إنه زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران، الذي اغتالته عناصر “فيلق القدس” الإيراني الإرهابي في فينا عام 1989.
عرفته في براغ عندما كنت ممثل الحزب الشيوعي العراقي في المجلة الشيوعية الدولية، ومسئول تنظيمات الحزب في تشيكوسلوفاكيا- [ عهد ذاك]. كانت تلك سنوات 1961 و1966 ، وكان قاسملو أستاذا للاقتصاد السياسي في إحدى كليات براغ.
لا أتذكر اليوم والمناسبة، ولكننا سرعان ما صرنا صديقين، وكنا نتداول في القضية الكردية، وكان يعرض علي مسودات بعض فصول كتابه المتميز” كردستان والأكراد… دراسة سياسية واقتصادية”، فنتناقش في الموضوع. وكان غزير المعلومات ودقيق التحليل في أوضاع أكراد المنطقة، وبالأخص أكراد إيران. وقد ترجم هذا الكتاب الهام للعربية عام 1970 عن دار “المؤسسة اللبنانية للنشر” في بيروت. كما صدر الكتاب بلغات أخرى.
كان قاسملو يتقن عدة لغات، كتابة وقراءة وخطابا، ومنها، عدا الكردية والفارسية، العربية، والتشيكية، والإنجليزية، والفرنسية، والروسية.
كان الفقيد شخصية محببة، كثير النكتة، ظريف العشرة، ومحبا للحياة، فيما كانت حياته ملتصقة بقضيته السياسية: قضية الشعب الكردي في إيران.
عرفته ماركسيا متفتح، وقوميا لبراليا، علمانيا، وكان ينتقد بجرأة، وهو في الدول الاشتراكية، تخبط أنظمتها، ومظاهر انحرافاتها. وعندما غزت القوات السوفيتية براغ عام 1968 ، – بعد عودتي للعراق- ، فإنه أدان الغزو، في حين كنت من مؤيديه بحجة هيمنة “الانحراف اليميني” والمنحرفين اليمينيين على السلطة في تشيكوسلوفاكيا. لقد كان أبعد مني نظرا وأدق تحليلا.
وعاد قاسملو إلى ساحة النضال الفعلي والشاق في كردستان إيران، ليتبوأ بسرعة مركز زعيمها الأول، وبكل استحقاق.
وخلافا لتخبط زعماء أكراد آخرين، في العراق وغيره، فقد كان الفقيد يميز بين المبادئ والإستراتيجية وبين التكتيك، ولا يضحي بالأولى من أجل اعتبارات فورية ضيقة، كما جرى في العراق أكثر من مرة. وبينما كان يدعو إلى هدف تغيير نظام الشاه، وتحقيق شعار [الديمقراطية لإيران والحكم الذاتي لكردستان إيران]، فإنه لم يكن يعارض استخدام التكتيكات السلمية والتدرجية، وتحقيق أية مطالب جزئية تقرب من الهدف الإستراتيجي. كان عقلانيا لا يتطرف في سقف المطالب، ولم يكن يثقف الجماهير والحزبيين بمطلب الانفصال، بل يركز على هدف الحكم الذاتي.
