بسم الله الرحمن الرحيم “إقرأ باسم ربك الذي خلق / خلق الإنسان من علق” نلاحظ بأن كلمة خلق وردت مرتين تباعا ذلك والله أعلم أن الخلق الأول هو خلق عام أما الخلق الثاني فهو يتناول الإنسان بصفة خاصة لأنه أتبعه قوله (الإنسان من علق) . الإعجاز الإلهي في خلق الإنسان هو وجه الاختلاف فيما أودعه من أسرار وأنوار لا يشترك فيه معها أحد ثم بدؤه الذي هو من علق والعلق في ظاهره شيء ظئيل وقذر بل هو نجاسة لأنه قطعة دم متخثر وفي هذا إشارة ربانية إلى أن تكريم الانسان بالعقل ثم تزكيته بالنفس والقلب والروح هي أشياء يمنحه إياها بعد مرحلة الخلق الأول بدليل أن الروح يبثها الله في الإنسان وهو جنين في الشهر الرابع من تكونه ..
” إقرأ ” كلمة تكررت بعد ذلك لأن القراءة الأولى “إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق” هي قراءة فكرية استعانة باسم ربك أي أنك أيها الانسان مأمور بالتأمل ابتداء باسم ربك تسليما بكماله وقدرته ثم تفكرا في الخلق إعجازا بتدبر يتدرج بك في تعرف مراد الله سبحانه وتعالى ..
” إقرأ’ الثانية هي مرحلة لاحقة ترتقي من الإيمان المطلق إلى المعية فهي ” إقرأ وربك الأكرم ” أي إقرأ ومعك ربك الأكرم ، هو الأكرم هنا في خلقه ومنحه وعطائه وهو الأكرم إطلاقا مع الإنسان وهو الأكرم مطلقا في معيته للانسان الذي يعلمه ليرتقي به في سلم الإحسان تدرجا في مراتب العقل قصد التعرف إلى الذات العلية وهو مراد الله الأعظم من قضية الخلق والإيجاد ..
‘الذي علم بالقلم” الذي علم في صيغة الماضي تدل على الفعل مطلقا نسبة الى الله سبحانه وتعالى ..
القلم أداة وهو أول ما خلق الله سبحانه وتعالى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن أول ما خلق الله القلم ثم قال له أكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن الى يوم القيامة”
القلم أداة لها أبعاد ورموز تعود للانسان انطلاقا من عقد النية إلى الأخذ بالأسباب وذلك أن الله أورثه للانسان مسبوقا بالقراءة .. ثم القراءة بمعية الله قال تعالى “إقرأ باسم ربك” ولم يقل باسم الله لأن ربك هو راعيك والمتكفل بك ..
في هذه السورة العظيمة ربك هو قائدك في رحلة التعلم ابتداء بالأخذ بأول الأسباب ثم نسب التعليم إلى ذاته فهو وحده الذي علم ..
“الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم” تكرار كلمة علم لأمرين ، كلمة علّم الأولى هي عامة لكل الخلق بما أودعهم من ملكات وغرائز وغيرها .. وعلم الثانية خاصة بالانسان لأنه أتبعها ب ” علم الإنسان ما لم يعلم”
هذه السورة بما فيها من تكرار للكلمات المفاتيح تشبه تركيزا مضاعفا يدعونا للتأمل والتعمق ما أمكننا احتراما لمراد الله سبحانه وتعالى والتماسا لمعيته والاستعانة به فهو مرة أخرى ينسب “علّم” إلى نفسه كي لا يقول ابن آدم يوما “إنما اوتيته على علم من عندي” كما قال قارون من قبل ولهذا المعنى علاقة مباشرة ببقية السورة ..
يتبع باذن الله ..