أمران يشكلان محكاً لتبيان مدى انهيار أي مجتمع أو أي كيان بشري. المحك الأول هو خراب المؤسسة القضائية، فبخرابها يقع المجتمع في دائرة الفوضى والفساد واللاقانون. أما المحك الآخر وهو أشد خطورة فهو خراب الثقافة وفساد المثقفين والمؤسسة الثقافية وتحولها إلى بوق وتابع للهيئات الحاكمة الفاسدة والاستبدادية. إننا لو تصفحنا تاريخنا وتاريخ الأمم الأخرى لوجدنا أمثلة كثيرة على خراب المؤسسات القضائية حيث شاع “حكم قراقوش” في التراث العربي أو “ديوان بلخ” في التراث الفارسي. ولكن أياً كان الحد الذي يصل إليه الفساد في القضاء، إلاّ إن الفساد في المؤسسة الثقافية وسيطرة الحاكم عليها لا يؤدي إلاّ إلى فساد ثقافي وانهيار في القيم والأخلاق يعم كل زوايا المجتمع.
ولعل خير شاهد على ذلك ما جرى في بلدنا عندما نُصّب على المؤسسات الثقافية شاب جاهل أرعن مثل عدي صدام حسين، بعد أن تولى مهمة إدارة المؤسسات الثقافية بعد ثورة تموز نابغة الشعر الراحل محمد مهدي الجواهري. هذا الانقلاب الرجعي في تولي إدارة المؤسسات ثقافية خلال العهد السابق، وما رافقه من تنكيل وعسف وتهميش طال كل رموز الثقافة العراقية، بحيث تم إسقاط الجنسية العراقية عن الجواهري الكبير وعدد آخر من نخبة العراق الثقافية، قاد البلاد إلى ما نشهده الآن من مأزق ثقافي وقيمي وأخلاقي خطير جراء ما لحق بالثقافة من دمار خلال العقود الأربع الماضية. وقد لا يقتصر هذا التراجع الثقافي والردة على العراق فحسب، بل تحولت هذه الردة إلى عاصفة مدمرة شملت كل الدول العربية والعالم الإسلامي. ونشهد الآن هيمنة ثقافة العنف والفساد وانهيار القيم والتنكيل بالثقافة وأربابها في مجتمعاتنا، بحيث تحول تيار الردة والتجهيل العبثي مثل القاعدة ومثيلاتها من التيارات الدينية والقومية المتعصبة إلى واجهة القيم الزائفة المدمِرة التي تعصف بالعالم المعاصر.
ولا يمكن أن تفسر مؤامرة استبعاد اتحاد الأدباء والكتاب في العراق عن تولي مكانه الطبيعي في اتحاد الأدباء والكتاب العرب إلاّ في إطار هذا التشويه والتزييف والتنكيل الذي لحق منذ عقود بالمؤسسات الثقافية العربية وبالثقافة العربية وبوسط غير قليل من المثقفين. فخلال الأعوام السبعة الماضية حاولت نخبة من المثقفين العراقيين إعادة هيكلة المؤسسات الثقافية وبعث الروح فيها بعد أن زيفت ثم دمرت على يد زمر الحواسم الجاهلة، وبعد أن نهبت وأحرقت دور الثقافة والمكتبات والمتاحف بعد الإحتلال. لقد توقع بعض الأدباء العراقيين بتلقي الدعم من المؤسسات الثقافية العربية. ولكن تبدد هذا الأمل بسبب تحول فروع اتحاد الأدباء العرب إلى أبواق للسلاطين، وإلى شعبة من دوائر تفتيش العقائد السيئة الصيت أو من دوائر الرقابة والتكفير المنتشرة في العالم العربي. وزاد هذا الاتحاد المزعوم من زيفه حيث تحول إلى دائرة من دوائر العبث في “الجماهيرية العظمى”، لا تأخذ إرشاداتها وفتاواها إلاّ من العقيد القذافي. ولذا فمن الطبيعي أن يخشى المُنصّبون على اتحاد الأدباء العرب من هذا “الداء العراقي”، ولا يعترفوا باتحاد الأدباء والكتاب العراقيين لأنه وبعد الاحتلال أصبح الاتحاد الوحيد في العالم العربي الذي انتخب بشكل ديمقراطي، ولا يأتمر بأية أوامر أو وصاية من أي حاكم عربي وأجهزته القمعية. فطبقاً للدستور العراقي فإن اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين لا يأتمر بأوامر الحكومة العراقية، حيث أن وزير المالية العراقي الحالي والمنتهية ولايته قد جمّد أموال الاتحاد بحجج لا تختلف من حيث الجوهر عن حجج وكلاء السلاطين في اتحاد الأدباء العرب.
