(موسوعة الجنسانية العربية والإسلامية قديما وحديثا)، هو مشروع فكري وثقافي ضخم، يشرف عليه البروفيسور محمد عبدالرحمن يونس، ويحرره نخبة من الباحثين والاكاديميين، غايته البحث في موضوع إشكالي ظل حبيس الغرف المغلقة، وتسليط الضوء على جوانبه الخفية، ومناطقه المعتمة التي يتناولها الناس في الخفاء، وتحاط بجو من الكتمان، والبحث فيها يعتبر مجازفة وجرأة بحثة، لاعتقاد بعض العقليات المتحجرة بأن الخوض فيه يدخل من باب المحرمات والطابوهات، لكثرة ما يقترف أصحابها من جرائم أخلاقية جسيمة تحت جناح الستر والخفاء، ولقلة ما كتب حوله من دراسات وأبحاث في العربية، وقد تناوله من قبل الباحث العراقي جمال جمعة، وأصدرت دار الآداب ودار الجمل، ودار الساقي عدة أعمال أدبية، وتحقيقات لكلاسيكيات الإيروتيكا العربية، وخصصت مجلة الناقد التي كانت تصدر بلندن، عدة أعداد تناولت تيمة الجنس والجسد بكل حرية وانفتاح.
وقد رأى النور من هذه الموسوعة جزآن، صدر الطبعة الأولى من المجلد الأول، في يونيو 2018 م، عن دار إي ـ كتب e-kutub – لندن. في 500 صفحة، وأعيدت طباعته عام 2021 بدار دجلة الاكاديمية في بغداد، وشارك في تحريره 13 باحثا من مختلف دول العالم العربي .
وكتب البروفيسور محمد عبد الرحمن يونس تقديما وافيا يشرح من خلاله دواعي البحث في هذا الموضوع، والملابسات والمعيقات التي تكتنفه:
“تجسّد الجنسانية العربية والإسلامية ظاهرة مهمة جدا في تراثنا العربي القديم، وعلى الرغم من حساسية البحث في أصولها ومظاهرها، وأسباب وجودها وتدوينها، وتدوين أخبار نسائها ورجالها في الخطابات التاريخية الإسلامية والفقهية، الكلاسيكية الأدبية، فإنّ هذا لم يمنع شيوخا أجلاء، وأئمة مساجد، وفقهاء أصوليين من البحث فيها، وتدوينها، والحديث عنها بحرية وجرأة معرفية كبيرة، وهذه الجرأة دليل على فسحات الحريّة الفكرية والمعرفية التي عايشها هؤلاء الشيوخ والفقهاء الأجلاء مقارنة بفسحات الحريات الضيقة في عالمنا العربي المعاصر.
وعلى الرغم من الخوف والحذر المعاصرين في كشف مظاهرها، ودورها في حياة المجتمعات العربية المعاصرة، وتوظيفها في الخطابات الأدبية، إلاّ أننا نجد أن هناك كتابا، رجالا ونساء، خرقوا هذا الخوف وهذا الحذر، وانتقلوا بها من حقلها التاريخي والفقهي والكلاسيكي، ليوظّفوها في خطاباتهم الإبداعية المعاصرة، سواء أكانت شعرا أم قصة أم رواية أم مسرحا، توظيفا على غاية عالية من الجرأة، بلغت أحيانا حدّ الوصف الإيروتيكي الصريح لطبيعة العلاقة الإنسانية والجمالية بين الرجال والنساء، وأحيانا أخرى بدت محتشمة وخائفة، وتنحو منحى في الترميز، تتخفّى وراءه، خوفا من عدّة مواضعات اجتماعية وسياسية أحيانا، ودينية وأخلاقية أحيانا أخرى.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن مجلة “الناقد” التي كانت تصدر في لندن، كانت هي الرائدة من بين المجلات العربية، التي اجترأت، وطرحت موضوع الجنسانية بتعدد مظاهرها وحالاتها في الكتابات التاريخية، والكلاسيكيات الإسلامية والفقهية، وكذلك في التراث القصصي العربي، وكانت مساهمتي في هذا العدد ببحث موسوم بـــ “عن مجتمع” ألف ليلة وليلة” وجدل الجنس والسلطة: ثقب الروح و البكارة” ،بداية للتفكير بإنجاز كتب عن مظاهر الجنسانية في التراث الحكائي القديم، وتحديدا في حكايات ألف ليلة وليلة.”
