تعددت النصوص السردية للكاتبة مريم حمد وتمحورت حول العديد من الإشكاليات التي تقاطعت فيها مع الكتاب الفلسطينيين داخل وخارج الأراضي المحتلة شدت الأرض وما تحتويها من حكايات ومواقف وحالات نفسية ووجودية
ولعل نصها” شرفات المخيم” والتي أمنت رسوماتها الفنانة رعد عبد الواحد يحاكي هذه الحالات التي رافقت الفلسطيني في مسيرته الحياتية والنضالية.
كان المكان اختيار واع ودقيق للحديث عنه لأنه يمثل ٲهم المفردات التي التصقت بالفلسطيني منذ النكبة والتهجير ليقابل معطى جغرافي محدد هو المخيم كبديل عن أرضه وبيته العتيق وحديقتها وٲزهاره ونباتاته المتعددة والمتنوعة وتمثل احد أهم ثوابت ومكونات البيت الفلسطيني
فعدد ت الكاتبة الوصف والتحديد لهذا المخيم أولا بعده عن البيت العتيق إذ تقول الكاتبة “هناك هناك بعد التلال هناك خلف الجبال كان المخيم هناك خلف النهر وقرب البحر كان المخيم” لإيصال فكرة أن المخيم بعيد جدا خلف الجبال والنهر وقرب البحرواسم الإشارة هناك أعادته الكاتبة 4مرات لتعميق فكرة البعد لغويا ووجدانيا .
هذا المكان الضيق الصغير وبيوته مرتصة ” لا تتسع لا لحاكورة ولا لدالية ولا لشجرة مثلما كان قرب بيتهم العتيق” وأيضا مكتضة ومظلمة ومعتمة أثرت على النباتات والورود كما في مثال دوار الشمس الذي يحب النور والضياء فرغم أنها نمت لكنها كانت شاحبة وحزينة فحزن عليه القرنفل والمنتور بعد حزن سكان المخيم عليه .
هؤلاء السكان الذين أبعدوا وفرض عليهم هذا الواقع فأثر فيهم فكان الحزن مرافقهم وكانوا حيارى لا يريدون العيش فيه حتى وان راودتهم فكرة التأقلم والقبول به بديلا مؤقتا حتى العودة للتخفيف عن واقعهم وحالاتهم النفسية والوجودية ومما ساهم إيجابا في التأقلم وإضفاء أجواء جديدة على المخيم وجود عدة بذرات لدى أم خليل وأم جميل وحسن فتم زرع هذه البذور في تنكة وفي العلب المعدنية وفي كل الأوعية التي جمعها الأطفال من الشوارع ووضعت كل هذه الأشتال على الشرفات” فأصبح المخيم أجمل قليلا بألوان هذه الزهور ” لأكن دوار الشمس المحب للنور والضياء لم يتأقلم مع واقعه مثله مثل أصحاب الشرفات والدور لينتقل إلى الأسطح .
هذه فكرة الأطفال المشركون في الفعل الفني والجمالي والمجتمعي والأخذ بمبادرتهم وضرورة إشراكهم في الشأن العام هي ميزة ايجابية للنمو بالطفل سلوكيا واجتماعيا لا أن يكون الطفل مطبقا لأوامر وتوجيهات تأتيه من الكبار الذين حنكتهم الحياة
كما عبرت الكاتبة عن فرح هذه الأشتال إذ قالت ” فرحت أشتال دوار الشمس وأصبحت حرة طليقة تلف وتدور مع كل شروق وغروب” في انتظار حرية سكان المخيم وانطلاقتهم وعودتهم لديارهم التي بشر بها عصفور الشمس الفلسطيني الذي لحق بأهاليه هناك في المخيم مغردا ومذكرا بالأغنية الفلسطينية ” زهر يا دوار الشمس” ليسال العروسان عن ياسمينة الدار والوردة الجورية والسوسن وقرن الغزال والبرقوق الأحمر والفل والنرجس وأزهار اللوز فكان يحييهم بفخر وبان الحال هي الحال فكل شئ اخضر بهي احمر جميل والرائحة زكية والاشتياق متبادل والتحية مرسلة على أجنحة هذا الطائر الجميل الذي سأل عن البذور”إن احتفظتم بها فلن تموت الزهور” فالحفظ والحفاظ والاحتفاظ كلها كلمات يتوارثها الفلسطينية لتبقى الذاكرة نشطة ومتواصلة محافظة على الخيط الرابط بين الماضي والحاضر والمستقبل المشرق .
إن نص “شرفات المخيم” للكاتبة مريم حمد حلقة من حلقات عيش الفلسطيني منذ عشرات السنين هذا المخيم الذي طال المكوث به لكن مواصلة التفكير فيه وجحيمه يقتل فيهم إنسانيتهم رغم محاولات التأقلم فالحياة أرحب وتحب أن تحول مآسينا لأفراح وأن ننتصر على الحزن الساكن فينا ومآلاته لفرض حياة أخرى في انتظار العودة المطلوبة والتي يجب أن تأتي ذات زمن ما .