صدر مؤخرا” دروب النرجس” قصة للأطفال للشاعر والكاتب فؤاد حمدي عن دار نقوش عربية وهي تجربة يخوضها الكاتب -الشاعر ضمن النصوص الموجهة للطفولة تحت مسمى أدب الطفل تنقل من خلالها بالمكان الذي اختاره ليمرر رؤيته وتصوره لطفل اليوم وعالمه بعيدا عن عالم الحيوان المستهلك وثنائيتي الخير والشر والعالم العلوي العالم السفلي وكل ما هو ملائكي نقي مقابلة بالشيطاني النجس نص ارتبط فيه وبه الكاتب بيئته بموطن يمثله يَسْكُنُهُ يُعَبِّرُ عَنْهُ وعَنْ دَوَاخِلِهِ وَأَطْفَالِ يَعْرِفُهُمْ أَبْطَالُهُ رَآهَمْ وَيَرَاهَمْ كُلِّ يَوْمٍ.
تحرَّك الكاتب ضمن هذا النص الإبداعي بمعجم متني قصصي خاص وبأطفال مساهمون و ناشطون و مؤثرون في محيطهم. هذا المحيط – المكان حكمته جدلية الأزمنة الثلاث الحاضر كواقع مقلق لكن معتزون به وماض مشرف
ومستقبل يرسمه بأحلام بسيطة لكنه سيغيره للأحسن
. الطفل في البناء السردي:
للكاتب مدخل خاص في كتابة قصته” دروب النرجس” ألا وهو جعل الطفل- البطل محور العمليات والأحداث بل محركا لها مؤثرا فيها .وهذه الفكرة الجوهرية والرئيسية التي اشتغل عليها الكاتب أعطت قيمة مضافة للطفل- القارئ
و أخرجته من زاوية الطفل الذي يتربع أمام المؤدب ليتلقى الرسائل المراد إبلاغها و إيصالها فيكون مستهلكاً سلبياً ليقلد الطفل- القارئ الطفل – البطل و أن يتحول إلى ملهمه و مثالاً يقتدي به في مسيرته التعليمية و الحياتية
إن الطفل ومن ورائه أطفال القرية كانوا فاعلين مؤثرين و فارضين تصوراتهم حتى انخرط الأهالي في هذه الأحلام وساهموا في تحقيقها وتحققت نظرا لان الحلم جائز وتحقيقه ممكنا .وقد حققوا العديد من الأحلام التي خالجتهم والتي فرضت عليهم بمثابرتهم وعزيمتهم والعمل الجماعي المثمر فكان الجسر وهذا الوادي- العفريت الذي يعيق تمدرسهم وهم مشدودون للدراسة وعالم المدرسة والفصول.
ثم كان المنتزه لتحويل مكان الدراسة والنهل من المعارف والعلوم مكان يروق لهم عبر تساؤلات تمكنت من الطفل إذ يقول الكاتب “يتابع ما جد الأخبار حول حملات التشجير والنظافة والصيانة للمؤسسات التربوية ويتساءل في سره لما لا تكون مدرستنا أجمل؟ لما لا نحولها إلى فضاء يطيب فيه البقاء فنحن نمضي أغلب ردهات اليوم في محيطها ؟هل من الصعب تحويلها إلى منتزه جميل؟”(1)
لتنطلق الفكرة وتكون محل نقاش وتشاور مع أ قرانه ثم كان المنتزه واقعا ملموسا ليتحقق بعده الحلم بالمسرح الذي أنجز وفي كل مرة تفرض الفكرة والإيجار على الإطار المدرسي فيقع التعاون والتشجيع بل قدموا المساهمات المالية في حين الأهالي ” شرعوا في جلب الحجارة وتطوع بعض الآباء البنائيين للإسهام في البناء وأصبح حضور الأمهات يوميا يجلبن الأحجار والماء ويعددن الطعام للمتطوعين”ص(2)
كما تواجدوا في المحافل الخاصة وكانت لهم الكلمة والفعل والطرافة والإضافة ففي “زردة الولي الصالح” أنجزوا برنامجا ثقافيا احتوى على دورة كرة القدم ومعرضا ضم الأواني الفخارية والأنسجة والأكلات التقليدية ومسابقة في الرسم وفي الألعاب الشعبية ولهذه الطفولة عالم المرح والألعاب عندما تغلق المدرسة أ بوابها كلعبة كرة القدم والبحث عن أعشاش الطيور وجمع التوت والسباحة في البرك.