وتكونت الهبئة الاستشارية من السادة الأفاضل
1- أ. د. تيسير عبدالجبار الألوسي: رئيس جامعة ابن رشد – برنفيلد – هولندا، التعليم الإلكتروني المفتوح
2- أ. د. جمال بوطيب: جامعة محمد بن عبدالله – فاس – كلية الآداب – مدير مؤسسة مقاربات للصناعات الثقافية، المغرب
3- أ. د. سعيد بوطاجين: كلية الفنون والآداب، جامعة عبدالحميد بن باديس – مستغانم – الجزائر
4- أ. د. سعيد عبدالهادي المرهج: معاون رئيس جامعة دجلة للشؤون الإدارية، بغداد، العراق
5- أ. د. شريف شي سي تونغ: جامعة الدراسات الأجنبية، بيكين – الصين
6- أ. د. عبد الحميد بورايو: جامعة الجزائر 2، كلية اللغة العربية وآدابها واللغات الشرقية،
7- أ. د. عصام نورالدين: الجامعة اللبنانية، الفرع الأول، بيروت
8- أ. د. فاروق مواسي: أكاديمية القاسمي، باقة الغربية، حيفا – فلسطين
9- أ. د. محمد أبو الفتوح العفيفي: جامعة المنوفية، كلية الآداب، قسم اللغة العربية – مصر
10- أ. د. مصطفى بيومي عبدالسلام: جامعة ألمنيا، كلية دار العلوم، رئيس قسم النقد والأدب المقارن – مصر
11- أ. د. ن. شمناد: كلية الجامعة تروننتبرام، قسن اللغة العربية، رئيس تحرير مجلة العاصمة الأكاديمية المحكمة – كيرالا – الهند
12- أ. د. هند عباس علي الحمادي: جامعة بغداد، كلية التربية للبنات، قسم اللغة العربية، بغداد – العراق
وجاءت البحوث والدراسات على الشكل التالي:
1- مقدمة: الجنسانية مشروعا معرفيا ونقديا في الكتابات القديمة وفي الدراسات والبحوث الحديثة، أ. د. محمد عبدالرحمن يونس – ص15
2- الأبعاد والدلالات في الألفاظ الجنسانية في ذكريات ومواجع على ضفاف عدن، أ. د. هند عباس علي – العراق – ص35
3- تمظهرات الجنسانية الأنثوية بين الشبقية والطهرانية.. رواية (نساء كازانوفا) لواسيني الأعرج أنموذجاً، د. زينب بن هلال – الجزائر – ص: 57
4- الجنس بين الكبح وسقوط المحرمات، للمهدي نقوس من المغرب – ص95
5- الجنسانية في السينما العربية.. السينما المصرية أنموذجاً، أ. معينة سليمان عبود – سوريا -ص: 145
6- الحب والجنس في كتابات الفقهاء والشيوخ، أ. د. محمد عبد الرحمن يونس من سوريا – ص: 185
7- دلائلية الخطاب الجنسي في روايات: التفكك/ عرس بغل/ سوناتا لأشباح القدس بين المشهدية الجنسية والتظهير، أ. د. عايدة حوشي – الجزائر – ص 229
8- الشخصية الإشكالية المادية في الرواية العربية.. رواية لحظة القبض على حشاش أنموذجاً، أ. جعفر كمال – بريطانيا – ص: 265
9- سعار الشبقي والجنساني في حياة ملوك ألف ليلة وليلة وسلاطينها.. دراسة نقدية في متن بعض حكايات ألف ليلة وليلة – أ. د. محمد عبد الرحمن يونس – سوريا – ص: 301
10- الشذوذ -الجنسي في مصر خلال سلاطين المماليك، سلوك العامة أنموذجاً (1250- 1517م)، د. أشرف صالح محمد سيد – مصر – ص: 325
