العنوان مفتاح للتأويل وإحالة أشارية إلى النص وهو كاشف عن مضامين النص الشعري بمجمل تحركاته الدرامية منذ افتتاح القصيدة وحتى انتهائها.والعنوان هو اول من ينبأ بشفرات النص فاذا ما فشل القارئ المنتج بفك شفرات العنوان سيتوه في حضرة النص الشعري خصوصا الحداثوي منه.فالعنوان يمارس تصدير مبكر للمعنى النصي للصور الشعرية والدلالات الموجودة في النص وهو يشهر عبر إيقاعه ودلالته اللفظية إلى تأثيث القصيدة وتشكيلها ويبين مدى حركة الفعل في النص الشعري.فللعنوان شعرية من نوع خاص.في النصوص الشعرية للشاعرة العراقية الشابة ( مريم العطار) يتصدر العنوان معنى القصيدة ويفصح عن الحالة النفسية لشخوص النص الشعري.وهي عناوين بغالبها ترفض الهيمنة الذكورية على المراة الشرقية والعراقية بوجه خاص وعبر العتبة ( العنوان ) ترسل لنا خسارات المرأة العراقية وهذا يتضح من عنوان مجموعتها الشعرية (وَأدْ) (فالعناوين تشكل علامات دالة تلخص مدارات التجربة والأبعاد الرمزية لها، فهي تمثل مفاتيح دلالية تؤدي وظيفة إيحائية) (1) فغالبية نصوصها تحمل الرفض المطلق ( لأفعال – مجتمعية ذكورية) تحاول تسليع المرأة وتصديرها كخشبة لا حياة فيها وجارية تطيع امر مولاها.فهي كتبت نص تحت عنوان (حملُ كاذب) تقول فيه : (أنا حامل)بطفلةٍ بكلّ الوان البشرةِ لا عُنصريّة/لها ثلاثونَ رِجل لكلّ ايّامِ الشّهْر/و يداً واحدةً لا للتَفرقة) وهنا تكشف عن رفض مطلق من قبل ذات انثوية واعية.فالاتهام الذكوري الموجه يلقى على ( نقاء طفلة) وليس ( حمل كاذب) بل تلك التقولات الذكورية تحاول ان تهدم نقاء الطفل داخل المراة التي تكلمت بلسانها الشاعرة مريم العطار.وتقول في نص (ادين الذكور):(أدينُ أبي بإطفاءِ البرْقِ الذي كان يخرج من عينيَّ وقتَ الغروب ../و أمّي تعضُّ شفاهها كأنها تعض على قلبي/و هل نصمتُ مرة أخرى ؟/نعم , انه شهريار و في أول ساعات مع أنفاس الصبح، تربّع في بيتنا)الفعل الابوي هو ليس فعلا خاصاً انما انطلقت من الخاص للعام لتؤثث قصيدته بالهم العام فليس المقصود الاب بالمعنى الأدق انه المجتمع الأبوي ( الذكوري) لتستدعي شهريار ليكون الاب القابع حارسا في كل بيت من اجل الاقامة الجبرية التي تمارس ضد النساء.وفي نص (طقوس مستعملة ) يتضح العنوان بتماثلية تامة مع بقية نصوصها التي تنطلق من لحظة التأزم لتعبر عن رفض مطلق لتلك السلوكيات والافعال وتقول في قصيدة اخرى عنوانها(تضيق المدينة)(إِنّ السماء فوق جبهةِ النساء/ضيقة لا تتسع لاِعلان نجوميّة إِحداهنّ/بيتٌ يلعنُ ابوابَه المؤصدةَ كلّ غروب)وقد لاحظت الفعل المضارع حاضراً في تشكيل العنوان دلالة على استمرارية التأزم اتجاه المرأة وسلبها حقوقها من المجتمع الذكوري وهو ما يشهد انتفاضة الشاعرة على المجتمع الذكوري الذي يوصد الباب امام تطلعات المرأة وأرادتها وطموحها.فالعنوان لدى الشاعرة فاصح وكاشف عن ذات رافضة ذات ناقمة من ( عالم / ذكوري) (يتعيّن العنوان في العمل الأدبي بوصفه علامةً لسانية ، تُحيل الى مضمون النص وتكشف بنيته الدلالية ، فتُشكّل بذلك نصاً آخر موازيا للنص/ المتن بتعبير جيرار جينيت ، وهو تقليد يطّرد في النصوص الأدبية بمختلف انواعها وتجنيساتها)(2) فتقول هي في نص اخر ( لا أجيدك) وفي نص اخر عنونت قصيدتها بالتالي(الرماد والدمار) فاحدهما يخلق من الأخر (أيها الدمار سأخبرك أمراً /وأنت تَلف حولي /يوم أحرقتني بفتيل قُبلة /ووقود نارٍ كانتا يدي /أصبحت حفنة رماد لكن من نصيبك ..) وكل تلك العناوين تؤكد عبر الدلالة المقصدية عن الوضع المتأزم للمرأة ازاء الهيمنة الذكورية وقمع كل الإرادة الأنثوية ويتضح عبر قراءة منتجة سيكولوجية الذات الانثوية والمصدات التي تحول دون تحقيق مطالب تلك الذات.وتقول العطار (3) في نص : (مَن أنا ؟)(أنا .. تُفاحة شَهية لِشاعر أعمى يبصر حين يَقضم الحب في أوراقهِ/أنا .. مسودة صادقة لِكاتب تَخرجُ مِنْ بوحهِ اِشاعات و أكاذيب لِلصُحفِ/أنا .. صديقة لِلحُزن العقيمِ و لَنْ أخون عِشرتي معه لأبادل القُبل مع الفَرح صباح يوم العيد) فمفردة الحزن قائمة ومسيطرة على نصوص الشاعرة مريم العطار فهي صديقة ( للحزن العقيم) وهي اذ ما تثبت كونها ضحية المجتمع ألذكوري فهي دلالة اعتراضية على التسليع لحرية المرأة وفق مشتهيات ذكورية بحتة.انها نصوص اعتراضية تحمل دلالة القول من ذات خاصة بشاعرة ولكنها ناطقة بذوات الأنثى بكافة بقاع العالم.
—————–
هوامش:
(1) شعرية العنوان في الشعر السوري المعاصر السياق والوظيفة/مفيد نجم : مجلة نزوة (2) ثراء النص،دلالة العنوان / محمد حبيب (3) مريم العطار شاعرة عراقية ولدت في ايران وتسكن ميسان تولد(1987)