المتغير في فلم رورو للمخرج البصري محمد العامري كان ان البطلة هي لبنانية وان المكان هو لبنان حيث ان المغامر محمد العامري يذهب بنا الى مفاجأة ومغايرة هذه المرة في فلمه (رورو)، انها تكسر محلية ما نتوقعه. ايفان الدراجي كاتبة السيناريو
التي تشكل اضافة مهمة على التجارب السينمائية الشابة في البصرة وهي تشكل مع محمد العامري توأمة في اكثر من فيلم. ايفان وبسبب ديمومتها الثقافية لتحرر المرأة تذهب بنا الى مساحة من الضياع ، من التيه، من العبث الذي تعانيه الفتاة العربية في مجتمع تغيب فيه مؤسسات انتاجية انسانية تضبط مسار الفرد نحو الهدف.
(رورو) شابة لا تشير بوصلتها الى اتجاه محدد، (رورو) في لبنان وتونس ومصر والكويت والبصرة..(رورو) هي نموذج يشير الى ظاهرة العبث الذي يصاحب حياة الافراد في البلدان التي طالتها الحروب. انتجت فرنسا بعد الحرب فيلم اسمه التانغو الاخير في باريس ويعتبر سابع اكثر فيلم اثارة للجدل في تاريخ السينما وهو من سيناريو واخراج بيرنارد بيرتولوشي وبطولة مارلون براندو ، الفيلم منع عرضه في فرنسا نفسها بسبب جرأة التناول.. في عبث (رورو) مساحة فارغة من الخلل رصدها العامري محمد وايفان الدراجي وكأنما قد وضعا بطلتهما (رورو) تحت المجهر.
تقول (رورو) في مذكرتها الادبية وكأن المقولة لايفان الدراجي (أنا ارفض ان اكون تحت المجهر) الفيلم عبارة عن سيرة حياة مختزلة لفتاة ضائعة او لضياع انساني هذا الضياع هو رسالة احتجاج للمجتمع العربي وللمجتمع الانساني ايضا.
هناك مونولوج للبطلة وهذا المونولوج هو العامود الفقري أو النسغ السردي الرئيس الضابط لبنى السرد في الفيلم. المونولج هو المعادل الموضوعي لقصة (رورو).. حتى انها لتبدو بلا اسم ، يبدو أن هذا اسم (رورو) حركيا هشا ضمن مربع حياتها تلك الشقة التي تؤطر وحدتها مثل دائرة حمراء.
محمد العامري فكك المونولوج ، فكك الحوار الداخلي للبطلة، جعل أحدا ما يحاور (رورو) عبر شخصية الدمية التي ترافقها..الحوار الطريف بينها وبين الدمية هو تكنيك للحصول على شخصية (رورو) الى تفاصيل ومناطق خفية من شخصيتها. ولم يتخل محمد العامري عن المونولوج، عن الصوت الانساني الواحد كما في الصوت الانساني (كوكو) . جعل من (رورو) تؤسس للعبة الحوار بينها وبين الدمية.
– أنت جبانة !
هو موقف نقدي ذاتي للانحطاط ، للخوف ، للانسحاق الانساني الذي تعيشه (رورو) .. أتوقف طويلا عند المدرج الصوتي عند الصوت البشري لرورو..محمد العامري اعطى حرية عالية لاداء (رورو) السردي من خلال تحرير منطوقة الانفعالات نحو الظن ومختلف المشاعر.
فيلم (رورو) هو رسالة احتجاج قاتمة واضحة فيه صفة السيناريو..صفة الرسالة التي كتبتها ايفان الدراجي وكأن المؤلفة قد أخضعت (رورو) الى صفقة التخطيط ، الى شخصية ابداعية مستخلصة من عالم (رورو) الخام والكتابة الابداعية المؤسسة لبنية الحوار بينها وبين الدمية وهو الاقرب الى مسرح العرائس، اقرب الى اعدام شاخص الرجل في حياة (رورو). وكنت اتمنى ان يستغل المخرج محمد العامري تفصيل كتابة المذكرة بقيت الكاميرا طويلا عند الورقة والقلم وكان من الممكن ان تخرجنا مذكرة (رورو) الى مكان آخر عندما كتبت (في الساعة الرابعة عصرا) وكأنها تعطينا للحكاية فرصة للسرد وتجاوز المكان.
أرفع القبعة الى صانع الفيلم محمد العامري الذي امتلك جرأة المحاولة وقدرة المعالجة لصناعة رسالة احتجاج للمجتمع الانساني عبر اقتحام تلك المناطق السرية المعتمة في مدينتنا المزدحمة بالازمات.
——————————-
ورقة نقدية خلال عرض فيلم (رورو) ألقاها الكاتب والسيناريست فائز الكنعاني في جلسة مؤسسة آنو للفنون الأدائية بالبصرة.
—