11- صورة المرأة في مرويات العصور المتأخرة.. قراءة سيميائية في كتاب ابتلاء الأخيار بالنساء الأشرار، أ. د. سعيد عبد الهادي المرهج – العراق – ص: 377
12- صورة المرأة الجسد في السينما العربية (تونس أنموذجاً)، د. ثريا بن مسمية – تونس – ص: 411
13- قراءة في كتاب الحب بين المسلمين والنصارى في التاريخ العربي، أ. د. محمد عبد الرحمن يونس – سوريا – ص: 433
14- «الماهية الأنثوية بين الخطابات الشبقية والخطابات الصوفية، أ. د. م. فريدة مولى – الجزائر – ص: 451
الخاتمة: ا. د. هند عباس علي – العراق – ص: 481
****
وتناول المجلد الثاني من الكتاب موضوعات الحب والجنس وتمظهراتهما في عدة متون روائية عربية، علما أن هذا الموضوع قد طغى بحدة في السردية العربية، ليس من أجل الشهرة والانتشار، لكن لان هذا موضوع يتعلق بالعلاقات الإنسانية، وما يكتنفها من عواطف وأحاسيس، ولا يخلو أثر روائي من الحديث حوله بشتى الطرق والأساليب، خاصة في بلدان الخليج وخصوصا في العربية السعودية حيث صدرت عدة أعمال روائية بتوقيع أسماء مستعارة، لروائيات، ولرجال يأسماء أنثوية، وذلك بحكم التركيبة القبلية والعشائرية المحافظة.
وتكونت الهيئة الإستشارية من السادة والسيدات
1- أ. د. تيسير عبدالجبار الألوسي: رئيس جامعة ابن رشد – برنفيلد – هولندا، التعليم الإلكتروني المفتوح
2- أ. د. جمال بوطيب: جامعة محمد بن عبدالله – فاس – كلية الآداب – مدير مؤسسة مقاربات للصناعات الثقافية، المغرب
3- أ. د. سعيد بوطاجين – كلية الفنون والآداب، جامعة عبدالحميد بن باديس — مستغانم – الجزائر
4- أ. د. سعيد عبدالهادي المرهج: معاون رئيس جامعة دجلة للشؤون الإدارية، بغداد ، العراق
5- أ. د. شرريف شي سي تونغ: جامعة الدراسات الأجنبية ، بيكين – الصين
6- أ. د. عبد الحميد بورايو، دامعو الجزائر 2، كلية اللغة العربية وآدابها واللغات الشرقية،
7- أ. د. عصام نورالدين: الجامعة اللبنانية، الفرع الأول، بيروت
8- أ. د. فاروق مواسي: أكاديمية القاسمي، باقة الغربية، حيفا – فلسطين
9- أ. د. محمد أبو الفتوح العفيفي: جامعة المنوفية، كلية الآداب، قسم اللغة العربية – مصر
10- أ. د. مصطفى بيومي عبدالسلام: جامعة ألمنيا، كلية دار العلوم، رئيس قسم النقد الادب والأدب المقارن – مصر
11- أ. د. ن. شمناد: كلية الجامعةتروننتبرام، قسن اللغة العربية، رئيس تاحرير مجلة العاصمة الأكاديمية المحكمة – كيرالا – الهند
12- أ. د. هند عباس علي الحمادي: جامعة بفداد كلية التربية للبنات قسم اللغة العربية، بغداد – العراق
وضم المجلد الثاني البحوث الآتية، في 512 صفحة:
1- المقدمة: أ. د. محمد عبدالرحمن يونس، ص: 13
2- الاستلاب الجنسي والعاطفي في الرواية اليمنية المعاصرة (رواية الرهينة أنموذجاً)، أ. د. محمد عبد الرحمن يونس، ص: 21
