( تبدأ الجموع في الظل… موسيقى خافتة تخرج من ضوء خفيف، أمام جداريةٍ بيضاء متشققة… نصب الغفران يلوح كجمرة في آخر الرؤية. والجمع يلوحون بأكف مضاءة بدمع اليقين)
الجمع:
في هذا الفجر المكسور
نتلو مزامير اعترافنا
أمام جدارية الحقيقة:
لقد أضعنا دروب القمح
ونسينا طعم الندى
وأودعنا الحب في قبوٍ معتم
ووهبنا الطوائف مفاتيح أرواحنا.
ها نحن نجيءُ عراةً من بهرج الزيف
نتخفّى وراء الأقنعة
ونسجد في ظلالك
كأننا نعود إلى الله
بعد طول التيه.
(أصوات خافتة تخرج من الشقوق: “يا زمن النفاق… يا زمن الدم…”)
الجمع – بصوتٍ واحدٍ يفيض بالعري:
هذا زمن الأقزام
زمن الوجوه الممسوحة
زمن الدم الذي يخط على الإسفلت
حروف نشيدنا الأخير.
في المنافي العالية
تركنا شبابنا مثل قمرٍ معلق
ونحن نلهث وراء لقمةٍ عرجاء
كأن الجوع صار صلاةً لا تنتهي.
(يرفعون أيديهم، تخرج من أناملهم ألسنة لهب صغيرة (
يا جدارية الحقيقة
نقف أمامك حفاة من الكبرياء
نحمل خيباتنا مثل أعشاشٍ مكسورة
ونرفعها قرباناً في حضرة الغفران.
الجمع – بخشوعٍ ملحمي:
نطلب منك
يا نصب الغفران
أن تفتح كفك لنا
أن تلمس شقوقنا بنورك
فنحن تائهون في زحام الليل
ونحن عطشى لرشفة مغفرة.
نحن الذين نسيوا قناديل المحبة
وغرسوا الطائفية في حقولهم
لكننا نرفع إليك قلوباً خاشعة
كأنها زهور وضوء
نطلب الغفران
في حضرة صمتك البهيّ.
( تتناثر من الجدارية طيورٌ من ضوء، ترفرف في سماء الليل ..تبدأ الرياح تدور خفيفة حولهم… أصوات تتداخل: “سامحينا… سامحينا”)
الجمع – بنبرةٍ تخرج من صدرٍ واحد:
اعترفنا:
يا نصب الغفران
يا سحر الضوء المصلوب في حجارة الليل
علّمنا كيف نبعث من هذا الرماد
ضحكةً جديدة
وكيف نعيد للوطن
صوته المبلّل بالغيم.
(يصمت الجمع، ثم يلتفتون نحو النصب: “سنزرع فيك الحلم…” يبتسم الجمع… وصوت الفجر يلامس رؤوسهم)
الجمع – في نبرة رجاءٍ أسطوري:
يا نصب الغفران
علّمنا كيف تشرق السنابل
في حقولٍ محترقة
وكيف تولد القصائد
من صرخة الجرح.
سنكتب على جبينك
أن البلاد، وإن نزفت،
قادرة أن تنجب فجراً جديداً
وأن كل دمٍ مسفوك
هو شجرة حياةٍ
ستزهر غداً.
(قرب نافورة الظل، يتضح همس وردي …. يتقدّم شبابٌ في أزرٍ وطيورٍ
تصفّق للنهار الوليد …أزرٍ تهفو إليها أسرار الضوء” …أزرٍ منسوجةٍ بالصمت” …. أزرٍ كأنها أشرعة في بحر الفجر، وطيورٍ تُنقّط السماء بالحب” طيورٍ تنفخ في الصبح نشيدها …. طيورٍ ترفرف كالأمنيات
يخرج الشباب من الليل
يتقدّمهم وطنٌ وسيم
كأنه غصنُ زيتونٍ يخطو على نهرٍ من الضوء
يدخلون أفواجاً في لوحة الفجر
وجوههم تبرق
كأنهم خُلقوا من رعشة الدعاء
تتقدّمهم طفلة
بعنقودٍ من عنب الأيام
يقطر مواعيد الغيم
تهدي لهم رايةً
نسجتها يدُ أمٍّ من خيط الشمس
تلمع في الريح
كأن حروف التاريخ
نزعت نقاطها
وصارت نوافذَ تُطلّ على صبحٍ لا يشيخ.