والتدرب على الحياة العملية عبر وقوف أحد الأطفال لساعات وساعات على جنبات الطريق لبيع أرغفة الخبز مساعدا أباه في ذلك بل ويتفنن في البيع وتقديم مادته إذ يقول “وقد حذق فن البيع فقد اختار منعرجا يخفض فيه السواق سرعة عرباتهم كان يشير إليهم ملوحا برغيف مرددا جملا طريفة” هي تذوق خبز الجبال تذوق خبز الرجال” أو” خبز الجبال للصحة والجمال ” (3)بل وكان سفيرا مفسرا مكونات الخبز وكيفية تحضيره وعارضا لثراء جهته الطبيعية حتى كان حديثه مع الطفل الذي تفاعل معه ليثمر هذا التفاعل زيارة صديقه وأصدقاءه والمعلمون” محملين ببعض الهدايا”
2- المكان وجدلية الأزمنة الثلاث:
كانت المناطق القاسية في الشمال الغربي من البلاد التونسية هي مجاله الحيوي وهي إطاره المكان الذي استوعب أحداث قصته ” دروب النرجس”
المكان: المدرسة، القرية، والغابة يتأثر هذا الثالوث بالطبيعة كطقس وكحيونات وكثروة غابية متناثرة هنا وهناك.
ففي فصل القر المرعب المدرسة تغلق أبوابها وتصبح الطرقات عائقاً أمام وصول وتوفير مستلزمات الأهالي وتموت المواشي. كما يقلق الحيوان سالكي الطريق من التلاميذ الصغار كالخنزير والثعالب بل يهدد حياتهم في بعض الأوقات.
أو تكون له فوائد عديدة كحيوان يقاسم الأهالي بيوتهم المتواضعة ويوفر لهم الحليب ومشتقاته ولنقل الحطب أو تدريب الأفراس على نغمات المزمار والطبلة في الأعياد وفي الزردة وللغابة والجبل فوائد جمة وثروات نباتية وأشجار مهمة
وقد عدد منها الكاتب، فكانت السنديانة والزان والكستناء والصنوبر الحلبي والفلين والذرو والنرجس البري وتوت العليق والإكليل وفي علاقة جدلية يقول عنها الكاتب ” تعود السكان على العيش هنا فآلفوا الغابة وآلفتهم وأصبحوا جزءا من هذه المنظومة الطبيعية.”( 4 )
ولتحسين هذه الظروف عمد البطل وأحلامه إلى تغيير واقعي ومحيطه بدءاً بالمدرسة فكان المنتزه و المسرح ثم بالقرية وطريقها كان الجسر الذي بدأ بفكرة وحجارتين وحادثة صديقه مروان الذي كاد أن يموت لو لا شجاعة أقرانه ومخاطرتهم لنجاته وفاعلهم في الاحتفالات بالزردة و تقديم قريته وجهته كوجهة سياحية للعابرين بقربها وهو يبيع الخبز وقد نجح في ذلك إذ زارها ر ذات يوم جمهور من التونسين بعد أن تواصل البطل مع صديقه الذي وقف ذات يوم لشراء ما يبيع البطل.
كما تحدث الكاتب عن حاضر القرية ومآسيها وأفراحها وأتراحها كان للماضي وصفحاته المنيرة عودة تشحن الذات وتقويها لمواصلة المشوار والمسيرة وقد ذكر الكاتب محطتين هما صمود أهاليه وأجداده ضد المستعمر الغاشم ومعركة المريج في شهر ماي سنة 1956 وسقطت شهيدا المناضل خميس الحجري يقول الكاتب ” يختزن ماجد في وجدانه الكثير من تاريخ هذه الجهة معتزا بمواقف جدوده الذين صمدوا في وجه المستعمر” (5 ) وفي وجه الطبيعة القاسية ولم يغادروا قريتهم
وما قيل بين الأسطر للدرس هذه الطفولة الحالمة التي استطاعت تغيير حاضرها مستمدة القوة من ماضيها فالأكيد ستنتصر بالعلوم والثقافة ويعودون كوادر للنهوض بهذه القرية وتحويلها إلى جنة حقيقية فرغم هذه القسوة والظروف والناظر إليها في فصلي الربيع والصيف يراها جنة كما قال أحد المارة ” ابتسم الطفل في خجل وكيف لا تعجبني إنها الجنة بعينها خضرة دائمة وهواء نقي وغذاء سليم”( 6 )
3-المعجم المتني القصصي
أ-المعجم اللغوي:
نظراً للنص السردي المرتبط جوهريا بالوصف وتدقيق الحالات الحياتية والوجودية، فقد تنقل الكاتب بين أبطاله واصفاً لذواتهم ولأفعالهم، فوصف الذات والحال ارتبط بمعجم لغوي فرضته الطبيعة على الكاتب وقد عدد منها حتى تحسبه من البناء القبلي للنص بمعنى اختيارا منهجياً ولغويا.