3- أطياف الحب في الكتابة الروائية لدى محمد مفلاح، د. بوقرط الطيب – ص: 73
4- أنساق التدليل في الخطاب الجنسي بين لغة العنف وعنف اللغة في رواية (الرعن) لرشيد بوجذرة، أ. د. عايدة حوشي، ص: 103
5- التشكيل اللغوي الجنساني في رواية (مسك الغزال) لحنان الشيخ، أ. د. علي جميل السامرائي، ص: 143
6- ثيمة الحب والجنس في الرواية المغاربية، المهدي نقوس، ص: 171
7- الجسد المشتهى بين الإجلال والإذلال.. قراءة في رواية (تلك المحبة) للحبيب السائح، أ. د. م. فريدة مولى، ص: 233
8- الجنس بوصفه كناية.. قراءة في رواية (التشهي) لعالية ممدوح، أ. د. سعيد عبد الهادي المرهج
9- الخطاب الجنسي والشهواتي في رواية (سيرة المنتهى) لواسيني الأعرج، د. نسيم حرار، ص: 319
10- الرواية العربية بين التباين والتمثيل في المنفعل الجنساني.. رواية (ولادة بنت المستكفي في فاس) لمحمد عبدالرحمن يونس أنموذجاً، أ. جعفر كمال، ص: 263
11- فضاءات الجنس والفساد والثراء والنساء في الرواية السورية المعاصرة.. رواية (البحث عن نجم القطب) لعبد الكريم ناصيف أنموذجاً، أ. د. محمد عبد الرحمن يونس، ص: 417
12- ليلى بعلبكي، وجنسنة الرواية العربية للمهدي نقوس، ص: 447
13- الخاتمة أ. د. محمد عبدالرحمن يونس، ص: 501
والمجلدان سفر شائق في متون الفكر ودروب الثقافة العربية في شقها الفكري والشعري والسردي، عبر تتبع مسار الحب والعشق من خلال الأساطير وفي دواوين الشعر العربي والعالمي والرواية العربية، ومناقشة مسألة الجنسانية كما يراها ويتصورها المفكرون والفلاسفة والشعراء وكتاب الرواية، والعشاق والمتيمون عبر تاريخ البشرية.
“والجنس: لغة هو الضرب من كل شيء، وهو من الناس ومن الطّير ومن حدود النحو… والجمع أجناس وجنوس، والجنس أهم من النوع، ومنه المجانسة والتجنيس. ويقال هذا يجانس هذا أي يشاكله. بحسب صاحب اللسان”
وقد نحتت لفظة الجنس عن الكلمة اللاتينية (جينيس) مضاف اليها إيحاء شبقي يحيل على العلاقات الجنسية، بينما عرفها العرب قبل آلاف السنين، وتفننوا في توصيف صنوفه ومراحله، وابتكار مترادفات له، وتعريفات للحب، من حيث المسميات، والدرجات، كالآتي: الهوى – الصبوة – الشغف – الوجد – الكلف – العشق – النجوى – الشوق – الوَصب – الاستكانة – الود – العشرة – الوله – الهيام..
تناوله العديد من الفقهاء والأئمة المسلمين بداية من القرن الثاني الهجري على يد المدائني، مرورا بابن سينا، والقزويني، والراغب الاصفهاني ، والرازي، والحافظ القرطبي، والقاضي عبدالجبار، وابن حزم، وابن الجوزي، والقاضي عياض والامام السيوطي والغزالي وأبي عبدالله التيجاني أحد أئمة المذهب المالكي والفقيه الفقيد محمد النفزاوي ، والتيفاشي، وابن يامون وغيرهم..