وعندما توصلت القيادة الكردستانية في العراق مع نظام البعث في 11 آذار عام 1970 إلى الإعلان الشهير، الذي وعد بالحكم الذاتي في أربع سنوات، وتحققت بعض الخطوات التي رحبت بها القوى التقدمية والكردية العراقية، رحب قاسملو وحزبه بكل ذلك. وقد زار العراق مرارا خلال تلك الفترة دون أن يسمح لنفسه أو حزبه بالتحول إلى أداة دعاية أو بيدق للسلطة البعثية في صراعاتها وحساباتها الإقليمية. وللتذكير، فقد جاء العراق في تلك السنوات العديد من زعماء اليسار العرب للعراق، ولاسيما من مصر، وأحسن النظام الاهتمام بهم، ولكن لا تعاطفا مع أفكارهم، بل على سبيل الدعاية والحسابات التكتيكية، المحلية والعربية. وقد التقيت بقاسملو في بغداد مرة، ثم التقينا في باريس مرة، وجددنا الصداقة، وسهرنا معا في مطاعم باريسية كان هو من يختارها، إذ كان- فضلا عن تكريس نفسه وحياته للقضية الكردية – رجل حياة كما قلت آنفا، أو كما يقول الجواهري: ” حب الحياة بحب الموت يغريني.” والملفت للنظر، أن الدول الغربية لم تتعاطف إلا قليلا مع حزب قاسملو، بل إن واشنطن رفضت منحه سمة الدخول إلا عشية اغتياله، فلم تتم الزيارة التي كان حريصا على أن تتم لصالح الدعاية لقضية شعبه المكافح. وكان نظام خميني، حال قيامه، قد شرع بالحرب على كل القوى الديمقراطية والعلمانية التي أيدت الثورة الإيرانية، وكان أن شن حربا جديدة على شعب كردستان إيران. وقد وقع الفقيد ضحية حسن الظن بنظام الفقيه حين ادعى هذا أنه يريد التفاوض مع قاسملو لإيجاد حلول للقضية الكردية. وتم الاتفاق على اللقاء في فينا. وكان النظام الإيراني قد أعد فخا خبيثا- ولكنه دموي- لقاسملو ورفيقين من قيادته، فأرسلوا مجموعة من عناصر فيلق القدس الإرهابي تحت غطاء “التفاوض”، ولما جرى الاجتماع، اغتالوهم بكل جبن وخسة اعتاد عليهما نظام الخمينيين. كان ذلك في 13 تموز 1989 بفينا. وقد كشفت السلطات النمساوية خيوط المؤامرة وعناصر التنفيذ ولكنها لم تتهم إيران صراحة، ولا يزال نظام الفقيه يسعى مع النمسا لطمس الحقائق. ويذكر [مهدي دادستان] و[ديميتري جانيو] في كتابهما ” الملالي ورقصة المذبوح”، الصادر بالفرنسية، أن الجنرال في حرس الثورة، المدعو [جعفر شهرودي]، شارك في عملية الاغتيال. وقد أصبح شهرودي فيما بعد أحد قادة فيلق القدس، وأحد المقربين من أحمدي نجاد. وقد أعلن أحد نواب “الخضر” النمساويين، واسمه [بيتربيلز]، وكذلك صحيفة [ستاندارد] النمساوية، بأن أحمدي نجاد شارك في عملية التنفيذ. وقد أقام النائب دعوى قضائية على حكومة النمسا بتهمة “لفلفة القضية لأسباب تجارية”- علما بأن نجاد كان يزور فينا في تلك الأيام باسم “البحث عن مصادر” لأطروحته في الهندسة؟ [أية صدفة!!] ويقول الكتاب إن إيكال تنفيذ الخطة لعناصر القدس من زملاء أحمدي نجاد يعود لمعرفتهم التامة بأوضاع كردستان وقواها السياسية، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران وزعمائه. ويقول المؤلفان، بالمناسبة، إن وزير الخارجية متقي كان هو الآخر من عناصر فيلق القدس الإرهابي.
من اليوم من يثيرون موضوع حرب نظام الفقيه على الأكراد؟؟!! فالنظام الإيراني يعربد في إيران والمنطقة دون أن يجد رادعا قويا لوقف سياسته الخطرة على أمن المنطقة والعالم- أللهم إلا تهديدات أوباما المتكررة بالعقوبات والتي صارت شبه “بايخة”. أما جريمة اغتيال قاسملو وزميليه، فهي الأخرى تكاد تذهب قيد النسيان بسبب الضغوط الإيرانية المستمرة على النمسا لطي تلك الصفحة الدموية من جرائم نظام الفقيه وجيشه “الثوري” و”فيلقه” الإرهابيين.
ذهبت دماء الضحايا منسية لحد اليوم، وما عدا بضع كلمات ومقالات رثاء لقاسملو في حينه، فلم يعد موضع ذكر حتى بين أكراد العراق!! – وإن كان لا يزال في أعماق القلوب لدى أصدقائه ومحبيه ورفاق حركته المناضلة.
وكما كتبت في حينه، تحت عنوان ” عبد الرحمن قاسملو: وفي الليلة الظلماء…!”، فإن من الصحيح القول بأن “قاسملو كان يمثل مدرسة سياسية متقدمة بين بقية التجارب السياسية الكردية، ومنها في العراق. فما أحرى اسمه وذكراه بأن يستثيرا همة وإرادة التصحيح والتجاوز والمبدئية لدى الآخرين.”
