ينفرد النص دائما بكينونته من أجل الدخول الى عالم الانبهار والتجلي والموائمة مع الواقع، فمهما يكون الواقع ومع كل اختلافاته لابد ان تكون كتابة النصوص الادبيةفي مكانها ومحورها الصحيح، فالواقعية بتعبيرها العام هوتصوير الانسان لكل مكونات الطبيعة والتفاعل معها والاشتراك بالجزيئات والتفاصيل والاشياء والانسان مع الحياة اليومية، وشاعرنا عدنان الصائغ اتخذ من الواقعية منطلقا لشعره، وخصوصا في ديوانه هذا، ولا ننكر انه تشبّع في اصول القصيدة الواقعية وروادها لا الحصر كالبياتي وبدر شاكر السياب واودينس وعبد الرحمن شرقاوي وغيرهم، الصائغ كان ومازال غريبا عن وطنه الذي عاش فيه فترة قصيرة، ومما لاشك فيه بانه النورس المهاجر الدائم الترحال، ورغم تنقله من بلد الى آخر لكنه يحمل حب الوطن في قلبه وروحه متحسسا آلامه وذكرياته واوجاعه، ديوانه هذا تأبط منفى كانت طبعته الاولى في السويد والثانية في دار آفاق — القاهرة عام/٢٠٠٦، ثم الطبعة الثالثة عام ٢٠١٥، ويسعدني كثيرا أن اكون مرة اخرى مع هذا الديوان الذي مرت عليه اعوام عديدة، بكل ماتحمل من الارث الادبي والمعرفي، بعد أن كتبت عن ديوانه العصافير لاتحب الرصاص، الصادر في ثمانينيات القرن الماضي، قلت في قرارة نفسي أن اطالع قصائد هذا الاصدار الرائع على الرغم من تعدد ووفرة النصوص الادبية سأقف على بعضها واكون مع الاخرى في المرة الثانية بأذن الله، احتوى الديوان على(١١٦) نص شعري بالاضافة الى قصائد لشعراء وادباء ومنهم عبد الوهاب البياتي ود. عبد العزيز المقالح، وعلي الدميني، وعبد الرزاق عبد الواحد والشاعرة ماريا ليند بيرغ، وقصائده هي ( تأويل، العراق، قادة، درس في التاريخ٢، علو، الاسكافي الكهل، فضول، عابر، أُلفة، حنو، العبور الى المنفى، أوراق من سيرةتأبَّط منفى، بوصلة،، وغيرها من القصائد المفعمة بالامل والحب والواقعية التي رسمها لنفسه شاعرنا الاستاذ الصائغ، لنقف وبكل عنفوان أمام هذه القصائدونقرأمنها اجمل الكلمات مثلما تستنشق الفراشة عطر الزهور لجلب رحيقها الى الخلية المنتظرة ففي قصيدة، تأويل يتكلم شاعرنا الصائغ عن نفسه بكل قوة امام من يقف حاجز عن اطلاق كلماته وصيرورتها الابدية ليقول/
يملونني سطوراً
ويبوّبوني فصولاً
ثم يفهرسونني، ويطبعوني كاملاً
ويوزعونني على المكتباتِ
ويشتمُونني في الجرائدِ
وأنا لم افتحْ،
فمي
بعد
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ويتكلم مع ذاته بمؤاخاة ابدية يعشقها ويحبها ليقول/
أَطرقُ باباً
أفتحه
لا أُُبصرُ إلا نفسي باباً
أفتحه، أدخل، لاشيء سوى بابٍ آخر
ياربي كمْ باباً يفصلني عنّي
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الاستاذ عدنان الصائغ يحب العراق، بل ينزف دماً من أجل حب هذا الوطن الذي عشنا فيه بكل أوجاعه وآلامه ومستقبله /
العراقُ الذي يبتعدْ
كلّما اتسعتْ في المنافي خطاهُ
والعراقُ الذي يتَّدْ
كلما انفتحت نصفُ نافذةٍ
قلتُ :آه
والعراق الذي يرتَعدْ
كلّما مرَّ ظلٌ
تخيلتُ فوّ هةً تترصدني، أو متاه
والعراقُ الذي نفتقدْ
نصفُ تاريخه أغانٍ وكُحْلٌ..
ونصفٌ طغاة
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وفي قصيدة سهم يقول/
لحظةُ الانعتاق الخاطفةِ
بماذا يفكَّرُ ألسهم، بالفريسةِ
أم… بالحرّيةِ
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ومن قصائده القصيرة التي يرسم بها بانورما الوطن والحياة وواقعها المؤلم نقرأَمنها
(وجبةٌ)
الجوع يمدُّ مخالبه في بطني
فألتهم أوراقي
وأمشي…
واضعاً يدي على بطني
خشية أن يسمع أحدٌ طحين الكلمات
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(معادلة)
أنزل، أو
فأصعدْ
_لافرق _
أيّان تجوبْ..؟
القمَّةُ..
بئرٌ مقلوب
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الاسكافي الكهل
جالساً، على الرصيف
أمام صندوقه، يرنو
لأيامه التي
ينتعلها الناس
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الديوان يستحق القراءةرغم مرور الزمن الطويل عليه مع ان شاعرنا الصائغ يتجدد دائما الا إن قصائد هذا الديوان بالذات لها نكهة رائعة وميثولوجيا انسانية كبيرة اختصرت كل ابعاد الوجود الزمكاني المطلوب، وستكون لنا وقفة اخرى معه، ونقول للصائغ الجميل إننا معك رغم مرارة البعد. والفراق عن هذا الوطن الذي يحبك.