لقد أعيدت الحياة لإتحاد الكتاب والأدباء في العراق، وتم انتشاله من الأنقاض وبدأت الندوات الثقافية. وعاد النشاط رغم كل موجات القتل التي طالت العراقيين والمثقفين بوجه خاص على يد الإرهابيين والميليشيات المدعومة من دول الجوار. وعاد الكثير من الأدباء والفنانين إلى بلادهم رغم الصعوبات الناتجة من تسرب الإرهابيين، أو من محاربة الجهلة في العراق لرواد الثقافة والتنوير. وعمدت إدارة الاتحاد إلى إجراء انتخابات ديمقراطية لم يشهدها العراق منذ ثورة تموز ولحد انهيار الطغيان في عام 2003. كل ذلك يعد انجاز تاريخي. فقد بدأ المؤلفون بنشر ما كان محرماً في العهد السابق. ولم يكن بمقدور دور النشر العراقية أن تستجيب لهذا الضخ الكبير من المؤلفات. مما حدا بالمؤلفين العراقيين إلى البحث عن دور للنشر لطبع مؤلفاتهم في دمشق، التي رفض اتحاد الأدباء فيها عودة العراقيين إلى اتحاد الأدباء العرب، أو في بيروت والقاهرة ودور النشر العربية في أوربا وأمريكا. وكان من المنتظر أن يبادر هذا الاتحاد العربي إلى دعم الأدباء العراقيين لا محاربتهم في هذا الظرف الدقيق.
لقد إلتزم اتحاد الأدباء العرب الصمت، بل بارك نظام صدام حسين عندما كان الأدباء والفنانون العراقيين يتعرضون لأبشع أنواع الغدر والبطش والتهميش واسقاط الجنسية في عهد النظام السابق. فلم نسمع أية إدانة من قبل اتحاد الأدباء العرب لتلك التصفيات الجسدية التي طالت بعض كتابنا ومثقفينا المعروفين أمثال عزيز السيد جاسم وحاكم حسين وحميد ناصر الجيلاوي وصفاء الحافظ وصباح الدرة وشفيق الكمالي. في حين راح الكثير من الأدباء العرب في ذلك العهد على العكس من ذلك، من الأدباء العرب في ذلك العهد على العكس من ذلك ، يتهافتون بالمجئ إلى بغداد للحصول على كوبونات النفط، وسخروا كلماتهم لشتم العراقيين وتمجيد الطاغية والتحريض على الحروب والعدوان وبالترويج لسياسة النظام السابق المعادية للثقافة. فهم لا ينظرون إلى العراق إلا كمصدر للثراء والسحت. فقد تمادى البعض منهم إلى حد وصفهم لصدام حسين بأوصاف عجيبة، فتقول أحدى داعيات الثقافة:
” هل علمت خيول الأهل في إيوان
سيف الدولة الحلبي
بأنا ما منعنا الورد عن بردى
ولا جفلت ضروع الماء في النهرين
ولكن سقينا الخيل
في بغداد والبصرة
وأوصينا بنا صدام
وأوصينا بنا صدام
ان يسقي بلاد الشام
امواها خليجية.” !!!!
