في متابعتنا لما يكتبه القاص والكاتب (مهدي الجابري) من نصوص سردية نجده يجتهد ويثابر في أكثر من نص سواء مايكتبه في القصة القصيرة أو في مساحة القصة القصيرة جدا وفي تلك المتابعة وجدناه يحقق ما نطمح إليه ومانرجوه من متعة فنية جمالية تكون خلاصة العمل الكتابي الذي يتوخى رشاقة الإسلوب وحضور المفردة اللغوية الناجزة فضلا عن الإتكاء على إستحضار كمية من التهكم والفكاهة وربما السخرية اللاذعة الذاهبة بذهن القارئ إلى إعادة شريط ما مرّ به أو عاش تفاصيل لحظاته في مرحلة ما من حياته وفي هذه الإعادة والإسترجاع ثمة ما يساعد ذلك القارئ لأنْ يكون في لحظة تجلٍ مثمر إذ عندها سيكون على عتبة التأمل والتحقيق والإستنتاج ومنها حيث الموقف المطلوب والمراد
وفي تصفح مفردات نص (هَزَليّه) المنشور عبر صفحته في الفيس بوك بتاريخ/13/7/2023 نجد فيه الكثير من ممكنات القراءة الراجحة والتي يمكن التثبت من تحققها من خلال توفر عنصر الدهشة والتي يعتمد وجودها على سلسلة عناصر يجب توفرها حين القيام بإنشاء معمارية القصة القصيرة جدا
ومنها
٠٠٠٠٠٠٠٠: خفة الإسلوب ومثول اللغة ومفرداتها الصائبة في حضورها وأيضا الإعتماد الناجح في تبني الأسلوب الذي يقترب من ذائقة القارئ في التناغم الحصيف أثناء مجريات القراءة والتفاعل فضلا عن الإرتكاز النابه في إستحضار ما هو موروث ثقافيا وإجتماعيا وسياسيا ويعول على الذاكرة الجمعية لأنْ تتبناه في عملية تلاقح وتفاعل وبالتالي يصار إلى الحصول على خلاصة واثبة في التجلي والقراءة وفي إعطاء الرأي
وعند تفاعلنا النقدي مع هذا النص والذي يأخذ من روح القصة القصيرة جدا شكلاً ومبنى نراه نصاً لامحاً يعتمد على تقنية المونتاج السريع وكأننا في أرشفة خاطفة لشريط من الأحداث المتوالية والمتعاقبة
وقد تبدو عتبات النص الداخلية تلك التي ترافدت تباعا(إنقلاب العربه،قطع صيوان الأذن، الإستدعاء للخدمة العسكرية،الإصطفاف بكردوس، خطاب الجلاد، الضحك السري، إنفلات اكتاف الزميل بنوبة إهتزاز مثير) مدعاةً لتراكم ما هو مثير يؤدي بالقارئ الى التحقق من الهزالة بيد أنها هزالة تتبطن بما هو محزن وكأنه في إحالة إلى مايُعرف بالكوميديا السوداء
وهذا الإسلوب الذي يتوخى الرشاقة والضربات السريعة في بناء معمارية النص القصير جدا لهو راجح جدا في عملية التلقي الممتع
وقد نجد في كمية التهكم والضحك التي توخاها كاتب النص (مهدي الجابري) لتكون بين دفات نصه ما يدعم الرأي الذي يقول أنَّ الحديث والتطرق لما هو مثير للحزن والنكد يأتي عبر التداول الآخر والباعث على إشاعة مساحة من المرح وحتى في الوصول إلى حضور كمية الضحك الإيجابي وهذا ما تحقق في الكثير من كتابات الذين نهجوا في كتابة نص القصة القصيرة جدا ولعل أقربهم إلينا زكريا تامر والذي يعد من الرموز الراكزة والتي أسست لمسار هذا النوع من السرد في مجموعته الرائدة (النمور في اليوم العاشر) وإذا ما رجعنا بالذاكرة إلى ما قدمه تراث السرد العربي فلنا أمثلة راهية ثمثلت بمقامات بديع الزمان الهمذاني والحريري فضلا عما قدمه الناثر والرائي الكبير الجاحظ وغيرهم
وقد يتبدى (مهدي الجابري) متواصلاً وعبر نصه اللامح هذا وهو يحاول المثابرة والإستمرار والإحاطة المسبقة بفن كتابة هذا النوع من السرد والإفاظة به والتميز من خلال نصوص عديدة له..
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
قصة قصيرة جدا- هَزليّةْ
مهدي الجابري
حادثة ألمت بي، عندما انقلبت العربة التي تقلنا؛ قُطع صيوان أذني، دُعيت الى الخدمة العسكرية، اصطففنا كراديس، خطب الجلاد خطبته العصماء؛ يقطع أذن كل من يهرب من الجيش! ضحكت في سري حتى اهتزت اكتاف زميلي، من حينها عصيت الأوامر.