– استهلال :
نص جميل مركب من ثلاث مقاطع مترابطة بالأحاسيس والمعنى عنونه الكاتب بأمطار ملونة، لماذا أمطار ملونة ونحن ندرك أن المطر لا لون له؟؟
1- العتبات :
* العنوان : أمطار ملونة
وهو عنوان رئيسي للتركيبة المتكونة من ثلاث مقاطع، أمطار : جمع كلمة مطر : وهو الغيث و المزن المتشكل من الماء النازل من السحب. وقد جاء منعوتا بكلمة ملونة نسبة الى ألوان الطيف.. قد تكون أي لون( أسود، أبيض، أحمر…)
اذن صيغ العنوان كتعريف يبتغي تبيان متن النص، فهل توفق الكاتب في اثارة وتشويق القارئ للمبتغى ؟
2- التركيبات :
* نلاحظ أن الكاتب هو سارد عليم للنص، وبالتالي يمكن استقراء شيء من الذاتية المتفاعلة مع أحداث و حبكة النص.
* نلاحظ أن الكاتب لم يضع عنواين فرعية لكل فقرات التركيبة، بل اكتفى بترقيمها تصاعديا ( 1-2-3)
* الملاحظة الثالثة : هناك أيضا تسلسل ترتيبي من حيث الفضاء والزمن وحتى من حجم الفقرات، تبدو الفقرة الأولى كنص متكامل بمقاطع أكبر حجما من الفقرة الثانية ثم الثالثة.
*الملاحظة الرابعة: كل الفقرات ممكن أن تشكل لوحدها ق.ق.ج ولا يؤثر ذلك في تكاملية النص.
3- الأحداث :
* الفقرة الأولى ( لون المطر الأبيض ) :
يبدأ النص بذات شتاء، أهدتني أمي قطعا من الحلوى.. وهي صورة استرجاعية لنوستالجيا الطفولة و مرحلة التمدرس، وما يتخللها من برد و زمهرير و رحلات مكوكية مشيا على الأقدام للتحصيل الدراسي.. فلماذا ياترى أهدته قطعا من الحلوى؟ ولم تزوده بسندويتش أو أي مأكل آخر يلبي له حاجاته اليومية بين الحصص كما تفعل الأمهات في غالب الأوقات؟
تساؤل نستشف منه أن الطفل الذي ربما هو وحيد لأمه يعاني مرضا أو حالة أخرى ربما تكون التنمر من أقرانه، لذلك اهتدت الأم الى فكرة اهدائه قطع الحلوى لما لها من حمولات استعطافية بالنسبة للأطفال، فما كان منه الا أن ملأ بها حقيبته المدرسية، حتى يتسنى له مهادنة المتنمرين عليه.. وأوصته بصرفها بحذر كأن يوزعها بالتساوي على من يسببون له المتاعب، فلا يقف وسط الطريق لا هو قادر على المواصلة ولا هو قادر على الرجوع..
لكن لسوء الحظ يخبرنا السارد أنه لا يتذكر( او لا يريد التذكر) كيف صرفها ! كل ما يذكره بعد هذا الوقت هو صورة أمه التي توفيت معلقة على الجدار، والحقيبة المدرسية مختبئة في مكان ما..
ترى هل أسعفته الحيلة في تجاوز مطبات المشاكل التي عانى منها في طفولته؟ بالتأكيد لا فقد ازدادت شراهته لازدراد الحلوى مما أدى الى بدانته وثقل خطواته نتيجة تراكم أحزانه ووحدته..
الفقرة الثانية وهو ماسنطلق عليها لون المطر الأسود جاءت كتكملة للفقرة الأولى بنظرة تشاؤمية وارهاصات انفعالية سوداء، فالحقيبة التي فرغت من الحلوى واختبأت خجلا، وتلاشت ابتساماتها لم تعد تف بالغرض ( ربما لكبر سن البطل ووصوله المرحلة الجامعية، لذلك كان لزاما البحث عن طريقة أخرى لوضع الحلوى، فكانت جيوب البنطلون الأمامية هي المكان المناسب لذلك. وبطبيعة الحال حجمها لن يف بالغرض فسيظطر للبحث بالجيب الخلفي..لكن مرة أخرى ستكون الحسرة والخيلة ملاحقة له، وسيصاب بلعنة النكسات..
الفقرة الثالثة او لون المطر الرمادي
وهنا وبمتن أشبه بالقفلة العجائبية يلخص لنا الكاتب صيرورة حياتية منذ الطفولة الى الكهولة في تصاعد دراماتيكي ينهل من التراجيديا الانسانية حيث الوحدة وفقدان الأم و المرض والسمنة، سيعجلان برحيله نتيجة الاكتئاب الحاد والمزمن، فقد فقدت الحلوى للابد و شبح صورة الأمل لم يعد معلقا بالجدار بل أصبح حرا طليقا يتجول بين أركان البيت…
4. الخاتمة
تركيبة ثلاثية عميقة بايحاءات مرمزة، تنقلنا في ترابط متماهي مع الأمطار وتدرج تشكيلي للالوان المعبرة عن العمر، أجادت تلخيص معاناة فئة من المجتمع ( مرضى البدانة والسكري، والذين يتعرضون للتنمر. فتصبح حياتهم حبيسة جدران البيت وحنان الأم والتي اذا فقدت ينهار البنيان و تنتهي الحياة بالنسبة لهم.
* النص :
أمطار ملونة
1- ذات شتاء، أهدتني أمّي قطعاً من الحلوى ،ملأتْ بها حقيبتي المدرسة ،وأوصتني ان أصرفها بحذر.كي لا أقف وسط الطريق دون حلوى .
لم أعد أذكر كيف صرفتُ قطع الحلوى ، فكل ماأذكره ، ان صورة أمّي مازالت معلّقة على الجدار، ومازالت حقيبتي المدرسية ،مختبئة في مكان ما ، لكن خطوتي اليومية، أصبحت أكثر ثقلاً ، رغم إني التهمت الكثير من قطع الحلوى ،دون حذر.
2- بعد أن تلاشت الابتسامات ، المحيطة بحقيبتي ،مدّدت يدي الى جيبي الخلفي ، لعلني أعثر على بقايا من الحلوى ،مازالت مخبّئة منذ شتاءات راحلة .
3- كانت صورة أمّي ، وحدها تتجول بين الجدران ، لكن يدها لم تكن تحمل قطع الحلوى