ويزوّر التاريخ مدّعي آخر من أدعياء الثقافة العرب حين يقول بحق صدام حسين ما يلي:” إن جيلنا المفجوع بنكبات ونكسات متلاحقة سوف يظل يتذكر بطل أم المعارك الرئيس صدام بكل مجد وكرامة. لأنه رمز النصر والأمل الباسم. وحيا الله الأيام التي تنبت معادن الرجال ولقد أثبتت الأيام دوما جدارة الامة العربية بالحياة واستحقاقها للمجد والفخر وأثبتت الايام دوما معدن الرئيس صدام حسين أصيل بشجاعته وقيادته الحكيمة. تحية الى الرجل الذي علم العالم معاني ثبات الايمان وقوة الاصرار الرئيس صدام”. فليس من الغريب أن يرفض مثل هؤلاء عودة الأدباء العراقيون إلى اتحاد الأدباء العرب. ولكن من المفارقة أن يبرر اتحاد الأدباء العرب رفضه للعراقيين لاحتلال مقعدهم بحجة الاحتلال. وكان آخر هذا الرفض ما صدر عن المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الذي عقد اجتماعه في القاهرة في الفترة من 1 ـ 4 حزيران/ يونيو 2010 الجاري الذي رفض الطلب العراقي المقدم من قبل اتحاد الأدباء والكتاب في العراق بشأن اعادة عضويته إلى الاتحاد، مرفقاً بالطلب كافة الوثائق والمستمسكات الداعمة لمشروعية الاتحاد العراقي ونتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في شهر نيسان 2010 الماضي. ويزوّر هذا القرار واقع الحال عندما يشير في حيثياته إلى ” واقع الكتاب والأدباء في العراق الذي ما يزال مضطربًا يشوبه العنف وعدم الاستقرار”، وكأن وجود دولة في غزة وأخرى في أريحا للفلسطينيين والصراع بين “هاتين الدولتين” هو مظهر من مظاهر الاستقرار الفلسطيني الذي يبرر بقاء اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الاتحاد ويبيح لممثلي هذا الاتحاد رفض الطلب العراقي. لقد جاء هذا الرفض منافياً لأبسط قواعد الديمقراطية، حيث حصل على موافقة ثمانية اتحادات عربية على عودة العراق ومعارضة أربعة ومن دون التصويت على القرار بعد تهديد الوفد الليبي بالانسحاب من الاتحاد.
ومن الغريب أن يكون أتحاد أدباء فلسطين من بين المطالبين الأربعة بهذا الرفض، والشعب الفلسطيني وأدبائه هم الذين يرزحون تحت الاحتلال الإسرائيلي وبلطجته التي لم تتوقف لحظة واحدة عن إزهاق أرواح الأبرياء من الفلسطينيين، وآخرها تلك الحملة الهمجية على أسطول الإغاثة التركية في وسط المياه الدولية. كما أنه من الغريب أن يكون اتحاد الأدباء الليبيين هو الأكثر إصراراً على رفض اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين في حين أن القيادة الليبية لم تحرك ساكناً من أجل طلب التعويضات وملاحقة المسؤولين عن قصف قصر القذافي وضحاياه من قبل الطائرات الأمريكية. كما لم يحرك الاتحاد الليبي ساكناً عندما انصاعت القيادة الليبية للضغط الغربي والأمريكي لمنعها من بناء مفاعلها النووي وسلمت كل معداته مجاناً إلى الولايات المتحدة. ويضاف إلى كل هذا التخاذل للقيادة الليبية تلك التعويضات التي تحملها الشعب الليبي وبمئات الملايين من الدولارات جراء جريمة تفجير الطائرة في لوكربي من قبل المخابرات الليبية. هذا في الوقت الذي يلاحق العراقيون جرائم وحماقات بعض الجنود الأمريكان في ساحة النسور واللطيفية وغيرها، بحيث تم إدانة من ارتكب هذه الجرائم من الجنود الأمريكان. ولا نريد أن نشير إلى اتحاد الأدباء السوريين الذي رفض هو الآخر طلب اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين بنفس الحجة، في حين أن أراضي من بلده مازالت مدنسة. فما هو سر هذه الازدواجية والمضاربة بالموقف من قبل اتحاد الأدباء العرب.
