صغارا كنا ننهض في ايام العيد من النوم مبكرا نلبس على عجالة من أمرنا ملابسنا الجديدة وأحذيتنا لنذهب حيث يتجمع الناس كبارا وصغارا في ساحة أعدت لمناسبة كهذه نقف نحن الصبية ومن بعمرنا قرب دولاب الهواء الخشبي الذي يستند في العادة على جذوع نخيل وهو يصعد عاليا ثم يهبط يتحكم به رجل ضئيل القامة وهو يصيح:
عبادان دولابي خله ايروح ما أريده
وهاي الزيادة للولد…
نردد نحن الصبية ما يقوله هذا الرجل بفرح . وثمة رجل اسود منتفخ الأوداج وهو يحمل بيده الة ينفخ فيها فتخرج لحنا جميلا تسمى اذ ذاك (الصرناي) … .على بعد خطوات ثمة رجل اسمر يفترش الأرض لديه لوح مخطط وهو يصيح فوق السبعة وتحت السبعة والسبعة تاكل دبل… لعبة مسلية تستهوي الكثيرين تعتمد الحظ أسمه هاشم يسمونه هاشم شماعية. رجل فكه صاحب نكته يغني ولهذا اسموه بهاشم شماعية جزافا .نقضي جل الوقت هناك وحين نشعر بالجوع
والتعب وتنفد ما لدينا من نقود نعود ادراجنا للبيت .
قبالة فلكة الفداىي بالفاو كنا شبابا يحلو لنا الجلوس هناك ..وذات ساعة كنا جالسين وكان هاشم هذا يجلس هو الأخر على مسافة منا وفجأة توقفت سيارة تكسي فنهض هاشم وذهب بأتجاهها وأدخل راسه من زجاجها قرب السائق ليسأله عن وجهته واذا بالسائق البدين يترجل من سيارته ويصفع هاشم صفعة سمع صداها من بعيد الا هاشم لم يرد عليه .صعد السائق سيارته بينما ذهب هاشم بعيدا وهو يردد كلمات اغنية يحبها تقول كلماتها (الفراك ما أثر علي الفراك) راح للبعيد وهو يبكي ويتمتم بكلمات غير مسموعة ..وما كان منا نحن الا أن صحنا بصوت واحد الطراك (الطراك ما أثر على علباه الطراك ).
كان هاشم ومرزوق وزرزور وأخرين هم من شكلوا لوحة فاوية جميلة . جمالها طاغ ..ورغم بساطة هؤلاء فقد تركوا بصمة واضحة في تاريخ الفاو البعيد وما زلنا نتذكرهم ونتذكر حكاياهم ونرددها بمحبة وتلذذ .