وهناك فرق بين مفهوم الجنس والجنسانية. فالأول يحيل على مجموع العناصر البيولوجية – حسب المنظمة العالمية للصحة – التي تقسم العنصر البشري إلى إناث وذكور، بينما تعني مجموع الظواهر الاجتماعية والبيولوجية والاقتصادية والدينية والسياسية المرتبطة بالجنسين، والمؤثرة فيهما، بل ويعتبر الجنس من أهم المواضيع التي أرقت الوعي الإنساني، وأراقت العديد من المداد بين الإباحة، والحظر، واعتبره البعض سببا في انحطاط المجتمعات والشعوب، فيما يأخذه البعض مأخذ جد، واحتفوا من خلاله بالجسد وتضاريسه، وقدرته الخارقة على الإغواء والإثارة، وتذكر الأديان والأساطير بأن مجمل الحروب التي دارت منذ بداية الخلق، كانت بسبب المرأة، ولم يخل مجتمع وعصر من العصور من الكتابة فيه، ووصلتنا نماذج قديمة قدم التاريخ البشري عبارة عن تماثيل وجداريات وألواح ونقوش بأعضاء تناسلية عارية، وامتهنت العديد من البغايا الجنس المقدس لإرضاء الآلهة، وشهدت العصور الإسلامية منذ ثلاثة عشر قرنا حركة تأليف نشيطة، وولادة العديد من المصنفات التراثية التي تناولت علم الباه والعشق بكل انواعه، ولم يتحرج اصحاب تلك المصنفات الفريدة من ذكر أوصاف النساء، وأوضاع الجماع، ووصف القبلة، والعناق، وذكر الأعضاء الأنثوية، وتسميتها بمسمياتها الصريحة
ويعرفه باروخ اسبينوزا على أنه شهوة واعية بذاتها، فيما يعتبره أعداء الجمال باللذة الفانية، وكان القدماء يتطرقون إلى تقديس الجسد الأنثوي، مغدقين عليه كامل الأوصاف وأملحها، كنوع من إضفاء الشرعية على كتاباتهم وتبريرها، وقد حضرت الجنسانية بمختلف أنماطها التعبيرية في كل لغة وزمان ومكان، وفي الحضارات القديمة اعتبر تجسيد العري أمرا شائعا، وعبروا عنه بالتماثيل العارية المجسدة بأعضاء جنسية مكشوفة، وأوضاع جنسية مختلفة، ذلك أن العُري للفنان، كالتعبير باللغة بالنسبة للشاعر، إنه يتخذ تأويلات جمالية، ولعل أسطورة نرسيس الفتى الفاتن الذي عشق صورته المنعكسة على مرآة الغدير خير مثال، والجمع بين المرأة والمرآة لأنهما يضاعفان البشر بحسب خورخي لويس بورخيس، وتذكر الخرافات بأن المرأة خلقت من ضلع الرجل، فيما يجنسن الباحث المغربي عبدالصمد الديالمي العمارة العربية، ويفصلها على مقاس بعض الأعضاء البشرية، مثل الثغر والفرج، وحرمة المكان، وفم الدار، وقاع الدرب، وصدر البيت، ورأس الحومة، وكتف الحيط، وفخدة الأرض، وهي مفردات مشتركة لها سمات مجالية لكن ذات إيحاءات جنسية، وهو ما ساقه بيير بورديو في توصيفه للدار القبايلية، كما يشبه صفي الدين الحلي ردف الأنثى بالمذاهب الدينية، وركزت الدراسات الأنثربولوجية على علاقة الجسد بالكتابة، وحولته إلى صفحة للخط والرسم والتحلي، وأيقونة تختزل تحولات المجتمعات وعاداتها وتقاليدها، عبر الاحتفاء بالجسد من خلال توظيف تقنيات التجميل بالوشم والحناء والكحل والعطر والحلي، واللباس والرقص (الجذبة)، والشطحات الروحانية ذات الطابع الإمتلاكي، فالوشم على جسد الفتاة في بعض المجتمعات هو إيذان بالنضج والبلوغ، فلا توشم إلا الفتاة المؤهلة للزواج، بحيث يكتسب الجسد الأنثوي دلالات وإيحاءات ذات أبعاد جمالية وثقافية وفلكلورية، تتوخى غاية طقوسية تتجاوز ما هو جمالي إلى ما هو هوياتي