إن اصرار البعض في اتحاد الأدباء العرب على إبعاد العراقيين عن الاتحاد هو مظهر من مظاهر الابتذال والردة وسابقة خطيرة في تاريخ منظمة تدّعي تطوير الثقافة، ومؤشر على مدى الانحدار الذي وصل إليه بعض المتحكمين بالحباة الثقافية والسائرين على طريق التكفير والردة والعداء للثقافة الديمقراطية والتنوير.
13 حزيران 2010
ولعل خير شاهد على ذلك ما جرى في بلدنا عندما نُصّب على المؤسسات الثقافية شاب جاهل أرعن مثل عدي صدام حسين، بعد أن تولى مهمة إدارة المؤسسات الثقافية بعد ثورة تموز نابغة الشعر الراحل محمد مهدي الجواهري. هذا الانقلاب الرجعي في تولي إدارة المؤسسات ثقافية خلال العهد السابق، وما رافقه من تنكيل وعسف وتهميش طال كل رموز الثقافة العراقية، بحيث تم إسقاط الجنسية العراقية عن الجواهري الكبير وعدد آخر من نخبة العراق الثقافية، قاد البلاد إلى ما نشهده الآن من مأزق ثقافي وقيمي وأخلاقي خطير جراء ما لحق بالثقافة من دمار خلال العقود الأربع الماضية. وقد لا يقتصر هذا التراجع الثقافي والردة على العراق فحسب، بل تحولت هذه الردة إلى عاصفة مدمرة شملت كل الدول العربية والعالم الإسلامي. ونشهد الآن هيمنة ثقافة العنف والفساد وانهيار القيم والتنكيل بالثقافة وأربابها في مجتمعاتنا، بحيث تحول تيار الردة والتجهيل العبثي مثل القاعدة ومثيلاتها من التيارات الدينية والقومية المتعصبة إلى واجهة القيم الزائفة المدمِرة التي تعصف بالعالم المعاصر.
ولا يمكن أن تفسر مؤامرة استبعاد اتحاد الأدباء والكتاب في العراق عن تولي مكانه الطبيعي في اتحاد الأدباء والكتاب العرب إلاّ في إطار هذا التشويه والتزييف والتنكيل الذي لحق منذ عقود بالمؤسسات الثقافية العربية وبالثقافة العربية وبوسط غير قليل من المثقفين. فخلال الأعوام السبعة الماضية حاولت نخبة من المثقفين العراقيين إعادة هيكلة المؤسسات الثقافية وبعث الروح فيها بعد أن زيفت ثم دمرت على يد زمر الحواسم الجاهلة، وبعد أن نهبت وأحرقت دور الثقافة والمكتبات والمتاحف بعد الإحتلال. لقد توقع بعض الأدباء العراقيين بتلقي الدعم من المؤسسات الثقافية العربية. ولكن تبدد هذا الأمل بسبب تحول فروع اتحاد الأدباء العرب إلى أبواق للسلاطين، وإلى شعبة من دوائر تفتيش العقائد السيئة الصيت أو من دوائر الرقابة والتكفير المنتشرة في العالم العربي. وزاد هذا الاتحاد المزعوم من زيفه حيث تحول إلى دائرة من دوائر العبث في “الجماهيرية العظمى”، لا تأخذ إرشاداتها وفتاواها إلاّ من العقيد القذافي. ولذا فمن الطبيعي أن يخشى المُنصّبون على اتحاد الأدباء العرب من هذا “الداء العراقي”، ولا يعترفوا باتحاد الأدباء والكتاب العراقيين لأنه وبعد الاحتلال أصبح الاتحاد الوحيد في العالم العربي الذي انتخب بشكل ديمقراطي، ولا يأتمر بأية أوامر أو وصاية من أي حاكم عربي وأجهزته القمعية. فطبقاً للدستور العراقي فإن اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين لا يأتمر بأوامر الحكومة العراقية، حيث أن وزير المالية العراقي الحالي والمنتهية ولايته قد جمّد أموال الاتحاد بحجج لا تختلف من حيث الجوهر عن حجج وكلاء السلاطين في اتحاد الأدباء العرب.
