في الثلاثين من شهر حزيران الجاري تمر علينا الذكرى الأولى لرحيل الروائي والمربي الكبير كاظم الأحمدي ذلك الإنسان الذي ترك بصمة واضحة في حياة كل ادباء مدينة البصرة..
وسأترك الحديث لبعض الزملاء الأدباء للحديث عنه:
*(أتساءل الآن بعد رحيل صديقنا الروائي كاظم الأحمدي: هل كتب الأحمدي سيرته الذاتية؟ هل كان يعتزم نشرها كما فعل عند نشر رواياته؟ أو أنه لم يكتب سيرته كما يفعل معظمنا؟ إن السيرة الذاتية للراحل كاظم الأحمدي ( إن وجدت) فإنها ستكشف كثيراً عن الغموض الذي اكتنف بداياته وتكوينه الثقافي والابداعي وستعين دارسي أدبه على فهم تحولات منجزه في القصة القصيرة والرواية إذ غالباً ما كان الأحمدي يتكتم على ذلك خشية أو تواضعاً أو عدم اكتراث.- محمود عبد الوهاب-قاص)
*(رحم الله كاظم الأحمدي، القصاص والروائي والمربي والصديق، فقد جعلنا الموت نستذكره ونستحضره، وكنا قبل موته نتذكره ونفتقده، بعد أن يغيب عنا أياماً وشهوراً. نلتقيه فجأة ثم يختفي، وكانت بين حضوره وغيابه درجات من الرضا والغضب، والسؤال والجواب، والعافية والذبول، حتى جفّت الدماء في العروق، وختمت سلسلة لقاءات متقطعة، كما تختم نهاية رواية لم نكن نعرف ما خاتمتها وما طولها.- محمد خضير-قاص)
*(قبل وفاته بأسبوع ،في زيارة له في منزله ، و بصحبة الأستاذ “جميل الشبيبي” ، كنت راغباً في أن احصل منه على جواب حول تلك المسألة ، وفي الزمن الماضي بالذات ؟. إلا أن اللقاء ألحميمي و استعادة بعض تفاصيل حياة نائية بكل أحمالها ومناكداتها وخيباتها وأثمانها المفجعة، والانشغال بوضعه الصحي ،كان حينها مُطَمئناً بعض الشيء ، كل ذلك فوت عليّ فرصة التحقق منه حول ذلك..غير إن السؤال يا((أبو ضُحى))لازال قائما.. مع يقيني بعدم حصوليَ،بعد آلآن،على جوابه منك!!. – جاسم العايف-اعلامي وناقد)
*(وفي أخر مهاتفة بيننا قال الأحمدي رحمه الله ان الاعتزال هو الموقف الأمثل إزاء المشكلات العراقية الراهنة. واعتقد – وهذا رأي شخصي- أن الاحمدي وضع أصبعه على الجرح، فما زال المثقف العراقي يهرول لاستجداء الصعود في قاطرة السياسي وإن كان الاخير أمياً. – خالد السلطان-مسرحي)
*(المكان: دكة بقايا مسناة لنهير مطمور، كنا نجلس عليها، نتسامر الى وقت متاخر من الليل قرب بيوتنا، على مسافة من مستشفى البصرة، يجالسنا أدباء، فنانون، أصدقاء: الدكتور سلمان كاصد، الفنان قاسم علوان، الاستاذ علي مطر.. يكرر دائماً: هل سيتذكرنا أحد اننا جلسنا هنا..؟
نعم سيتذكر الادباء والقراء ما قاله السارد الاول على ألسن رواة قصص وروايات الصديق العزيز الراحل كاظم الأحمدي، الذي بقيت اجهل اسم ابيه حتى قرأته على قماشة النعي السوداء.- حميد مجيد مال الله-ناقد مسرحي)
*(أليس هو الذي قال:(مايضيفه الجسد الى تربة الارض أفضل مما تضيفه تربة الأرض الى الجسد ، فالموت في الوطن هو ما أرغب فيه ولا نية لي بالتمتع بالحياة بعيدا عن الوطن. ان حرية الانسان أوخلوده أن لم تزرع في تربة وطنه فلايمكن ان تنمو في مكان آخر أبدا) .