فهذا الطفل أحس انه ينطلق كطائر البرني والناس تسير في حياتهم اليومية كسيلان الماء المتفجر من العيون أو ينمو الحلم كشجرة الزان أو كالسرخس أو عندما يقول :
“ينطلق ماجد عبر الغابة مع أترابه الذين يخرجون من هنا وهناك كطيور الحجل تغادر أعشاشها في وجل يجتمعون وينتظرون من تأخر منهم “(7) أو تشبيه الوادي بالعفريت المستلقي، وأمام تكتل الأطفال وعملهم كفريق وتحديهم الصعاب، وهم في وحدتهم أقوى شبههم الكاتب كالحزمة التي لا تكسر..
وتحقيق الحلم في مقارنة إبداعية يقول عنها الكاتب :” كان مجدي يقضي ساعات طويلة يراقب عمل المتطوعين لبناء الجسر وهو يرى حلمه كنبتة لبلاب متسلقة تمد أغصانها في كل اتجاه وتورق لتظل المكان وتجعله خميلة غناء”(8).
ب-المعجم النباتي والغابي:
تحرك الكاتب فؤاد حمدي ضمن أرضية فكرية وإبداعية خاصة كان وفيا لهذه التربة المعطاءة بأن كتب عنها هذا النص السردي وأعاد لهاالاعتبار أولا وثانيا توجب على القارئ أن ينخرط ويتابع خيوط القصة وتمظهراتها ومكونات هذه الخيوط التي ارتبطت جوهريا بالمحيط الطبيعي والثقافي لهذه القرية.وقد توزع معجمه على الثروة الغابية والأشجار التي تتواجد وتكون الغطاء النباتي للغابة موضوع النص السردي وقد ذكر عديد منها وهي فرصة للطفل- القارئ ليكون زادا ثقافيا مرتبطا بعالم النبات والثروة النباتية كشجرالزان والصنوبر الحلبي والفلين والذرو بل وتعداها الى استعمالات هذه الأشجار “فهذه السنديانة الضليلة التي يقشر لحاؤها ويجمع وينقل إلى المصانع ليحول إلى منتجات كثيرة كسدادات القوارير والألواح العازلة وتلك شجرة الزان التي تلامس السحاب ارتفاعا وتعمر أكثر من مائة سنة، ويصنع من خشبها الصلب القوي عوارض سكك القطار ومراكب الصيد. وهذه شجرة الكستناء تنتصب شامخة، وفي الجهة الأخرى تنتشر أشجار الصنوبر الحلبي التي يتسلقونها للظفر ببعض حبات البندق”(9). كما ترخص لهم إدارة الغابات، نقل حزم الحطب بقوانين وشروط حفاظا على هذه الثروة الغابية التي توجب العمل على حمايتها من الإندثار والفناء..
وقدم الكاتب مثال لأحدى الأشجار التي توجب العمل على ضمان تكاثرها وإيقاف نزيف اختفائها يقول الكاتب :”وفي أركان الساحة نغرس أشجار القسطل ذات الثمار ا لطيبة حتى نضمن تكاثرها فقد بدأت بالاختفاء من غاباتنا”(10)
كما راهن على لعبة الألوان وهو يتنقل بين الفصول مستحضرا مقولة “تونس الخضراء” رافضا عبر أصوات الأطفال النفايات إذ يقول :”لم لا تصبح بلادنا كلها خضراء تكسوها الأشجار والأزهار أليس اسمها تونس الخضراء؟ متى تختفي أكوام النفايات التي انتشرت في كل مكان؟”(11).