لقد أعيدت الحياة لإتحاد الكتاب والأدباء في العراق، وتم انتشاله من الأنقاض وبدأت الندوات الثقافية. وعاد النشاط رغم كل موجات القتل التي طالت العراقيين والمثقفين بوجه خاص على يد الإرهابيين والميليشيات المدعومة من دول الجوار. وعاد الكثير من الأدباء والفنانين إلى بلادهم رغم الصعوبات الناتجة من تسرب الإرهابيين، أو من محاربة الجهلة في العراق لرواد الثقافة والتنوير. وعمدت إدارة الاتحاد إلى إجراء انتخابات ديمقراطية لم يشهدها العراق منذ ثورة تموز ولحد انهيار الطغيان في عام 2003. كل ذلك يعد انجاز تاريخي. فقد بدأ المؤلفون بنشر ما كان محرماً في العهد السابق. ولم يكن بمقدور دور النشر العراقية أن تستجيب لهذا الضخ الكبير من المؤلفات. مما حدا بالمؤلفين العراقيين إلى البحث عن دور للنشر لطبع مؤلفاتهم في دمشق، التي رفض اتحاد الأدباء فيها عودة العراقيين إلى اتحاد الأدباء العرب، أو في بيروت والقاهرة ودور النشر العربية في أوربا وأمريكا. وكان من المنتظر أن يبادر هذا الاتحاد العربي إلى دعم الأدباء العراقيين لا محاربتهم في هذا الظرف الدقيق.
لقد إلتزم اتحاد الأدباء العرب الصمت، بل بارك نظام صدام حسين عندما كان الأدباء والفنانون العراقيين يتعرضون لأبشع أنواع الغدر والبطش والتهميش واسقاط الجنسية في عهد النظام السابق. فلم نسمع أية إدانة من قبل اتحاد الأدباء العرب لتلك التصفيات الجسدية التي طالت بعض كتابنا ومثقفينا المعروفين أمثال عزيز السيد جاسم وحاكم حسين وحميد ناصر الجيلاوي وصفاء الحافظ وصباح الدرة وشفيق الكمالي. في حين راح الكثير من الأدباء العرب في ذلك العهد على العكس من ذلك، من الأدباء العرب في ذلك العهد على العكس من ذلك ، يتهافتون بالمجئ إلى بغداد للحصول على كوبونات النفط، وسخروا كلماتهم لشتم العراقيين وتمجيد الطاغية والتحريض على الحروب والعدوان وبالترويج لسياسة النظام السابق المعادية للثقافة. فهم لا ينظرون إلى العراق إلا كمصدر للثراء والسحت. فقد تمادى البعض منهم إلى حد وصفهم لصدام حسين بأوصاف عجيبة، فتقول أحدى داعيات الثقافة:
” هل علمت خيول الأهل في إيوان
سيف الدولة الحلبي
بأنا ما منعنا الورد عن بردى
ولا جفلت ضروع الماء في النهرين
ولكن سقينا الخيل
في بغداد والبصرة
وأوصينا بنا صدام
وأوصينا بنا صدام
ان يسقي بلاد الشام
امواها خليجية.” !!!!
