يُخلِص الفنان صالح كريم لرؤيته الأخلاقية تجاه الواقع الاجتماعي، فيحاكي نشاط شخصياته ومواقفها اليومية ويحيطها بعاطفته الرسموية حدَّ التماهي والتداخل مع أوضاعها التعبيرية. يحشد الفنان شخوص لوحته ويسد ثغرات المساحة التصويرية حولها كي لا يتسلل شعورٌ بالتهاون في تصميم أوضاعها او ضعفٌ في التصور الإنساني لحضورها الكثيف في اطار تلك المساحة. وكلما ارتصّت الشخوص والتحمت في مشهد مستوحى من الطبيعة (الريفية خاصة) وضَحَ إخلاصُ الفنان لمنهجه التشخيصي وكانت المحاكاة أصدق من بناء مشهدٍ تزيينيّ يوشّح الواقعَ الحقيقي الذي جاءت منه وحسب. لقد ارتفعت هذه الأوضاع الإنسانية بقدرة الفنان على تصميم مجاميع قادرة على النطق والتعبير عن أعلى القيم الأخلاقية والجمالية.
تتمثل طريقة الفنان صالح كريم التشخيصية في رسم مشاهد حكائية مرنة الخطوط، عميقة الدلالة: وجوه جميلة وانثناءات جسدية متوائمة. وبتعبير آخر فإن هذه الشخوص تؤدي رقصة الطبيعة الخلوية كما تصورها فنانو عصر النهضة، وطورها ماتيس ومجموعة الانطباعيين بخطوطهم النقية المرهفة، وألوانهم المعبرة عن البهجة والجمال. وهكذا اتصلت أشكال صالح كريم بنسق الحركة الدائرية لمجموعة الراقصين، بعد أن ربطها بجو العمل اليومي وأوضاع العائلة الواحدة. فثمة روابط وتسلسل إنشائي يوحّد هذه الكتل المتراصة ويحول دون انفراطها وخضوعها لشروط خارجة عن نسقها الاجتماعي وانخراطها في وظيفتها الانسانية السامية. وعموماً، فإن الفنان صالح كريم يهتم بالصورة الطقسية للمجموعات (النسوية خاصة)، لكنه يصمم كل جزء منها ليعبّر عن وضع مختلف، من خلال ابتكار أدوار خطّية ولونية لكل فرد منها. لهذا فما يبدو طقسياً وتسلسلياً في لوحاته، يعود فيستقلّ عن الشعور العام، ويبتكر موقفه الخاص بحسب التصميم الداخلي للحركة والتعبير. ولربما أراد الفنان أن يجذب متلقي لوحاته الى هذه الخصوصية التعبيرية بتعميق الخطوط المحيطة بكل شكل حتى ليكاد يفصله عن الموضوع المتماسك بعناصره وأشكاله.
إن استغراق صالح كريم في إنشاء موضوعاته المتسلسلة يصدر عن أسلوب خاص بالفنان اكتسبه من مهارته في تخطيط الوجوه (البورتريه). وقد يلاحظ المتلقي المتفحص هذا التركيز التخطيطي على الوجوه المشاركة في طقس جماعي. فهذه الوجوه التي تندمج في كتلة خطية ولونية متماسكة تحاول الانفلات من هذا الوضع لتطرح تعبيرها المنفرد الخاص بهويتها ونشوئها بين المجموعات البشرية في الحياة العامة. وهذا البُعد التصميمي/ التخطيطي يؤكد رغبة الفنان في التحرر والانفراد برؤية فنية متميزة. والنتيجة فإن صالح كريم هو رسام وجوهٍ بالدرجة الأولى، قبل تصنيفه رساماً طبيعياً فطرياً، أو انطباعياً/ تعبيرياً. إنه من “طينة حرة” لا انشراخ لسبيكتها ولا انفراط لمكوناتها.
على هذا “الطين” خط صالح كريم حروفه الأولى، ويزخر اللوح اليوم بإمضاءات أخرى تتناسب والفطرة الرسموية التي نشأ عليها طفل الأمس، حتى ليصعب التمييز بين الحرف والكلمة والشكل في لوحات فنان اليوم. فهي جميعها تتشكل بتكوين يحاكي ليونة الحرف العربي وتنوع بنيته الزخرفية والتعبيرية .