وأنت تبحث عن فكرة جديدة في عالم واسع، تحرص على أن تكون غير متداولة بتقديرك ، هذا أمر في غاية الصعوبة كما أعتقد، حتى لو حصرت موهبتك في حيز ضيق لا يغادر فسحة المخيلة، وتحرص على محاورة ذاتك مرات عدة، لتخرج بفكرة طرية تذهب بها بعيداً، لخوض غمار الأشياء الملتبسة والمتداخلة لتزيح عنها غباراتها ليظهر لك المعنى كما تقول سيلفيا بلاث “اسمحوا لي أن أعيش، واسمحوا لي أن أحب، وأقول ذلك جيّدًا في جمل جيّدة.”. هل تمكّنا من العيش بما فيه الكفاية لنكتب عن جزئياتنا برغبة أكبر، نتناول تضادات الحياة، مقارباتها، تشابهاتها، حتى نصل إلى حكمة تصوغ جملتها التجربة في لعبة هادئة تأخذك أو تبهرك لتصل إلى مبتغاها في استخلاص تداولها المعرفي. يخيل إليك أن الفكرة نمت على سطح صقيل لتتنوع مساقط الضوء على الكلمات، وقتها تبدأ برسم خطواتك في كتابة الفكرة الناضجة وهي تأخذ شكل الورقة، لحظة تراكم الصور المشعة من نافذة على بستان الكلمات في فضاء ممتد ، مستثمرا موهبتك وخزينك الحياتي وتجربتك المستخلصة.
نحاول أن نركز أكثر، ونحن في مناخات المحجر ( الحبسة) القسرية التي تكررت بفعل التوجس من مجاهيل عدة، ومنها كائنات في غاية الدقة تخترق حواسنا، أصابعنا، جهازنا التنفسي، عيوننا، لتخلف لنا مضاعفات لا نفقه نتائجها، بدأنا نستثمر دقائق الحبسة وتحويلها مع الوقت إلى مشروع يكشف لنا العالم بعيداً عن أسرار الذات والآخر المعتل بتأثيرات ألغاز الكون العجيبة، نعم .. حرصنا على مسك الفكرة، لنصل بها إلى مرحلة تدفق الكلمات والحكايات والصور، والسعي إلى ملامسة الحقائق المتناثرة، والتي تجدها واضحة أحياناً وفي الغالب تتميع وتضيع وسط طبقات مؤطرة بالمؤثر في لوحة الكتابة، كما تشير تجربة ستيفن كينغ وهو يلخص شرطا مهما في الكتابة “القليل من الموهبة أمر جيّد، من الجيّد أن تكون موهوبًا إذا كنت تريد أن تصبح كاتبًا، لكنّ الشّرط الحقيقيّ الوحيد للكتابة، هو القدرة على تذكر كلّ ندبة.”
من هنا، يمكننا أن نجعل العالم مكشوفا بلغة تحاكي هوامشه وتغور في المتن الحياتي المعقد، لأن الخوض في التفاصيل مهم جدا، سيما وتدوين اللقطات المستخلصة يحتاج إلى لغة آسرة، وإيقاع تناسق يمنح المتلقي فسحة التأمل، للوصول إلى دهشة الأشياء التي تمنحها الكلمة الخلاقة والجملة الساحرة التي بإمكانها أن تنفذ إلى ذهنية ومساحات روحه.
يتزاحم سيل الأسئلة لينصهر في لحظات التدوين .. هل تتمتع الكتابة بصدق اللحظة المدوَنة في سجل الحياة، لتجد مساراتها نحو القارئ الذي قد يحتاج وقتاً كي يطور مشروع التلقي ويجعله جاهزاً بمهارة يرسم خطواتها الكاتب وهو يتجاوز هدنة الصمت ومحنة التأمل المفضية إلى فضاءات وعناوين تجسد غرضية الكتابة وانحيازها إلى مدارك التناول بسيولة الجملة التي تحقق لنا مالا تسطيع أن تدركه زوايا الصمت، بهذا تكون الفكرة الجديدة قد نمت على سطح صقيل وتشعبت لتتحول إلى مشروع يتطلب توطيد الانصات إلى جوهر الفكرة الوجيزة والنظر إلى شذراتها!