يقول ” كريستوفر كودويل ” :
” ان جوهر تفهمنا لعملية الأبداع الفني هو أن نتتبع عملية التغيير التي يقوم بها الشاعر بالنسبة لجموع الانا المحيطة به ” …
ان المنطلق الأساسي في العملية الأبداعية لا يقف عند حدود المحاكاة للواقع الخارجي , بل يمتد الى خلق جديد يكشف علاقات جوهرية بين الأشياء والقوى الفاعلة والمحركة للحياة …
ان المبدع لا يكون مبدعا ً الا حينما يخرج من قوقعة كلماته ليترجم هذه الكلمات والمشاعر المتفجرة على أرض الواقع بفعل ما يخرج به عن دائرة الروتين والرتابة .. ليحدث نقلة نوعية وجذرية لواقع معاش …
من هنا يجب على الشاعر ان يخرج من قوقعة الذات الضيقة الى المدى الأرحب .. المدى الأكثر بياضا ً .. ونقاء ً .. ويلامس هموم الناس جميعا ..
من هنا خرج الشاعر ” كاظم اللايذ ” من قوقعته ولملم أفكاره وخرج بها الى الحياة التي يعيشها الأنسان والتي يكون منها نهاية الطريق الى ما يكون بداية الطريق ..
” النزول الى حضرة الماء ” المجموعة الشعرية الثانية للشاعر ” كاظم اللايذ ” وتضم ( 24 ) قصيدة يعبر فيها عن الكلمات التي تنزف حبرا ً .. والقلم عندما يدمع ويكتب شعرا ً على ساحة الورق .. مع بصمة على ذرات الرمل .. عندما تتعانق الحروف وتبحر في اعماق الذات وتهيم عبر ظلام الليل الى مجرات الكون ..
كم عانى من الدنيا حتى أبكته دما ً .. ولملم ما تبقى منها .. ويبقى القلم يسطـّر همسات القدر ..
أنا بصمة ٌ حطـّها جمل ّ
في الرمال
وغادرها راكضا ً
في سماء ٍ ملبدة ٍ ورياح ٍ تصول
أنا عشبة البـر ّ
متروكة ً في العراء
تمـّر عليها الرياح السوافي
نمشي فوق أرصفة الموت .. ونعبر طرقا غير مفهومة .. وتبقى ذرات الرياح بسمومها تعانق تراب القبر .. وتنسج من ظلام الليل خيوطا ً لتعلن ساعة الرحيل .. رحلة الحزن تبكي دمعا ً من جراحات العمر .. لتكتب سطورالألم على صمت الحجر .. ووحشة لا تنجلي متأججة في القلب وستظل الى ان يقتلنا الشوق والحنين …
هذه مملكة ُ الأموات :
أحجار ٌ , وصمت ٌ , ورمال ْ
وبقايا من هشيم الآس والحنـّاء
تذروه الرياح
وشموع ٌ ذرفت ْ أدمعها
وانطفأت ْ قبل الصباح
نتألم بصمت .. تبكي القلوب عندما نقف لحظات صدق مع النفس .. تهجرنا الكلمات .. ويختلط الجسد الطاهر بتراب ٍ نقي .. بعد ان كان نوره كقنديل مشتعل .. ثم رحل الى مكان بعيد قريب .. بعيد بعد الجسد عنا .. وقريب قرب الروح الى النفس .. الآم واحزان تتحول الى كلمات ٍ على الورق …
لماذا تعجلت َ
فاخترت َ عمر َ الزهور ؟!
لماذا طلعت َ
كما نجمة الفجر ِ
ثم تلاشيت في أرخبيل الصباح ؟!
يوما ً بعد يوم .. نجد أنفسنا نقف في محطات لا تستقر بأرض .. وينبهنا الصبح .. ونعيش كل لحظة .. والزمن يسير في مشواره الطويل .. وكل يوم نحكم أقفال الأبواب .. هكذا هي الحياة .. تعزف على قيثارة الأمل .. واحلامنا تنتظر لحظة الغروب ليأتي بعدها المساء ثم الصباح .. نحفر الألم وندفنه بين الضلوع …
أنا هكذا
منذ ألف ٍ
وألف ٍ
وألف ٍ
ينبهني الصبح ُ من غفوتي
فأروح لأحلق َ ذقني
وأشرب ُ شاي الصباح
بكسـرة خبـز ٍ
وثلمـة جبـن ٍ
وأمضي لأدخل َ في بدلتي
وأضـم ُّ اليها حذائي
وأمشـي الى الباب ِ
يظل الشعر العراقي والشعر العربي الحديث يزهوان بقمر الكرخ ” نازك الملائكة ” فأنها مفخرة التكنيك الشعري .. فهي شاعرة الذات المتألمة .. الحساسـة .. الثائـرة في شعرنا المعاصر لأنها كرست نفسها .. كل نفسها وحواسها وروحها وطاقاتها لهذا الشعر .. فهي شاعرة طليعية في تكنيك الشعر الحديث ” الشعر الحر ” …
يدركـُها
ما يدرك ُ أهل َ العرفان ِ
من الهيـّمان بهذا الملكوت ِ
وعشـق ِ التجوال
فتغـرّب ُ في الأرض سنينـا ً
يدفعها القدر ُ الأرعن ُ حينا ً
وفي حيـن ٍ تدفعها الصبـوات ْ
وهي هنالك في كل الأوقـات ْ
تحمل ُ فانوسـا ً
وتعقص ُ نحو الخلف جديلتـها
وتضـم ّ كتاب
في عتمة الليل يتوقف الزمن وتدور بنا الأحداث والحكايات ونسترجع الذكريات .. في زمن أصبح كفيفا ً .. ويترك في القلب جراحات .. حزينة بين جدران الصمـت تحمل نسائـم الليل .. وتعيـش أحتضـار قلبهـا .. ورائحـة الموت تطوقـها .. راحلـة الى المجهـول .. .
منذ سنين
وهي هنا في عتمة غرفتـها
لا تأبه ُ ان ْ حل ّ نهار
لا تتذكر الا أسماء َ أناس ٍ ماتوا
وأماكن َ صار لها اسـم ٌ آخر
وحكايات ٍ سقطت في بئـر النسيـان
قسـوة الزمان .. قمـة الألم .. نركض خلف الحروف .. عندما يحين وقت الرحيل .. تغسلنـا زخـات المطـر .. ونبحـر في بحـر النسـيان .. قلوبنـا مفعمـة بأحاسيس مؤلمـة ينطقهـا اللسـان بقلب صادق .. نعيـش وسط عالـم نتحـسس من تقلباتـه .. ونبحـث عن قنديـل يضئ حياتنـا بعيـدا ً عن القسـوة والعتمـة …