هذه كتابتي الثانية عن الروائي الفلسطيني الحبيس باسم خندقجي.. الأولى كانت مع رواية (خسوف بدر الدين).. العنوان(مسك الكفاية) يُحيلني إلى(سقف الكفاية) رواية محمد حسن علوان الذي كتبتُ عن روايتين له قبل سنوات(القندس) و(موت صغير) وتنزهت في (سقف الكفاية) لكن تأجلت الكتابة عنها إلى وقت تومض درجة اتقاد الكتابة عنها
(*)
في (مسك الكفاية) ص205 / -4/ يأتي الفارس الذي ترتقبه حبيبته، ثم هي تخبرنا(أردفني خلفه متنها، فلم تمنعني دهشتي من عناق خصره الدافئ والصلب..) في مثل المشهد وبتوقيت الفجر أيضا، وفي ص12 من رواية(خسوف بدر الدين) نقرأ الكلام الآتي(فأمتطى جواده، ثم أردفها..) وفي ص13 من (خسوف بدر الدين) يخبرنا السارد(فصممت تلفُ بيديها النحيلتين خصره الصلب الدافئ)
(*)
زمن رواية( مسك الكفاية) يعلن عنه السارد في ص202(أول أيام شهر ذي الحجة من عام خمس ٍ وأربعين بعد المئة الهجري الأولى)
(*)
ما كتبه الأستاذ محمود شقير كمقدمة للرواية تحت عنوان(هذه الرواية.. هذه الخيزران) مقالة جميلة تصلح للنشر خارج الرواية، أما داخل فهي للأسف توجز للقارئ أحداث الرواية، وتجعله يكتفي بالمقدمة ليتشدق بقراءته للرواية. عبر أكاذيب قنوات التواصل وفي المحافل الثقافية. .ثانيا هذه المقالة تؤثر سلبا على القارئ النوعي كنت أتمنى لو أكتفى الأستاذ محمود شقير من ص12 بدءاً(فنحن أمام تجربة روائية لافتة للانتباه …. إلى نهاية الصفحة)،وجعلها على قفا الكتاب. لكانت محفزا كبير للقراء
(*)
السرد مشطور بطريقة المونتاج ينتقل بين زمنيّ :
(1) زمن تهجير المقّاء بنت عطاء بن سبأ إلى بغداد سبيّة ً إلى بغداد الخليفة المنصور
(2) زمن خلافة المهدي ونهايته
(*)
الشخصية المحورية: هي الخيزران. وهي منذ طفولتها طفلة ٌ ملعونة ٌكما شخصت أمها موضع اللعنة(لعنتك في طلّتك وممشوق قوامك/14) ..( جمالك فتنة وطولك لعنة / 21) وتشخيص الأم زاد الطفلة ً نرجسية ً(كنت أمتلئ غروراً بخشيتها من جمالي).. وتستعمل الأم مكراً لغويا حول جمال ابنتها، لتقر البنت في البيت(أنت راعية البيت في غيابنا، جمالك بركة البيت.. لا نريد منك شيئا أكثر من هذا../15) وهنا الأم تجعل نرجسية البنت غزيرة ً. وما البنت إلاّ وريثة الجمال من(امرأة تهزج بالفتنة والجمال)..في هذه اللحظة تجري أحداث الرواية في زمن الخليفة المنصور العباسي. كيف تسبى هذه الطفلة وهي المسلمة أبنة المسلمة والمسلم..؟ وكيف بقوة السيف تتحول البنت المسلمة إلى سبية ثم إلى جارية من جواري الخليفة المسلم..؟
(*)
الطفلة في الهجوم الأول: هدية حسب مخاطبة أمير الجند العباسي للطفلة وهو يرفع رأسها(بيده الملطخة بالدماء: أنت ستكونين هديتي إلى مولاي الخليفة/18) ويختلف التوصيف حين يخاطب أمير الجند العباسي أحد جنوده بخصوص الطفلة ذاتها : (عبدالله، ضع هذه النعمة بالعربة) وفي اللحظة ذاتها ستكون مخاطبته للطفلة تمام الاختلاف حسب ما تخبرنا هي (يرفسني بقدميه بعنف: هيا يا جارية…) المضحك المبكي أمير الجند العباسي يكيل بمكيالين، ويحق له أن يرفس النعمة!! وها هي الطفلة تتدرج : هدية للخليفة —— نعمة —- جارية.. وحين يباغت الأعراب قافلة أمير الجند ويقتله فارس مقنع تصبح الطفلة : غنيمة. للمقنّع الذي أعلن لجماعته (هذه عباءتي عليها.. لا يمسها أحد/ 25)
(*)
في الفصل الثاني من الرواية. يقفز السرد من الخاص إلى العام ويكون هنا سارد ثان بوظيفة مؤرخ إسلامي لفترة خلافة المنصور العباسي.. ويعلن ذلك مؤلف الرواية في نهاية هذا الفصل من خلال الحاشية الآتية( نص هذه الرسائل.. مقتبس من كتاب الخلافة العباسية لعبد المنعم الهاشمي الذي أقتبس هذه الرسائل بدوره من كتاب الطبري- الجزء السابع ص 566- 570)
(*)