ولكل فصل ألوانه الغالبة التي تحدث عنها الكاتب بجمالية وريشة كاتب فنان فقال هنا صفحة 7″ وتتغير خلفية الصور من صفرة الأوراق خريفا وتحولها تدريجيا إلى اللون البني والترابي “و هناك في فصل آخر يقول صفحة 7” تتوج السحب قمم المرتفعات ويتسرب الضباب إلى المنخفضات ويبدأ موسم الثلج وتتغير الألوان إلى البياض المخلوط بخضرة نظرة”(12).
ج- المعجم الثقافي والحضاري:
استوطنا هذه الجهة من البلاد التونسية الإنسان إذ وجد فيها ثالوث الحياة المقدس الماء والمرعى والأمن فبنيت المنازل والدور وقد راعت قساوة الطقس فالتجؤا للقرميد الأحمر لمنع تراكم اثلج ويوفر البرودة صيفا والغرف بنيت بالحجارة التي تجلب على ظهور الحمير لتتكون قرية لها عادتها وتقاليدها وخرافاتها فلكل عرش وليه الصالح الذي ينسجون حولهم الأساطير والخرافات
كما قال الكاتب ويجتمع الرجال تحت السنديان الكبيرة يلعبون ” الخربقة “كلعبة شعبية ويتبادلون الحديث حول تجارتهم وفلاحتهم بحكم عيشهم كما يقول الكاتب “الصفاء والعذوبة” ولهم عالم الاحجيات والحكايات المتوارثةكحكاية “علي بن السلطان” و” ودعا و أخواتها السبعة” أما في ليلة الزردة هذا المهرجان الذي حافظ عليه الأهالي بل طوروه وتجاوزوا المظاهر والطقوس الغريبة التي قال عنها الكاتب :” و قد يعمد البعض لقضم الصبار بشوكه و شك الابر الحادة في أجسامهم أو التهام جمارات الفحم الملتهبة”(13)
فيذبح العجل ويقسم لحمه للفقراء نصيبهم وللبقية نصيبهم وتقليد زيارة المقام وإقامة الحضرة وسوق البيع والشراء وألعاب الفروسية وغيرها
ليكون التفل القارئ أمام نص يغريه في البحث بعد قراءة فاتحا له عدة مجالات التمعني ومواصلة الإبتلاع والإنفتاح
الحلم ولمزيد العمل على تحقيقها حاضرة الفنون كالمسح وحاضر عالم الكتاب وحاضر درس الإخاءة والتضامن والكرم بين ابناء تونس الحبيبة وعدد مواضيع وزبايا نظر أدى عليه الكاتب في نصه دوروب النص
ختاما
إن نص “دروب النرجس” لصاحبه الكاتب فؤاد حمدي سياحة بيئية وثقافية وحضارية وتاريخية لامس فيها الكاتب العديد من الإشكاليات الهامة ليكون الطفل –القارئ أمام نص يغريه للبحث بعد القراءة فاتحا له عدة مجالات للتمعن ومواصلة الاطلاع والانفتاح على جهة بوطنه الحبيب ثرية ثراء اللغة التي اعتمدها الكاتب حاثا الطفل للإقتداء بالبطل لمزيد الحلم والعمل على تحقيقه .
حضرت الفنون كالمسرح وحضر عالم الكتاب والمطالعة وحضر درس الإخاء والتضامن والكرم بين أبناء تونس الحبيبة وعدة مواضيع وزوايا نظر أتى عليها الكاتب في نصه “دروب النرجس”.
الاحالات:
1-دروب النرجس – دار نقوش عربية طبعة الاولى لسنة 2022 ص( 14 )
2-نفس الكتاب ص(20)
3-نفس الكتاب ص (24)
4-نفس الكتاب ص (6)
5-نفس الكتاب ص(13)
6-نفس الكتاب ص (25)
7-نفس الكتاب ص(10)
8-نفس الكتاب ص(12)
9-نفس الكتاب ص(6)
10-نفس الكتاب ص(15)
11-نفس الكتاب ص(16)
12-نفس الكتاب ص(7)
13-نفس الكتاب ص(20)