“في مدينتي تنزل الملائكة كل يوم لتسمع أنين الأطفال الجائعين والمرضى ” ص30
هذا الحالم والسارد الذي جعل معظم قصصه التي كتبها في مجموعته التي تحمل العنوان ” الكلب الملاك ” والصادرة عن دار نشر ” ميزوبوتاميا ” في بغداد .شارع المتنبي .وتضم ثلاثة وعشرين قصة .وقد كانت لوحة الغلاف للفنان العراقي المغترب “ستار كاووش” .
” الموت أو الجوع كلاهما واحد يخطفان الجميع دون تمييز أو استثناء ” ص40
في مقدمة الكتاب التي أخذت منحاً تراجيديا والتي يقول فيها الكاتب “خضير ميري ” في بلد لا تخلو حياته اليومية من سريالية دموية وغرائبية مقرفة ومن حياة شائكة لا يميز فيه المرء بين رأسه وذيله من شأنه أن يهدم الجنسانية البايلوجية منها والأدبية .
تشدك وتأخذك الى بؤر كثيرة ومن الصعب الخوض فيها ، الا من يتمكن من ادواته القصصية المطعمة بالفلسفة التي إشتغل عليها وجعلها دروسا وعبراً لهؤلاء الطامسين بالرذيلة والجاعلين الحياة ظلاماً .فهو دائم الحراك ليتنقل في قصصه إلى عوالمه التي جعلت منه منفتحا على لعبة الخير والشر في هذا العالم .
“أنا متأكد من أنه ليس حلماً بل هذا هو العالم الذي يتحدث عنه الفلاسفة ” ص29
فالقاص ” صفاء سالم ” رسم معالم مجتمعه بطريقة مختلفة عن بعض من مجايليه عبر رؤيا اختزلها في هذه القصص والتي سادها بعض الغموض والرموز وبعض الشفرات التي أدخلتنا في غياهب هذا الوضع الذي يعاني منه الآخرون .
وفي تقديري الشخصي ان جميع حكاياته ذات مغزى اخلاقي يوجهه إلى من يتولى المسؤولية، ويتخيل ما حدث لبلاده في وسط هذه المعاناة .
الصبح لأنه أراد النصح لهذا الكائن المدعو ” بنو آدم ” مع أن هناك صور تمتاز بالغرائبية التي تظهر مفاجئة والتي لا تخلو من ظلال كافكاوية حين يتحول البسيط والعادي إلى مرعب .
“بداية ليل جديد ، يتسلق الظلام جسد المدينة ، ويخلق لونا آخر من الوان الحياة ، ويخفي اشياءا كثيرة ،ودموعا أكثر ، ولتبدأ مراسيم كثيرة سواء للخير أوالشر . من قصة ” نباح الكلب “
يقول الكاتب ” خضير مري “في مقدمة الكتاب عن الكاتب ودوره في الإبداع العراقي .
” لا بد من الإصغاء إلى الكلب الملاك ” والعناية بها لكي نتأكد من الإبداع العراقي مازال بخير وأن الظروف الصعبة لا يمكن لها اغتيال كاتب مبدع بإمكانه أن يدلنا على موهبته بسهولة ويسر “ص13
ولهذا نجد في هذه القصص ” نيرون في بغداد ، الشيطان ، ملائكة ، فقير ، مدينة وحب ، التراب الأسود ” وغيرها هي مجموعة من الإلتقاطات التي أرادها القاص لتكون معبرة ومساهمة في تفعيل اليومي من ما يمر به الإنسان العراقي .
والتي كتبت بلغة شعرية مكثفة تمس شغاف القلوب ، وحتى يعي دوره في هذه الحياة .كما يؤكد “مري ” هي مزاوجة ضدية رائعة بين صورة الكلب وصورة الملاك في ذاكرتنا الجمعية التي هناك اليوم . فتظل هذه القصص شاخصة حتى تكون دالة للواقع المعاش ، وان جميع شخوصه هي التي جعلت العمل الفني مؤثرا وذا تأثير على ذواتنا .
” تحت سماء خوفي ، ألف ألف كوكب ، تدور حول قلبي الذي يدق مضطرباً بشكل دائم ولا يتوقف عن الاضطراب ، ولا يعلمون سببا لك ، ولن يعرفوا السبب ما دام في هذا العالم فقير ” ص28
وفي وسط الفوضى السياسية التي نعيشها اليوم وندفع ثمنها لها ، إشتغل بدقة عبر مجموعة قصصية تحمل من الأنين والوجع اليومي الذي عاشه ويعيش معه الكثير من أبناء هذا العالم ، ليطرح عدة أسئلة ليقول لنا ويمزج الموضوعي بالحياتي بالكوني الخاص بالعام ،
” الصبح الذي لا يعطيني شمسا لا ينتمي إلى الوجود ، الرحلة طويلة ونحن بحاجة إلى ثمار الأشجار وأوراقها وهي تصعد إلى الأغلى لتعلن عن جمالها للجميع ” ص40
كما يؤكد المرحوم الكاتب ” خضير مري “والذي أعرفه جيدا لا يجامل في الكتابة ويطرح رأيه بكل مسؤولية وانضباط وهو دائم التساؤل حول الكتابة وفلسفتها ، فلهذا خط مقدمته الرائعة والتي ربطها بمفهوم القصة القصيرة جدا والعلاقة الملتبسة بين النص النثري وبين الانزياح الشعري وأحياناً الانزياح التأملي وبين الصراط السردي المستقيم إذا جاز التعبير كما يقول الذي اعتدنا عليه في المتن السردي الأكبر للرواية أو للقصة القصيرة المعتادة ، إنها تزاوج بين العوالم المختلفة للمسرود القصصي .
” لا يوجد سوى ظلام دامس ، فتحسست وجودي بأصابعي ، حتى لا مست جسداً من حديد ، وبعد ان مسكت كل إطراقه تبين لي أنه شباك … “تخيل ” ص34
ان الكاتب “صفاء سالم اسكندر “هو من الكتاب الذين يمتلكون موهبة متميزة ، وقصصه تجذب الانتباه فقد كتبها بلغة معبرة ومعمقة وذات منحى فلسفي. نأمل منه المواصلة لغرض ان يدلنا على موهبته بسهولة ويسر ويكشف تلابيب حجمها الحقيقي عبر أسلوبه السردي الجذاب .