21 آذار 2010
عرفته في براغ عندما كنت ممثل الحزب الشيوعي العراقي في المجلة الشيوعية الدولية، ومسئول تنظيمات الحزب في تشيكوسلوفاكيا- [ عهد ذاك]. كانت تلك سنوات 1961 و1966 ، وكان قاسملو أستاذا للاقتصاد السياسي في إحدى كليات براغ.
لا أتذكر اليوم والمناسبة، ولكننا سرعان ما صرنا صديقين، وكنا نتداول في القضية الكردية، وكان يعرض علي مسودات بعض فصول كتابه المتميز” كردستان والأكراد… دراسة سياسية واقتصادية”، فنتناقش في الموضوع. وكان غزير المعلومات ودقيق التحليل في أوضاع أكراد المنطقة، وبالأخص أكراد إيران. وقد ترجم هذا الكتاب الهام للعربية عام 1970 عن دار “المؤسسة اللبنانية للنشر” في بيروت. كما صدر الكتاب بلغات أخرى.
كان قاسملو يتقن عدة لغات، كتابة وقراءة وخطابا، ومنها، عدا الكردية والفارسية، العربية، والتشيكية، والإنجليزية، والفرنسية، والروسية.
كان الفقيد شخصية محببة، كثير النكتة، ظريف العشرة، ومحبا للحياة، فيما كانت حياته ملتصقة بقضيته السياسية: قضية الشعب الكردي في إيران.
عرفته ماركسيا متفتح، وقوميا لبراليا، علمانيا، وكان ينتقد بجرأة، وهو في الدول الاشتراكية، تخبط أنظمتها، ومظاهر انحرافاتها. وعندما غزت القوات السوفيتية براغ عام 1968 ، – بعد عودتي للعراق- ، فإنه أدان الغزو، في حين كنت من مؤيديه بحجة هيمنة “الانحراف اليميني” والمنحرفين اليمينيين على السلطة في تشيكوسلوفاكيا. لقد كان أبعد مني نظرا وأدق تحليلا.
وعاد قاسملو إلى ساحة النضال الفعلي والشاق في كردستان إيران، ليتبوأ بسرعة مركز زعيمها الأول، وبكل استحقاق.
وخلافا لتخبط زعماء أكراد آخرين، في العراق وغيره، فقد كان الفقيد يميز بين المبادئ والإستراتيجية وبين التكتيك، ولا يضحي بالأولى من أجل اعتبارات فورية ضيقة، كما جرى في العراق أكثر من مرة. وبينما كان يدعو إلى هدف تغيير نظام الشاه، وتحقيق شعار [الديمقراطية لإيران والحكم الذاتي لكردستان إيران]، فإنه لم يكن يعارض استخدام التكتيكات السلمية والتدرجية، وتحقيق أية مطالب جزئية تقرب من الهدف الإستراتيجي. كان عقلانيا لا يتطرف في سقف المطالب، ولم يكن يثقف الجماهير والحزبيين بمطلب الانفصال، بل يركز على هدف الحكم الذاتي.
