
مازال كتاب أدب الطفل يراهنون على الحيوان لتمرير رسائلهم التربوية والتعليمية والثقافية وغيرها و ها تجربة أخرى تنضاف كميا وكيفيا للمدونة الوطنية التونسية والعربية تحت عنوان “مغامرات بطوط” تأليف الكاتب فيصل الذرايعي ورسوم الفنان التشكيلي أنيس المحرسي ضمن سلسلة ” قصص وعبر” وهذا المؤلف عبارة عن5 قصص مسرحية للأطفال وزعت كالآتي: “بطوط يبحث عن مهنة” و” بطوط يبحث عن مسكن” و” بطوط يبحث عن صديق” و” بطوط قائد مشروع” وخامسها وآخرها بطوط حكواتي ماهر” وب 10 لوحات فنية تساعد على الفهم والاعتبار وتذوق الألوان والمشاهد .
المعجم البيئي
دارت أحداث القصص في أماكن مألوفة للحيوان وقد عدد منها الكاتب خدمة لمتنه ورسائله فحضرت الجغرافيا الطبيعية بتفاصيل عدة مثل الصحراء والرياح والأنواء و الأمواج والتلال والهضاب والغيمات والغدير الصافي والجحور والصخور والغابات المطرة والفيحاء والأوراق اليابسة والظلال الندية والأعشاب التالفة والحطب المبلل وأوراق شجرة الزان الكثيفة وتفاصيل عالم النبات كالبتلات وزهرات الزنابق البيضاء.
أما عن الحيوان فقد ذكر الأسماك والحيتان والنحل والغراب والهدهد والتنين وطائر الكروان والضفدع الأخضر والنسور والأفاعي والأسد والثور والبط مع تفاصيل لامست التركيب الفيزيولوجية لبعض الحيونات كمنقار الغراب المعقف و ظاهرة الطيور المهاجرة وسم الثعابين كدواء فيه شفاء لكل داء مع أصوات الحيوانات المختلفة.
ليطرح الكاتب اشكالية ما زالت ترهق الانسان و ها هو الحيوان يسمعنا الكاتب صوته لأنه صاحب الأرض بغاباتها وحقولها وبسايتنها التلوث أين رفعت الحيوانات ناقوس الخطر والخوف اذي يداهمها ويهددها في تواجدهالالا واستقرارها وضرورة التحرك بسرعة لإنقاذ الغابة في غياب الانسان الذي لوثها ولم يتحمل مسؤوليته لانقاذها والعمل من أجل أن تكون البيئة سليمة وإن تواصل هذا التلوث فالعديد من الحيوانات تفكر في الرحيل مثل الخيار الذي ذهب إليه الضفدع بل الحقيقة أدهى وأمر لأن التلوث لامس العديد من الأماكن فماتت الحيوانات في البر والبحر.
المعجم الديني
عددت السرديات العربية وغيرها في ذكر الحيوان كمادة ابداعية تعبيرية حاملة للعبر والدروس والاعتبار ومن أهم النصوص ” كليلة ودمنة” للفيلسوف الهندي بيدبا عربه عبد الله بن المقفع و”النمر والثعلب” لسهل بن هارون و”الأسد و الغواص” لمؤلف مجهول و”الحمار الذهبي”كأول رواية في التاريخ لكاتبها أبوليوس لتتواصل المسيرة مع” حمار الحكيم” للكاتب توفيق الحكيم و”مذكرات حمار” للكونتاس دي سيفير وأحتاج الكاتب للمعجم الديني- الاسلامي للتذكير بقصة الغراب الذي بعثه الله ليواري سوءة أخيه اذ يقول الكاتب ” غاق… غاق… الصدر ضاق… لقد سخرني ربي لأصلح خطأ الانسان أكرمني بتسخيري لتعليم الانسان درسا تناقلته إلى اليوم أجيال بعد أن أصبح فريسة للاطماع” وهي فرصة لقارئ القصة أن يقرأ النص كاملا منم القرآن الكريم وهذه من أهم المفاتيح الموزعة في صفحات القصة ليواصل القارئ – الطفل الانطلاق من النص المقروء إلى النصوص الأخرى كالقرآن الكريم و العديد من المصادر الملهمة كما
حضرت محطة قرآنية أخرى قصّة الهدهد الذي ارتبط في السرديات العربية بالرسول سليمان يقول الكاتب هنا ” حسنا يا صاحب الحل السعيد… حسنا يا رسول سيدنا سليمان” كما استعار من القرآن الكريم مدخلا بلاغيا اعجازيا تكرر في النص الديني عندما يتحدث عن الاقوام الغابرة قائلا في آخر قصصه” بطوط حكواتي ماهر” ” نحن نقص عليكم نبأ الذين سبقونا ونستفيد من تجاربهم” ويقول النص الديني “نحن نقص عليك نبأهم بالحق” وفي صيغ أخرى وحاملة نفس المعنى. .