في حين يرى بول ريكور وغريماس بأن العالم لا يكتسب ماهيته إلا بالجسد، ويلتقي معهم د. عبدالكبير الخطيبي الذي يقول: ( حلمت ليلة أمس أن جسدي من كلمات) وكان له الفضل في استنباط كلمة “التحاب” التي انضافت بفضله للقاموس الفرنسي Aimance
هذا التحاب الذي يعتبره الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي السبب الرئيسي في توحيد العالم، ويتماهى مع الكلمات بمنظور صوفي عرفاني إلى أقصى حدود الحلولية، ويقول في تحديد مفهوم الحب (فمن حد الحب ما عرفه ومن لم يذقه شربا ما عرفه، ومن قال رويت منه، ما عرفه، فالحب شرب بلا ري)، وقد عرف الشيخ الأكبر بحبه العظيم للنساء، ويعتبرهن زهرة حيث كن، ويصف لوعة وحرقة الحب بالغرام، وهو العذاب في قاموس المعجم الوسيط، وذلك من منطلق نظريته بأن الدين الحقيقي هو الحب “أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني”
ويتمادى عارف الزمان ابن عربي في الإطراء على الأنثى من باب المحبة، وقاموسه يحيل على المؤنث، فالحياة والحنة والأرض والسماء مؤنث، وما لا يؤنث لا يعول عليه، في عرفه
ويقابل هذا موقف نزار قباني وهو الذي عانى من مشاكل الحب، ومن حرقة ضياع أخته انتحارا لأنها أحبت، ولوعة فراق زوجته بلقيس في حادث مأساوي، نزار قباني الذي ناصر قضية المرأة، ويرى أن تحرير المرأة ينطلق من تحررها اجتماعيا وجنسيا، فيما الصحيح هو تحررها اقتصاديا
وقد اشتهر العصر الجاهلي بالعديد من الشعراء الذين عرفوا بأشعارهم الغزلية، ومنهم طرفة بن العبد، والمنخل اليشكري، والمرقشان الأكبر والأصغر، وعبد الله بن العجلان النهدي، والأعشى، ومنظور بن زبان الفزاري، والمرار العدوي، وسويد بن أبي كاهل، وضمرة بن ضمرة النهشلي، وقيس بن الحدادية، وحسان بن ثابت، وكعب بن زهير ومسعود بن خراشة التميمي، لكن أبرزهم وأقواهم بيانا الشعراء المعلقاتيون، ومنهم امرؤ القيس الذي كان غزير التقلب بين عشق عنيزة أو فاطم وأم الرباب، وأم الحويرث زوجة أبيه، وأخريات حبلى ومرضع وبيضة خدر، وذلك عبر ثلاث قصائد أهمها لامية امرئ القيس الشهيرة، ووصف النابغة الذبياني في المتجردة زوجة النعمان بن المنذر، وقصيدة عمرو بن كلثوم التغلبي
فيما شهدت الشعرية العربية منذ صدر الإسلام عدة تحولات اجتماعية واقتصادية، وقد أدى هذا إلى ظهور لون من الغزل والتشبيب، انقسم إلى عذري، ارتبط بالرعي وحكمته تقاليد البادية الصارمة، وآخر إباحي متهتك نتيجة التحولات الاقتصادية وازدهار التجارة، ومواسم الحج، ووجود نساء متحررات من قيود القبيلة، وأناس خبروا الترحال ومخالطة الخانات والملاهي والسفر خارج نطاق العشيرة.. وتناول البحث الى جانب هذا أنواع الغزل الاخرى أو ما يسمى بالحمضيات لدى صفي الدين الحلي، او اللواط، والعنة، والغزل النسوي الذي يتشبب بالرجال، او الذي تتغزل فيه الأنثى بمثيلتها.. ولنا في الادب العربي العديد من النماذج..