لقد صارع والدي المحن الكبيرة التي مر بها ولم يتخل عن أيمانه بالله سبحان وتعالى وبقدره وفي اللحظات الاخيرة من حياته وبينما هو ينازع الموت طلب أن يسندوه ليصلي ..هذا هو الرجل الفذ الذي سأتباهى به الى يوم الدين.- صلاح كاظم الأحمدي)
*(لم يطأطئ كاظم الأحمدي رأسه لأحد مهما كان موقعه وبقي ذلك الرجل الأنف.. باع كاظم الأحمدي زمنه كله للعراق ولم يحظ حتى بتشييع مناسب! ترى ماذا يجدي أن نرثي صديقا رحل قبل لحظات فقط عن عالمنا وتركنا نلوذ بكل هذه المحن التي أقضت مضجعه طوال نصف قرن او يزيد؟ وماذا سيحل بهذه الكلمات بعد قراءتها وإلقائها جانبا؟ ماذا سأفعل أنا نفسي بإزاء هذا الغياب القسري للأصدقاء والأحبة؟ ترى ما جدوى الكلمات بعد رحيلنا نحن أيضا؟ أليست هي اللعبة المخادعة التي نمارسها بيننا منذ زمن طويل في صورة رحيل الغير؟- رياض الأسدي-قاص وناقد)
*(تحية للأحمدي، الذي ودعني في إهداء روايته الأخيرة (تجاه القلب) بقوله (لن أنسى موقفاً وقفته ذات يوم) وأنا لن أتباهى بذلك الموقف أبدا. بل سوف أتباهى بالعنوان الأخير للأحمدي، الذي عاد إلى قلبه أخيراً، وكأنه يودعنا بالمحبة، التي افتقدناها طوال حياته.- كاظم الحجاج-شاعر)
*(وتكررت لقاءاتي بالراحل الأحمدي وحواراتي معه حول القصة القصيرة والأدب العراقي أدركت من خلالها إنني أمام كاتب مفكر عنيد، معتد بآرائه، يصدم المحاورين بخشونة طروحاته، على الرغم من ترحيبه الحميم بهم في بدء اللقاء. كان المرحوم جادا حتى النخاع .- محمد سهيل أحمد-قاص)
*(لا تعدو ان تكون الكتابة عن أي مبدع وفي أي مفصل من مفاصل الإبداع عادةً لاتخرج عن القوانين التقليدية، ولأنني شخصياً ارى نفسي حين اكتب عن الروائي الراحل كاظم الأحمدي المثقف الأديب والإنسان، أحاول أحيانا في كتاباتي الخروج عن الأطر المتبعة في الكتابة والتي تندرج ضمن خانة الكتابة المجانية، تربطني بالراحل كاظم الأحمدي علاقة حميمة وذكريات تتجدد من خلال الرسائل التي كنا نتبادلها واللقاءات التي كنا نتجاذب فيها احاديث شتى في هموم الأدب والإنسان، تسنى لي اللقاء به اكثر من مرة في إحدى المقاهي مع نخبة من ادباء البصرة منهم الشاعر والمسرحي عبدالكريم العامري، والقاص رياض ألأسدي والشاعر عبدالسادة البصري والشاعر ثامر سعيد والشاعر احمد العاشور والشاعر الناقد مقداد مسعود والناقد رياض عبدالواحد والأستاذ فاخر الياسري. اهداني مرة مجموعته القصصية (غناء الفواخت) والتي وصلتني عبر البريد، كان يتبادل الحديث معي على القصة بطريقة الأب الروحي لا الأستاذ المترفع.- مصطفى حميد جاسم /قاص-)
ويوم وردني خبر رحيله كتبت:
(توفي في البصرة ظهر يوم 30 حزيران 2008 الروائي العراقي كاظم الأحمدي.. هذا ما أخبرني به باتصال هاتفي ولدي محمد بعد ان طلبت منه زيارته في داره بالبصرة وحملته رسالة مني لكن كان القدر اسرع من ان تصل رسالتي اليه.. كان الأحمدي انساناً بكل ما تحمله الانسانية من معان.. وكان اخاً كبيراً لي ورغن تفاوت العمر الذي بيننا لكنه لم يشعرني ذات يوم بهذا الفرق.. كنت أقرأ عليه ما اكتب مت شعر، ومسرحية.. وكان يقرأ لي آخر قصة كتبها.. جديلة نون، وذبابة التمثال اطلعني عليهما، وأهداني نسخة بخط يده ما زلت احتفظ بها في منزلي بالبصرة.. وتألمت جداً أني لم اصطحب معي في منفاي ما كتب لي.. سنوات ليست بالقليلة جمعتني به.. ووقف الى جانبي يوم دك العوز قواي ولم يبق لي كتاب لأبيعه في السوق كي أقوّت بثمنه عيالي.. كان معينا لي بالشدة.. ومؤازراً.. هنأني لنجاح مسرحية كاروك.. وفرح بها أكثر مني.. كما فرحت لصدور روايته نجيمات الظهيرة وكتبت عنها آنذاك.. يكتب بصمت، ويكره اللقاءات الصحفية.. حاولت مراراً أن أنشر له لقاءاً صحافياً لكنه امتنع.. كان يقول: (دع منجزك الإبداعي يتحدث عنك..)..
الذي لم يعرف عن الاحمدي انه كتب الشعر.. وله كتاب مخطوط اطلعت عليه.. بل لازمته خلال كتابته وكان يقرأ لي كل يوم ما يكتب.. الكتاب هو عبارة عن قصيدة طويلة بعنوان (ريح يوسف).. طالما جلسنا في مقهى سيد هاني خلال ليال شهر رمضان وقرأ علي مقاطع من ريح يوسف.. لا أعرف هل ترى ريح يوسف النور..؟
يوم كتبت ديوان (طقوس العري) وهي قصائد من نوع خاص وعرضته عليه.. كتب لي بخط يده.. (اطلق طقوسك يا أخي …).
كان الأحمدي مبدعاً كبيراً لم يحظ باهتمام كبير ذلك لابتعاده عن بهرجة المهرجانات.. يحمل مخطوطاته بيده.. روايتان، ومجموعة قصص.. وجه الملك واحدة من المخطوطات التي قرأتها.. يكتب بلغة جميلة وباسلوب عرف هو به.. لا يحتكر معرفة فهو معلم للجميع..
والأحمدي فنان تشكيلي ايضاً.. يرسم لوحات لا تقل أهمية عن قصصه.. أتذكر أن أحد الأخوة الشعراء قد ضمّن ديوانه الشعري الأول بلوحات للفقيد الأحمدي..
تلك بعض الذكريات، سردتها على عجالة آملاً أن تسعفني الذاكرة لسرد ما بقي في طي الأيام.. رحمك الله ايها المعلم الكبير.. أيها الأخ المحب.. والروائي المبدع، والقاص المجد.. والانسان الرائع).
ولا يسعني في هذه الذكرى الأليمة الا أن اقول: كان كاظم الأحمدي أخاً ومعلماً كبيراً..
في ذكرى رحيل كاظم الأحمدي
مقالات ذات الصلة
10/11/2024
21/10/2024