كالمدينة في داخلها شوارعٌ صاخبةٌ ومزدحمةٌ، وفوضى تخفيها واجهاتٌ مرتَّبةٌ، كلماتٌ مصفوفةٌ، مكياجٌ صارخٌ، وهندامٌ مرتبٌ. فكرت وهي تفحص نفسها من الخارج إلى الداخل، هنا في هذا الريف، فوق العشب الأخضرِ.
كم تريد أن تصبح نفسها كالقرى، وأن تهدأ فكرتها. وتفكر في حياتها المتبقيةِ؛ حياتها التي تدرك أنها لم تعشها كما أرادتها، حياتها التي ارتدت فيها أقنعةً ليعجب بها غيرُها.
قامت وكأن ثورتها بدأت تغيرها… اتجهت إلى البيت الذي أصبح بيتها، بعد أن رأت إعلانًا لبيعه، تفاجأت بنفسها. لم تترك لها نفسها فرصةً للتفكير، اتصلت بصاحب الإعلان، وتمتِ الصفقةُ.
دخلت بيتها، وكأن ضوء الشمس وسقف الأشجار يرحب بها. انتزعت منها الابتسامة انتزاعًا.
تسلمت أول مرآةٍ أمامها، نظرت إلى وجهها، لأول مرة شعرت أنه لا يخصها. تناولت من حقيبتها مناديلَ مبللةً، مسحت مكياجها كله، أزالت رموشها، حتى الكحل… ابتسمت للوجه الجديدِ.
تعرف أنها سوف تتعذَّب، تتألم، تنقهر، تُصهَر، تفقد، تتخلى ويتخلى عنها… لكن لكل قرار ثمنُه.
لم تعد تريد أن تنافق حتى في أحاديثها لأجل أن يرغبوا بها.
لا تريد للآخرين أن يطلبوها متى أحسُّوا بفراغٍ يريدون أن يملؤوه.
تتمنى أن تكون في لقاءاتٍ صادقةٍ، لأجلها هي، لأجل أن يُقضى معها وقتٌ ممتع… لا مع ضرورياتِ الموقف، ولا شفقةٍ من أجل وحدتها.
لم تعد تميل إلى الأحاديث المزدحمة، أو حتى العابرة لأجل لا شيء، أو الرسائل الفارغة التي تُرسل لتمضية وقتٍ.
بدأت تشعر في تلك الغرف بالغثيانِ.
ارتدت ثيابها المريحة، وضعت حجابًا على رأسها.
ومشت بين سنابل الحقول التي يحركها الهواء، دون أن تلتفت… خلفها .كل ما لم يعد لها.