عبر البناء الحواري والغور المكثف العميق بسيكولوجية الاشخاص والمشاهد السينمائية المتقنة تمكن ماركيز من احداث تأثير بالغ .ومثل مراهق متوتر يصغي لكهل يروي حدثا مهما ببطيء, يفتت لديك الكاتب طاقتك على الاحتمال لاجل ان تدرك النهاية ..
تبدأ القصة بمشهد سينمائي (فتح الباب الدوار لم يكن هناك احد في مطعم خوسيه , لقد دقت الساعة السادسة للتو ….الزبونة بالغة المحافظة والانتظام في موعدها … جلست دون ان تقول شيئا على المقعد الدوار المرتفع , كانت تضغط سيجارة غير مشتعلة بين شفتيها . ).لكن ماذا تعني دقة الساعة السادسة حتى ان عنوان القصة ارتبط بها واصبحت لقبا لامراة … تركز القصة على موضوعين رئيسيين : الحب الخالص وربما العذري متمثلا بصاحب المطعم ..والمقت الجهنمي من النوم مع الرجال لدى المرأة .ذلك المقت الذي يقود الى فعل الجريمة في حالة الاكراه .
قال خوزيه (انا احبك حتى لو لم تنامي معي ).. (مستعد لقتله لانه ذهب معك ) … من خلال التجميع نعرف بان الرجل بدين, متورد الوجه , يداه خشنتان, كثيفتا الشعر , ذراعاه قويتان , له رأس خنزير , وبطنه تضغط على انفاسه …اما المراة فقد رسم لها الكاتب ملامح مجزأة مختزلة (شعر غزير مطلي بالفازلين ,منبت شعر غسقي ,وجه مذهب بدقيق خريفي مبكر.. ) لكنه ركز كثرا على سيكولوجية جسدها.وذلك ما يذكرنا بنفس النهج الذي اختطه في قصته (فتاة الطائرة الحسناء ).. يبهرك بها دون ان يرسم لك مميزات جمالها الفائق .
الرجل مسحور بها محتفل بحضورها , متوقعا ان شريحة لحم مجانية تكفي لجعلها سعيدة ..لكن المراة تركز على الزمن على وقت الساعة , هو لا يدرك مدى جحيمها , محاولا استرضاءها بكل السبل . يعرض نفسه كرجل نشيط من خلال مسحه الزجاج والمناضد بحركات متقنة تتوقف كي تستانف .. يبتعد عنها قليلا ليعود اليها ..لكنه احس اخيرا بخيبة ظن وهو يراها تسخر منه مع شيء من الشفقة ..فحين يخاطبها : انت ملكة او جميلة , تجيبه < دعك من البلاهة فما تقوله لا ينفعني >… وحين خاطبها ( اريد ان اراك سعيدة ) زادت سخريتها منه <يا لهذا الاكتشاف , اتظن اني ارضى البقاء معك ولو مقابل مليون بيزو ؟!>.ولكنها استدركت بعد فترة .. بعد عدة جمل حوارية : <<هل صحيح انك تحبني رغم ما قلته لك \ تقصد عدم البقاء معه مقابل مبلغ مرتفع \ >> فيجيبها بكل خضوع (لقد نسيت كلماتك تلك >> .. هذا ليس غريبا فقد يدع الحب او العشق بعض الرجال في غاية المذلة وهم مستمتعون بهذا ..وقد تكون المراة مبتهجة لوجود رجل خاضع تماما الا انها بعد زمن ما , قد تمله او تستصغره لاهثة وراء رجل صارم .
لكنها تنفجر بموجة ضحك <رجل تقي يقتل لاجلي . انت تخيفني > .هنا احس خوزيه \ صاحب المطعم \لاول مرة بالسخط وخيبة الظن . لكنها بدهاء انثوي دعته للاقتراب وامسكت شعره بحركة جلية العذوبة …هل انت تقتل من اجلي .. هل تكذب من اجلي اذا استفسرت الشرطة منك .. عندها نظرها بعمق كما لو ان فكرة رهيبة دوت في راسه مخلفة احساسا ضئيلا بالخوف وقال لها (أي مشكلة تورطت بها ايتها الملكة ) . من هنا ستتخذ القصة منحى دراميا اخر ,وتتضح الصورة لدى خوزيه .. تعده بانها سترحل وبانها ستعود هنا ثانية لتحس بغيرة من فتاة تقترب منه , شرط ان ينفذ طلبها .. ان يكذب على الشرطة فيقول اتت في الخامسة والنصف ..لقد نصحها بان تكف عن الرجال انها قذارة .. قالت <كنت اعرف لكني اقتنعت بذلك منذ لحظة ) .. انها كانت مع رجل واحست بالقرف وبان كل الصابون والمعقمات لا تزيل نتانته من جسدها .. لكن رجلها بدلا من ان يتوقف عاد لها ثانية ليحضنها .وهنا لا حل سوى الطعن بالسكين .
تمكن ماركيزمن خلال الحوار المتقن والاستعارات السيكولوجية واللقطات السينمائية ..والتصاعد الفاجع لدراما الحدث ان يسح القارئ سحا للتواصل وان يمنعه من التقاط الانفاس حتى النهاية وان يكرهه على التعاطف مع امرأة بائعة هوى تقتل قبل قليل ..لقد كان سلوك المرأة غامضا حتى قبيل النهاية حيث تمت اضاءة الغموض لصاحب المطعم خوزيه المسكين والقارئ معا .