوقت الذي بقيت فيه مستغرقا بدهشة معقودة بفرح استثنائي لم استطع إخفاءه كثيرا أشعرني بعودة نور إلى الحياة لأنها تجاوزت محنة الشظايا التي كادت تقتلها وعادت إلى الحياة بطريقة رائعة .فعلاقة الجنس / الجسد علاقة رمزية تكشف عن روائي قد إبداع في جرأة الطرح الفكري ,والثقافي , والإيديولوجي ,و الجنسي , والسياسي .
إن ما يميز (وارد بدر السالم) , في روايته ( شظية في مكان حساس ) ممارسة النقد اللاذع في ثنايا الرواية , وهذه سمة نادرة أن يجمع الروائي ما بين الكتابة ,والنقد في روايته نفسها , سلط الضوء في نقده البناء على انحراف بطلة الرواية (نور) الجميلة الملتزمة , عن طريق فوبيا الحرب التي قادتها إلى مستنقع الرذائل , وبيع الهوى ,من اجل علاجها المؤقت من مرضها المستفحل , فنراه يقول: ادخل إلى البيت فتقول لبنى أمي معها الجزار في غرفة النوم منذ ساعتين , تستأذنني نور لدخول قريبها الذي لم أره وتقول أنها دعته لمضاجعتها أنت زوج فاشل لا تنتصب اترك غيرك يزيل خوفي أكرهك الشظية تعذبني , يطرق علي احدهم الباب : من فضلك أريد ان أنام مع زوجتك ومستعد ان أشبعها شهرين كاملين حتى تخرج الشظية من المكان يأتي ميليشاوي مسلح يدفع الباب بعنف ويحتضنها فتذوب بين ذراعيه ثم يحملها إلى غرفة النوم ولا يخرج حتى المساء لبنى أمك مريضة .
إن آليات تشكل اللاوعي الاجتماعي تتمحور حول ثلاث آليات اللغة , المنطق , المحرمات الاجتماعية , بحيث تقوم هذه الآليات بنقل جميع الأفكار, والمشاعر , والأعمال , والتصورات المخالفة , وغير المستساغة اجتماعيا , إلى اللاوعي أو اللاشعور , وتمنع وصولها بالتالي إلى الوعي , أو أن تصبح شعورية ,وربما يكون اكبر دليل على ذلك هو ما جاء ذكره من سرد جنسي فاضح ,وهذا الكلام في عمقه , يضي آفة من الآفات الاجتماعية, والعقد النفسية المستفحلة ؟ فحولة الرجل الشرقي تحطمها المرأة الشرقية صمتا ,وفي الخفاء!وكما شكل الجسد الشهوة ,والرغبة في الرواية على لسان بطلة الرواية (نور) التي ظهرت في مراحل كثيرة من السرد شهوانية ترغب بكل رجل يلتقي بها .
لقد مارس الروائي مهمة النقد الاجتماعي بلهجة لاذعة , وعرض بعض القضايا الاجتماعية المهمة , والعناوين السياسية الرئيسة على الساحة النقدية من خلال ما وراء الجنس وفلسفته الخاصة تجاه الأوضاع السياسية المزرية .