الفصل الثالث عودة للفصل الأول مع توضيح مهم عن يوتوبيا الصعاليك بقيادة الفارس المقنع الذي اسمه الأنهد.. وفي هذا تتكشف لنا الحرية هي حقا إدراك الضرورة فهذا التجمع البشري الصحراوي لا يجمعه دم واحد، بل تجمعه عروبيتهم وهدفهم الأوحد البقاء على قيد الحرية سادة على أنفسهم. منهم الهلالي الذي آثر البادية على ازدحام الحضر بالمنغصات وهموم القبيلة الكبيرة، ومنهم القيسي لجأ إلى أحضان الصحراء هاربا من لعنة الدم وبطش الحروب، وهناك القرشي ابتعد عن جاه القبيلة ليقترب من بساطة العيش، ومنهم المازني والطائي والتميمي… في هذا الهامش المتحرر من الدولة والقبيلة والظلم تريد هذه الطفلة التي اسمها المقّاء بنت عطاء بن سبأ أن تكتشف الحياة معرفيا من خلال مَن صارت أقرب الناس لها : رقية، لماذا طلبت المعرفة فقط من رقيّة؟ ( علميني.. فإني الآن أسعى إلى حضوري.. حضوري بسطوع يليق بقامتي وعزّ جمالي/ 51)
(*)
الصحراء ملاذ أولئك الذين أرادوها وطنا حراً من أنظمة السلوك الجمعي. هم المتعدد في نسق الواحد. وهناك متعدد آخر في نسق أجناسي أنثوي واحد. فضاءه مغلق وتجمعه بالقسر ويطلق عليه جناح الحريم يتضمن هذا الجناح(كل الثقافات، فكل جارية أو سبية جلبت معها ثقافتها ولغتها وطبعها وأسرارها../ 62)
(*)
في الفصل الخامس عشر يكون التماهي السردي بين امرأتين عظيمتين تحت عنوان(في بلقيس الصحراء)ص227 حيث تحضر بلقيس حامية لليمانية الخيزران وترى هذه نفسها في صرح ممرد له من الطوابق عشرون منيفا شامخا. صوت الملكة بلقيس يمسها بالأمان ويناديها( يا بنيتي.. أنا أصلك.. أنا من كنتُ مثلك ِ وأنت مَن ستصبحين مثلي.. هيا اهبطي من شاهق الحلم فلن تكوني سواي/232) السؤال هنا هل الخيزران هي النسخة الثانية من الملكة بلقيس التي امتزج في سيرتها الأسطوري والخيالي بالحقيقي. الخيزران لعبت دورا كبيرا في سياسة البلاط العباسي. لكنها لم تصل لمرتبة بلقيس اليمن(وما زال لهذا الاسم حضوره الثابت في الثقافة الذهنية اليمنية وفي ضمير الأجيال التي ظلت تتوارثه من جيل لآخر مشكلاً حضوراً حيا للماضي بكل ما يرمز إليه من قيم ومثل يربط الماضي بالحاضر والمستقبل/ ص120/ مقداد مسعود/ أيميسال وتأنيث الكرسي) أما المرأة المتفردة المزايا التي تتقمص الخلافة في عهديّ المنصور والرشيد فهي الخيزران امرأة مخلوقة ٌ (من أثير النجوم وطرب القمر وعبق الورد/ 335)
(*)
الملك عضوض. الرأفة من العيب والقسوة شرط الحكم. الهادي يريد الحكم ذكورة مستبدة مطلقة وعلى الخليفة الهادي أن يتخلص من سطوة أمه الخيزران وكل الأساليب مشروعة. والأم حتى تستعيد سلطتها على أمور الخلافة لابد أن تتخلص من ولدها الخليفة الهادي وبالحرير سيتم لها ذلك، الهادي بأوج ذروته في أحضان جوارٍ ثلاث رومية وفارسية وحبشية قويات البنية شديدات الغُلمة، لا يفقهن سوى لغة اللذة والمتعة، الخليفة الهادي لم يتمالك أنينه في سرير فتنتهن، ولعنات أجسادهن، لم يمهلنه طويلا حتى لفظ أنفاسه الأخيرة ولهاث نحبه مختنقاً أسفلهن هن اللاتي لم يتعمدن قتله، بل مداعبته وممازحته فقط بصلابة أجسادهن كما يحب ويشتهي، حين تأكدن من خفوته وسكونه، فعدن بخفة حريرهن وعتمة ليلهن إلى جناحهن جناح الحريم/ ص294
(*)
مؤثرية الأسماء: اسمها المقّاء بنت عطاء بن سبأ/ص31 وهي الخيزران أم الرشيد (سيدة الظلال الحرة، سيدة شهوتها التي حرستها من الكفاية والرضا الزائفين، والشهوة التي غزلت لها نسيج حريرها/ 223) هي امرأة احتشدت خلف حلمها الذي قاد معركة ً انتصرت فيها هي وكسبت حرب حريتها الكاملة وشهوة ظلها الكامنة.
(*)
الرواية تؤكد على الفاعلية المؤسساتية التي يمكن أن تتوفر في نساء يشكلن منعطفا كبيراً في تأنيث الكرسي ومنهن الخيزران، التي كانت العقل الذي يوّجه الخليفة المنصور. ثم جاء الهادي لتحجيم هذا العقل فعرفت الأساليب النسوية كيفية التخلص منه وعودة العقل النسوي للخلافة من خلال الخليفة الرشيد الذي كان يقدسها كأم ويستعين بخبرتها في شؤون الرعية.
(1) باسم خندقجي/ مسك الكفاية/ الدار العربية للعلوم/ ناشرون/ ط1/ بيروت/ 2010
(2) مقداد مسعود/ أيميسال وتأنيث الكرسي/ نزهات في نسوية التاريخ/ بيروت/ ط1/ المكتبة الأهلية في البصرة