وعندما توصلت القيادة الكردستانية في العراق مع نظام البعث في 11 آذار عام 1970 إلى الإعلان الشهير، الذي وعد بالحكم الذاتي في أربع سنوات، وتحققت بعض الخطوات التي رحبت بها القوى التقدمية والكردية العراقية، رحب قاسملو وحزبه بكل ذلك. وقد زار العراق مرارا خلال تلك الفترة دون أن يسمح لنفسه أو حزبه بالتحول إلى أداة دعاية أو بيدق للسلطة البعثية في صراعاتها وحساباتها الإقليمية. وللتذكير، فقد جاء العراق في تلك السنوات العديد من زعماء اليسار العرب للعراق، ولاسيما من مصر، وأحسن النظام الاهتمام بهم، ولكن لا تعاطفا مع أفكارهم، بل على سبيل الدعاية والحسابات التكتيكية، المحلية والعربية. وقد التقيت بقاسملو في بغداد مرة، ثم التقينا في باريس مرة، وجددنا الصداقة، وسهرنا معا في مطاعم باريسية كان هو من يختارها، إذ كان- فضلا عن تكريس نفسه وحياته للقضية الكردية – رجل حياة كما قلت آنفا، أو كما يقول الجواهري: ” حب الحياة بحب الموت يغريني.” والملفت للنظر، أن الدول الغربية لم تتعاطف إلا قليلا مع حزب قاسملو، بل إن واشنطن رفضت منحه سمة الدخول إلا عشية اغتياله، فلم تتم الزيارة التي كان حريصا على أن تتم لصالح الدعاية لقضية شعبه المكافح. وكان نظام خميني، حال قيامه، قد شرع بالحرب على كل القوى الديمقراطية والعلمانية التي أيدت الثورة الإيرانية، وكان أن شن حربا جديدة على شعب كردستان إيران. وقد وقع الفقيد ضحية حسن الظن بنظام الفقيه حين ادعى هذا أنه يريد التفاوض مع قاسملو لإيجاد حلول للقضية الكردية. وتم الاتفاق على اللقاء في فينا. وكان النظام الإيراني قد أعد فخا خبيثا- ولكنه دموي- لقاسملو ورفيقين من قيادته، فأرسلوا مجموعة من عناصر فيلق القدس الإرهابي تحت غطاء “التفاوض”، ولما جرى الاجتماع، اغتالوهم بكل جبن وخسة اعتاد عليهما نظام الخمينيين. كان ذلك في 13 تموز 1989 بفينا. وقد كشفت السلطات النمساوية خيوط المؤامرة وعناصر التنفيذ ولكنها لم تتهم إيران صراحة، ولا يزال نظام الفقيه يسعى مع النمسا لطمس الحقائق. ويذكر [مهدي دادستان] و[ديميتري جانيو] في كتابهما ” الملالي ورقصة المذبوح”، الصادر بالفرنسية، أن الجنرال في حرس الثورة، المدعو [جعفر شهرودي]، شارك في عملية الاغتيال. وقد أصبح شهرودي فيما بعد أحد قادة فيلق القدس، وأحد المقربين من أحمدي نجاد. وقد أعلن أحد نواب “الخضر” النمساويين، واسمه [بيتربيلز]، وكذلك صحيفة [ستاندارد] النمساوية، بأن أحمدي نجاد شارك في عملية التنفيذ. وقد أقام النائب دعوى قضائية على حكومة النمسا بتهمة “لفلفة القضية لأسباب تجارية”- علما بأن نجاد كان يزور فينا في تلك الأيام باسم “البحث عن مصادر” لأطروحته في الهندسة؟ [أية صدفة!!] ويقول الكتاب إن إيكال تنفيذ الخطة لعناصر القدس من زملاء أحمدي نجاد يعود لمعرفتهم التامة بأوضاع كردستان وقواها السياسية، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران وزعمائه. ويقول المؤلفان، بالمناسبة، إن وزير الخارجية متقي كان هو الآخر من عناصر فيلق القدس الإرهابي.
من اليوم من يثيرون موضوع حرب نظام الفقيه على الأكراد؟؟!! فالنظام الإيراني يعربد في إيران والمنطقة دون أن يجد رادعا قويا لوقف سياسته الخطرة على أمن المنطقة والعالم- أللهم إلا تهديدات أوباما المتكررة بالعقوبات والتي صارت شبه “بايخة”. أما جريمة اغتيال قاسملو وزميليه، فهي الأخرى تكاد تذهب قيد النسيان بسبب الضغوط الإيرانية المستمرة على النمسا لطي تلك الصفحة الدموية من جرائم نظام الفقيه وجيشه “الثوري” و”فيلقه” الإرهابيين.
ذهبت دماء الضحايا منسية لحد اليوم، وما عدا بضع كلمات ومقالات رثاء لقاسملو في حينه، فلم يعد موضع ذكر حتى بين أكراد العراق!! – وإن كان لا يزال في أعماق القلوب لدى أصدقائه ومحبيه ورفاق حركته المناضلة.
وكما كتبت في حينه، تحت عنوان ” عبد الرحمن قاسملو: وفي الليلة الظلماء…!”، فإن من الصحيح القول بأن “قاسملو كان يمثل مدرسة سياسية متقدمة بين بقية التجارب السياسية الكردية، ومنها في العراق. فما أحرى اسمه وذكراه بأن يستثيرا همة وإرادة التصحيح والتجاوز والمبدئية لدى الآخرين.”
21 آذار 2010