في السَّابعِ مِن أُكْتُوبَرَ، اسْتَيْقَظَ اللهِيبُ،
وتَوَضَّأَتْ بِالْحُلْمِ أَرْضٌ لا تَغِيبُ،
تَحْتَ الرَّمَادِ، تُولَدُ الأَرْوَاحُ ثَانِيَةً،
وَيَعُودُ وَجْهُ الْفَجْرِ يَكْتُبُ مَا يُجِيبُ.
فِي السَّابِعِ انْشَقَّ الْمَدَى،
وَانْهَارَ جِدَارُ الصَّمْتِ فِي زَمَنِ الْهَوَانِ،
وَغَزَّةُ — تِلْكَ النَّخْلَةُ الْعَذْرَاءُ — صَاحَتْ:
«لَنْ أَعِيشَ إِلَّا عَلَى كَفِّ الأَمَانِ!»
يَا أُمَّ مَنْ صَعِدُوا…
خُذِي مِنْ نُورِهِمْ قَمَرًا،
وَزَيِّنِي لَيْلَ الْحَنِينِ بِسِيرَةِ الأَبْطَالِ،
نَامُوا، وَمَا نَامَتْ عُيُونُ الأَرْضِ عَنْ أَثَرٍ،
تَرَكُوهُ — رَغْمَ الْمَوْتِ — خَالِدَةَ الْجِبَالِ.
فِي السَّابِعِ مِن أُكْتُوبَرَ انْفَجَرَتِ الدُّمُوعُ،
لَكِنَّهَا صَارَتْ نَشِيدًا، لا خُشُوعُ،
هَذِي دِمَاءُ الصَّابِرِينَ عَلَى الثَّرَى،
تَصْعَدُ إِلَى رَبِّ السَّمَا،
وَتَعُودُ بِالْعِزِّ الرَّفِيعِ.
قَدْ عَادَ فِينَا النَّبْضُ بَعْدَ تَكَسُّرِ الأَنْفَاسِ،
وَتَطَهَّرَ الْمِلْحُ الْقَدِيمُ مِنَ الْيَأْسِ،
وَانْكَسَرَتْ مَرَايَا الزَّيْفِ، وَانْطَفَأَ الْغُرُورُ،
وَتَفَتَّحَ الزَّيْتُونُ فِي كَفِّ الأَسِيرِ.
يَا غَزَّةَ الْكِبْرِيَاءِ،
يَا أَيْقُونَةَ التَّارِيخِ، يَا نَبْضَ الْوُجُودِ،
يَا مَنْ تُعِيدِينَ لِلأَرْضِ الصَّلَاةَ، وَلِلسَّمَاءِ السُّجُودَ،
يَا مَنْ تَكْتُبِينَ بِدَمِ الْفَجْرِ مَعْنَى الْحَيَاةِ،
وَتَقُولِينَ:
«مَنْ أَرَادَ الْكَرَامَةَ… فَلْيَسْكُنِ الْمَمَاتَ.»
سَلَامٌ عَلَى مَنْ أَشْرَقُوا فِي الْحُزْنِ شَمْسًا لا تَغِيبُ،
وَسَلَامُ مَنْ صَبَرُوا، وَمَنْ كَتَبُوا عَلَى الْجُدْرَانِ:
«لَنْ نَخْضَعَ، لَنْ نَغِيبَ.»
فِي السَّابِعِ مِن أُكْتُوبَرَ، وُلِدْنَا مِنْ رَمَادِ الْعُمْرِ ثَانِيَةً،
وَتَوَضَّأَ وَجْهُ الأُمَّةِ بِالدَّمِ،
فَابْتَسَمَتِ الْكَرَامَةُ بَعْدَ طُولِ غِيَابٍ.
فِي السَّابِعِ مِن أُكْتُوبَرَ…
لَمْ نَعُدْ كَمَا كُنَّا،
فَالنَّارُ غَسَلَتْ وَجَعَ الْقُرُونِ،
وَالْقَلْبُ – حِينَ يَفِيضُ إِيمَانًا –
يُزْهِرُ حَتَّى فَوْقَ حَدِّ السِّكِّينِ.
يَا أَيُّهَا الْفَجْرُ الَّذِي خَرَجَ مِنَ الْجِرَاحِ نَقِيًّا،
عَلِّمْنَا كَيْفَ تُولَدُ الأَوْطَانُ مِنَ الْعَتْمَةِ،
وَكَيْفَ يُصْبِحُ الْمَوْتُ بَابًا إِلَى الْخُلُودِ.
غَزَّةُ…
يَا صَلَاةَ الأَرْضِ فِي وَجْهِ الْحَدِيدِ،
يَا مِئْذَنَةً لَمْ تَنْحَنِ،
يَا طِفْلَةً تَنْقُشُ عَلَى اللَّيْلِ: «سَأَعُودُ»
ثُمَّ تَضْحَكُ مِنْ خَلْفِ الْغُبَارِ.
فِي السَّابِعِ مِن أُكْتُوبَرَ…
كُتِبْتِ لِلْعَرَبِ سَطْرَهُمُ الأَخِيرَ فِي كِتَابِ الْعَارِ،
ثُمَّ فَتَحْتِ الصَّفْحَةَ الأُولَى مِنَ النُّورِ،
تَقُولِينَ فِيهَا:
«مَنْ أَرَادَ الْبَقَاءَ كَرِيمًا،
فَلْيَحْيَا هُنَا…
حَيْثُ لا يُشْتَرَى الْوَطَنُ،
وَلا يُبَاعُ الْقَرَارُ.»
سَلَامٌ عَلَيْكِ،
يَا وَجْهَ اللهِ فِي الأَرْضِ،
يَا جُرْحًا يُضِيءُ الطَّرِيقَ،
يَا غَزَّةَ الَّتِي عَلَّمْتِنَا أَنَّ النَّصْرَ
لَيْسَ وَعْدًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَطْ،
بَلْ فِعْلُ قُلُوبٍ لا تَخَافُ النَّزِيفَ.