المعجم السردي
كان لنص فيصل الذرايعي بوابات ومخارج اشتغل على القديم القابل للقولبة والتجديد ليكون ضمن محامله النصيّة والإبداعيّة وقد استلهم قاعدتين الأولى لغويّة عدد منها إيمانًا منه بما للكلمات من وقع على القارئ- الطفل وانجذابه لعالم السلاطين والقصور والأميرات مثل: ” صاحب الرأي الرشيد والقول العجيب “و”أيّها الملك الهمّام” و” أيّها الجمع الرشيد” “ويا صاحب الحل السعيد” لتحيلنا بعض الكلمات على المدونة العالميّة “ألف ليلة وليلة” التي شغلت الناس من الماضي البعيد وقد استلهم منها بعض الكلمات مثل” الكلام المباح”في إخراج إبداعي قائلًا :” شرعت الديكة في في الصباح فسكت بطوط عن الكلام المباح” بعد أن ذكرقصص وأنباء الذين سبقونا للاستفادة من تجاربهم وحلول مشاكلهم
رسائل الكاتب
للكاتب جملة رسائل وتوجيهات مبثوثة في قصصه وفقرات نصّه ما هي عديدة ومفيدة لهذا الطفل – القارئ والتي تساهم في صقل شخصيته وتكوينها النفسي والحس حركي ومن أهم هذه الرسائل التي قصد الكاتب الحديث فيها وتوجيه الطفل لها هي الصداقة الفاعلة والايجابية والصداقة المغشوشة الهدامة وأهمية الأولى في فك الكرب والضيق والشدة وتساهم في الحوار المفضي للحلول وإنارة الطريق وفك طلاسم الخيارات والمستقبل.
وهذه الصداقه جمعت أبناء الغابة الخضراء والمطرة وساهمت في حل العديد من الإشكاليات التي رافقت تفاعل الأبطال في محيطهم وانتهت بالرقص والغناء والفرح الدائم وصداقة مغشوشة مغلفة بالمكر والدهاء كانت نهايتها مؤلمةوحزينة وهي شأن ابن الملك و صديقه الجرذ الخبيث .
ونفس الثنائية كانت حاضرة مع معطى الحلم والأحلام كأحلام نقية سعيدة رافقت الأبطال في الجمع السعيد مع بطوط مقابل الأحلام الخبيثة والحلم بالنصر المغشوش .
والذي حيك بالدهاء والخديعة بين الجرذ الخبيث وابن الملك .
ولتحديث فترة من الطفولۀ الحرجة والحديث عنها طرح الكاتب مسألة الرغبات والمطلوب والمهن والاعمال وقد عدد منها بقصد التشويش الحاصل حول مهنة المستقبل في الفصل والساحة والبيت ومن المهن التي ذكرها الكاتب البحار والحطاب ورجل الاطفاء والطبيب عارضا ما يرتبط بها كالقوة والذكاء وعمل الابطال والسفر وما يستوقفك في هذا العرض الإبداعي مهنة الطبيب والتي هي أمنية الكبار ورغبة الصغار ومن هنا يتدخل الكاتب ليناقش أهمية العائلة والتربية وعلاقة الآباء بالابناء مثل الملك النسر الذي ذكر بما فعله لابنه قائلا” لقد تناسى تعبي في رعايته وتربيته ولما شب وصار فتيا لم يحترم شيبتي وكان شقيا” يحترم سني والطفل يحتاج في هذه السن الى الدفع والتشجيع وقد عدد منها الكاتب لتثبيت الفكرة والمنهج فتكررت كلمات لها نفس المضمون تشجيعية في العموم مثل” يا أبطال”
و” انت ذكي “ايها المقدام”و” يا صاحب الحل السعيد”و “صاحب الراي الرشيد والقول العزيز”و” أنت قادر” و” أنت ماهر” و” أنت مغامر وناجح” مع تفاصيل ارتبطت جوهريا بالشخصية وما يحوم حولها من الصحبة السعيدة وتأثيرها على الشخصيةعبر تبادل الخبرات والمشورة والخوف من الصحبة الخبيثة وما مآلاتها الحزينة وتواجد الحسد والمكر والخديعة والضغينة والغرور مع جزئيات هامة ارتبطت بالشخصيةلتقويمها لكي تستعد للحياة اليومية والعملية فأ مام سذاجة النسر الكاسر وغروره وضعف تجربته وقله تفكيره والحذر من أهواء النفس اذ يقول الكاتب في معرض حديثه “فلا تتبع أهواء النفس فهي مجلبة للندم والخسران” وقدمت القصة نوعا جديدا من العقوبات بعد أن ثبتت الجريمة فهذا النسر سيتابع دروسا في أنظمة الحكم الرشيد والجرذ الخبيث سيقوم بتنظيف حدائق المملكة وساحاتها بهدف تغيير” طباع الشر لديهما ويتعلما دروسا نافعة لهما و لسكان المملكة” مع المعديد من المسائل والاشكاليات الاخرى التي أتى عليها النص السردي الابداعي لمزيد الفهم والحديث حولها مثل ألعاب الأجيال التي سبقتنا ومنها الطائرة الورقية وعالم الحكايا والقصص في ليالي ليالي الشتاء الباردة نحن نتحلق حول جداتنا وسفر خاص في عرض بعض الألبسة القديمة والتي مازالت تقاوم الزمن والأفات كالبرنس الصوفي والعمامة الذهبية ليشكل النص في الأخير وحدة مضمونية جابت بخيال الطفل في الأزمنة الغابرة وفي حاضره ملامسة عدة إشكاليات توجب تقديمها في أطباق لغوية ومضمونية ترتقي بالذوق العام لرجل الغد قارئ هذه القصص وغيرها.