ويزوّر التاريخ مدّعي آخر من أدعياء الثقافة العرب حين يقول بحق صدام حسين ما يلي:” إن جيلنا المفجوع بنكبات ونكسات متلاحقة سوف يظل يتذكر بطل أم المعارك الرئيس صدام بكل مجد وكرامة. لأنه رمز النصر والأمل الباسم. وحيا الله الأيام التي تنبت معادن الرجال ولقد أثبتت الأيام دوما جدارة الامة العربية بالحياة واستحقاقها للمجد والفخر وأثبتت الايام دوما معدن الرئيس صدام حسين أصيل بشجاعته وقيادته الحكيمة. تحية الى الرجل الذي علم العالم معاني ثبات الايمان وقوة الاصرار الرئيس صدام”. فليس من الغريب أن يرفض مثل هؤلاء عودة الأدباء العراقيون إلى اتحاد الأدباء العرب. ولكن من المفارقة أن يبرر اتحاد الأدباء العرب رفضه للعراقيين لاحتلال مقعدهم بحجة الاحتلال. وكان آخر هذا الرفض ما صدر عن المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الذي عقد اجتماعه في القاهرة في الفترة من 1 ـ 4 حزيران/ يونيو 2010 الجاري الذي رفض الطلب العراقي المقدم من قبل اتحاد الأدباء والكتاب في العراق بشأن اعادة عضويته إلى الاتحاد، مرفقاً بالطلب كافة الوثائق والمستمسكات الداعمة لمشروعية الاتحاد العراقي ونتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في شهر نيسان 2010 الماضي. ويزوّر هذا القرار واقع الحال عندما يشير في حيثياته إلى ” واقع الكتاب والأدباء في العراق الذي ما يزال مضطربًا يشوبه العنف وعدم الاستقرار”، وكأن وجود دولة في غزة وأخرى في أريحا للفلسطينيين والصراع بين “هاتين الدولتين” هو مظهر من مظاهر الاستقرار الفلسطيني الذي يبرر بقاء اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الاتحاد ويبيح لممثلي هذا الاتحاد رفض الطلب العراقي. لقد جاء هذا الرفض منافياً لأبسط قواعد الديمقراطية، حيث حصل على موافقة ثمانية اتحادات عربية على عودة العراق ومعارضة أربعة ومن دون التصويت على القرار بعد تهديد الوفد الليبي بالانسحاب من الاتحاد.
ومن الغريب أن يكون أتحاد أدباء فلسطين من بين المطالبين الأربعة بهذا الرفض، والشعب الفلسطيني وأدبائه هم الذين يرزحون تحت الاحتلال الإسرائيلي وبلطجته التي لم تتوقف لحظة واحدة عن إزهاق أرواح الأبرياء من الفلسطينيين، وآخرها تلك الحملة الهمجية على أسطول الإغاثة التركية في وسط المياه الدولية. كما أنه من الغريب أن يكون اتحاد الأدباء الليبيين هو الأكثر إصراراً على رفض اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين في حين أن القيادة الليبية لم تحرك ساكناً من أجل طلب التعويضات وملاحقة المسؤولين عن قصف قصر القذافي وضحاياه من قبل الطائرات الأمريكية. كما لم يحرك الاتحاد الليبي ساكناً عندما انصاعت القيادة الليبية للضغط الغربي والأمريكي لمنعها من بناء مفاعلها النووي وسلمت كل معداته مجاناً إلى الولايات المتحدة. ويضاف إلى كل هذا التخاذل للقيادة الليبية تلك التعويضات التي تحملها الشعب الليبي وبمئات الملايين من الدولارات جراء جريمة تفجير الطائرة في لوكربي من قبل المخابرات الليبية. هذا في الوقت الذي يلاحق العراقيون جرائم وحماقات بعض الجنود الأمريكان في ساحة النسور واللطيفية وغيرها، بحيث تم إدانة من ارتكب هذه الجرائم من الجنود الأمريكان. ولا نريد أن نشير إلى اتحاد الأدباء السوريين الذي رفض هو الآخر طلب اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين بنفس الحجة، في حين أن أراضي من بلده مازالت مدنسة. فما هو سر هذه الازدواجية والمضاربة بالموقف من قبل اتحاد الأدباء العرب.
إن اصرار البعض في اتحاد الأدباء العرب على إبعاد العراقيين عن الاتحاد هو مظهر من مظاهر الابتذال والردة وسابقة خطيرة في تاريخ منظمة تدّعي تطوير الثقافة، ومؤشر على مدى الانحدار الذي وصل إليه بعض المتحكمين بالحباة الثقافية والسائرين على طريق التكفير والردة والعداء للثقافة الديمقراطية والتنوير.
13 حزيران 2010